الكاف مشيدا بإبراهيم دياز: سلاح فتاك للمغرب وريال مدريد    "كونفدرلية المقاولات الصغرى" تحذر من غياب الشفافية في صرف الدعم الحكومي للمقاولات    حملات مراقبة بالأسواق والمحلات التجارية بأربعاء الساحل بإقليم تزنيت    طوفان الأقصى: السياسي والإيديولوجي    قطاع البناء.. أرباب المقاولات يرتقبون ارتفاعا في النشاط خلال الفصل الأول من سنة 2025    تساقطات ثلجية وزخات مطرية قوية مرتقبة اليوم الخميس بعدد من مناطق المغرب    الفاتنة شريفة وابن السرّاج    مؤشر الإرهاب العالمي 2025    تسرب الغاز في حقل "تورتو أحميم" يهدد مستقبل مشروع ضخم بين موريتانيا والسنغال    ارتفاع عدد ضحايا حادثة سير مروعة قرب شاطئ الحرش بإقليم الدريوش    الأخضر يفتتح تداولات بورصة البيضاء    السعودية تدعم مغربية الصحراء وتعتبر مبادرة الحكم الذاتي حلا وحيدا لهذا النزاع الإقليمي    وزير الخارجية السعودي يؤكد حرص بلاده على تنمية وترسيخ التعاون القائم مع المغرب في كافة المجالات    كأس العرب قطر 2025 في فاتح ديسمبر    خبير يدعو إلى ضرورة أخذ الفئات المستهدفة للتلقيح تجنبا لعودة "بوحمرون"    تقارير تنفي اعتزال اللاعب المغربي زياش دوليا    البطولة: مباراتا السوالم مع آسفي والجيش الملكي مع الزمامرة بدون جمهور    الجامعة تنظم دوريا دوليا ل"الفوتسال" بمشاركة المنتخب المغربي والبرتغال والصين وأفغانستان    بريظ: تسليم مروحيات أباتشي يشكل نقلة نوعية في مسار تعزيز الشراكة الاستراتيجية بين المغرب والولايات المتحدة    تقارير استخباراتية: واشنطن تقترب من تصنيف جبهة البوليساريو كمنظمة إرهابية    إحباط تهريب مخدرات على متن شاحنة في الميناء المتوسطي    بورصة الدار البيضاء تستهل تداولاتها بأداء إيجابي    تضامنا مع حراس الأمن المضربين ببني ملال.. نقابة تحتج للمطالبة بإنهاء معاناتهم    ضربة قوية في مسار احتراف أنس الزنيتي بالإمارات … !    المكتب السياسي للجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني يعقد اجتماعا برئاسة شي جين بينغ لمناقشة مسودة تقرير عمل الحكومة    قمة أوروبية طارئة بمشاركة زيلينسكي على ضوء تغير الموقف الأمريكي بشأن أوكرانيا    اليابان.. قتيل وجريحان في انفجار بمصنع لقطع غيار السيارات    أمطار رعدية في توقعات طقس الخميس    والي مراكش يترأس الاجتماع الأول للجنة الإقليمية للتنمية البشرية برسم سنة 2025    البيض ماكلة الدرويش.. تا هو وصل لأثمنة غير معقولة فعهد حكومة أخنوش.. فين غاديين بهاد الغلاء؟ (فيديو)    نايف أكرد على رادار مانشيستر يونايتد    تقرير أممي يحذر من خطورة انتشار المخدرات الاصطناعية على البشرية    أيلون ماسك يستثمر في الصحراء المغربية    المغرب حصن عزة وتلاحم أبدي بين العرش والشعب أسقط كل المؤامرات    التأكد من هوية الشاب المغربي الذي عُثر عليه في البحر قبالة سبتة المحتلة    الوقاية المدنية تتدخل لإنقاذ أشخاص علقوا داخل مصعد بمصحة خاصة بطنجة    المملكة العربية السعودية تشيد بجهود جلالة الملك رئيس لجنة القدس من أجل دعم القضية الفلسطينية    دي ميستورا يبحث تطورات قضية الصحراء المغربية مع خارجية سلوفينيا    أوزين: عدم التصويت على قانون الإضراب مزايدة سياسية والقانون تضمن ملاحظات الأغلبية والمعارضة    صرخة خيانة تهز أركان البوليساريو: شهادة صادمة تكشف المستور    لهذه الاسباب سيميوني مدرب الأتليتيكو غاضب من المغربي إبراهيم دياز … !    