قال رئيس بيت الشعر في المغرب الشاعر حسن نجمي، أن حفل تسليم جائزة الأركانة، الذي سيحتضنها اليوم مسرح محمد الخامس، هو وفاء من بيت الشعر في المغرب بالموعد الذي كان مقررا من قبل بالاتفاق مع الشاعر الفلسطيني الراحل محمود درويش. وقال نجمي إن درويش هو من حدد الموعد في 24 أكتوبر من الشهر الجاري، لكن يد المنون اختطفته، واعتبر نجمي، الذي كان يتحدث في ندوة صحافية عقدها بيت الشعر أول أمس في مؤسسة الرعاية لصندوق الإيداع والتدبير بحضور محمد كرين الرئيس المنتدب للمؤسسة أن هذا اللقاء سيكون احتفالية كبرى وليس مناسبة للرثاء والبكاء على رحيل الشاعر الكبير، وقال: سنحتفل بدرويش كما لو كان معنا، وذلك احتراما من البيت لالتزاماته السابقة. ويشارك في الاحتفالية مارسيل خليفة وأحمد عبد المعطي حجازي وغانم زريقات وطاهر رياض وصبحي حديدي وأحمد درويش أخ الشاعر الراحل، ومحمد الأشعري ومالكة العاصمي وياسين عدنان، ويقوم بتنشيط الأمسية فرقة «صول» للموسيقى من