الأمم المتحدة تحذر من قمع منهجي لنشطاء حقوق الإنسان في الجزائر    فاس تُضيء مستقبل التعليم بانضمامها لشبكة مدن التعلم العالمية    دنيا بطمة تعود لنشاطها الفني بعد عيد الفطر    وزارة الصحة : تسجيل انخفاض متواصل في حالات الإصابة ببوحمرون    عمرو خالد: 3 أمراض قلبية تمنع الهداية.. و3 صفات لرفقة النبي بالجنة    قصص رمضانية.. قصة بائعة اللبن مع عمر بن الخطاب (فيديو)    مسؤول يفسر أسباب انخفاض حالات الإصابة بفيروس الحصبة    «محنة التاريخ» في الإعلام العمومي    القناة الثانية تتصدر المشهد الرمضاني بحصّة مشاهدة 36%    «دلالات السينما المغربية»:إصدار جديد للدكتور حميد اتباتويرسم ملامح الهوية السينمائية وعلاقتهابالثقافة والخصائص الجمالية    أمن طنجة يحقق في واقعة تكسير زجاج سيارة نقل العمال    كسر الصيام" بالتمر والحليب… هل هي عادة صحية؟    مكملات غذائية تسبب أضرارًا صحية خطيرة: تحذير من الغرسنية الصمغية    عمرو خالد يكشف "ثلاثية الحماية" من خداع النفس لبلوغ الطمأنينة الروحية    في حضرة سيدنا رمضان.. هل يجوز صيام المسلم بنية التوبة عن ذنب اقترفه؟ (فيديو)    عمرو خالد: هذه أضلاع "المثلث الذهبي" لسعة الأرزاق ورحابة الآفاق    بريسول ينبه لشروط الصيام الصحيح ويستعرض أنشطة المجلس في رمضان    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



سيدي الطيبي.. قندهار المجاورة للعاصمة
نشر في المساء يوم 24 - 10 - 2008

«لقد كذبوا على الملك وقدموا له مشاريع وهمية، كنا فرحين جدا بعد أن سمعنا خبر الزيارة الملكية، لكنهم منعونا من استقباله، وسرقوا اللافتات التي تطالب بانتشالنا من الجحيم الذي نعيش فيه، وجاؤوا بالمئات من القرويين ب«البيكوبات» من مناطق بعيدة، حتى لا يسمع الملك سوى التصفيق والهتاف باسمه»، يقول عبد الرحمان، 54 عاما، متقاعد قبل أن يضيف: «لو أن الملك انعطف قليلا عن المسار الذي أعده له المسؤولون لشاهد كيف يعيش الآلاف من أبناء المغرب في الحكرة، لا ماء، و لا كهرباء، ولا قنوات صرف صحي، أين هي المدينة إذن».
المصابيح اليدوية والقداحات، الوسيلة الوحيدة التي ترشد السكان في سيدي الطيبي إلى منازلهم ليلا، فلا وجود للكهرباء. فقط من يتوفرون على الإمكانيات المادية يستطيعون نصب ألواح الطاقة الشمسية، أو توليد الكهرباء من خلال محركات الدييزل، وقنينات الغاز.
بداوة القرن 21
أما الماء فيتطلب خوض حروب يومية في السقايات للحصول على كميات قليلة منه، فيما عمد بعض السكان إلى شراء أنابيب من أصحاب الضيعات الفلاحية، للاستفادة من مياه الفرشة المائية مقابل مبالغ تتراوح ما بين 50 و60 درهماً شهريا.
أما الوادي الحار، فهناك حفرة قرب كل منزل تستقبل فضلات السكان، وكثيرا ما تتسرب منها روائح تزكم الأنوف، ومياه نتنة يلعب حولها الأطفال وهم حفاة. الخطير في الأمر أن المدينة بنيت على أهم فرشة مائية بسهل الغرب، وهو ما يهدد بتلوثها، وتعريض حياة السكان للخطر نتيجة تسرب المياه العادمة إليها.
وتبقى العربة المجرورة، الكروسة التي تجرها الدواب، وسيلة النقل الوحيدة المتواجدة، والقادرة على التحرك في مدينة بدون طرق، مقابل تسعيرة لا تتجاوز درهما ونصفاً، وهي نفس الوسيلة التي تؤمن النقل يوميا من سيدي الطيبي إلى حيث يمكنك العثور على حافلة للنقل الحضري.
الكثير من السكان يؤكدون أن السلطة والمسؤولين يمارسون عليهم مختلف صنوف القهر والترهيب، فقرارات الهدم في انتظار كل من يخالف الأوامر أو تبدو عليه بعض أعراض التمرد، وهو ما تأكد بعد أن تهرب مرافقي من إرشادي إلى مقر الجماعة، وفضل البقاء بعيدا خوفا من رد فعل انتقامي.
ويبدو مقر الجماعة «الفخم»، المحاط بأشجار النخيل، نشازا وسط المدينة المهترئة التي يعيش فيها أزيد من 100 ألف مواطن.
مخدرات وتطرف
بعد التفجيرات التي عرفتها مدينة الدار البيضاء في ال16 من ماي 2003، قفز اسم سيدي الطيبي إلى الواجهة مع إيقاف العديد من العناصر التي اشتبه في تورطها في تلك الأحداث، وقامت الأجهزة الأمنية بحملات تمشيطية أسفرت عن اعتقال عدد من المطلوبين، قبل أن تعود من حيث أتت، ليترك الإرهاب مكانه لتجارة المخدرات.
«المرارات» اسم يطلق على نقط بيع الحشيش المنتشرة في العديد من الأماكن هنا، والزبناء ليسوا من أبناء المنطقة فقط، بل يفدون من سلا والرباط والقنيطرة، بحثا عن حشيش من نوع جيد يعفيهم من تدخين «الحنة» و«السلسيون»، الذي تحول إلى سلعة رائجة بعد أن قل الحشيش الجيد، حسب أحد الزبناء.
كما أن تدخين الحشيش والسبسي أمر عادي هنا، ولا يدعو إلى التواري عن الأنظار والاختباء، فلم نصادف خلال زيارتنا أي شيء يدل على وجود السلطة بالمكان.
يقول أحد أبناء المنطقة: «الحشيش موجود، وهو العزاء الوحيد لمئات الشباب الذين يقتلون وقتهم في المقهي، فلا وجود لحي صناعي أو تجارة»، ويضيف: «أقصى ما يمكنك فعله هنا أن تعمل في أوراش البناء، أو أن تعيد بيع بعض الخضر لمستعملي الطريق الوطنية، بعد شرائها من الفلاحين. نحن نموت ببطء، العديد منا ينتظر فرصة مواتية للحريك وفي انتظار ذلك لا بأس من تعطيل الدماغ بالجوانات».
الطريق إلى «قندهار»
على امتداد الطريق بين سلا والقنيطرة، ينتشر الإسمنت ليرسم أحياء مترامية بدون أسماء، فيما يخلق القصدير دواوير بأسماء غريبة مثل «الميكة». و«لحلالة».المشاهد تغيرت كثيرا في أقل من عقدين بهذه المنطقة التي كانت منتزها طبيعيا خلابا.. القمامة في كل مكان، والكثير من الأشجار اختفت، ولم يتبق سوى صف نحيل من الكاليبتوس يخفي وراءه غابات الإسمنت التي زرعت على عجل.
بعد حوالي نصف ساعة، تظهر على جانب الطريق بعض العربات المجرورة، وسيارات الخطافة المتهالكة، كأول علامة على أنك اقتربت من حدود مدينة سيدي الطيبي. التي يتفنن سكانها في تنويع أسمائها بين «قندهار» و«تورابورا» و«الروضة المنسية».
السكان لازالوا يتحدثون عن زيارة الملك بحسرة عميقة، بعد أن صادرت السلطة لافتاتهم التي حاولوا من خلالهم نقل معاناتهم إليه، ولجأت إلى استيراد مئات القرويين من مناطق مجاورة ليكونوا في استقباله.
ليست هناك شوارع ولا أزقة، فقط آلاف الصناديق الإسمنتية، و«الكاراجات»، وقطعان الماشية والدجاج، الذي يتنقل إلى جانب البشر.
عند مدخل المدينة، نقرأ تلك العبارة المألوفة «مدينة سيدي الطيبي ترحب بكم»، ولكن الواقع أن هذه المنطقة لا تحمل من مواصفات المدينة سوى الاسم، المقاهي المعدودة لا تحمل أسماء حتى. الجلوس في إحداها يعطي صورة عميقة عن واقع المدينة المزري، شبان مسمرون على كراسي صدئة، يتناولون لفافات الحشيش وعيونهم مشدودة نحو شاشة صغيرة تنقل مباراة «البارصا».
بعد لحظات، اشتعلت النار فجأة في أحد مصابيح المقهى وتطاير الشرر منها، لكن الجميع بدوا غير منتبهين إلى هذا الحادث المعتاد بالنسبة إليهم، والناتج عن توليد الكهرباء باستعمال الغازوال.
يقول أحد الشبان إن «مقاهي سيدي الطيبي ليست ككل المقاهي المعروفة، فالتلفاز يشغل لمدة ساعة فقط، لاقتصاد الكازوال، والجرائد لا وجود لها قطعيا، أما المرحاض فرائحته كريهة».
مدينة مشوهة
قبل سنة 1998. لم يكن اسم سيدي الطيبى معروفا إلا كمنطقة غابوية محاذية لمدينة القنيطرة، قبل أن تعرف المنطقة بيع الخواص بعض الأراضي الفلاحية بالتقسيط. الوافدون الجدد شرعوا في بناء المنازل بدون رخص أو تصاميم، مستفيدين من تساهل السلطة مقابل رشاوى. الفقر والجفاف دفع الفلاحين في المنطقة إلى بيع أراضيهم لإيجاد مورد للعيش، مما فتح المجال للسمسرة والمتاجرة في العقارات خارج القانون.
أصبحت منطقة سيدي الطيبي تستقبل يوميا المئات من الحالمين بامتلاك بقعة وتشييد مسكن بعيدا عن النار التي اشتعلت في أسعار العقار في المدن المجاورة كسلا والرباط والقنيطرة. في البداية، لم يكن سعر المتر الواحد يتجاوز 10 دراهم، وبعد تزايد الطلب قفزت الأسعار لتتجاوز 1000 درهم للمتر.
معظم الوافدين كانوا من الجنود الذين اشترى بعضهم بقعا أرضية لا تتجاوز مساحتها 34 مترا مربعاً، وشيدوا أكواخا إسمنتية من طابق واحد، كما استقطبت المنطقة مئات الحرفيين، وبعض الموظفين من ذوي الدخل المحدود.
بعض المسؤولين والسماسرة الذين اغتنوا من عمليات بيع الأراضي كانوا يوهمون الناس بأنه ستتم تهيئة المنطقة بالماء والكهرباء والوادي الحار، لكن شيئا من هذا لم يتحقق، مما دفع الكثير من السكان إلى عرض منازلهم للبيع.
خلال زيارته للمنطقة، دشن الملك مجمعا للصناعة التقليدية وعددا من المساجد، لكن السكان كانوا ينتظرون إجراءات تمس حياتهم اليومية البئيسة، تقول سيدة مسنة ل«المساء»: «ماذا سنفعل بالصناعة التقليدية، نريد الماء والكهرباء والوادي الحار».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.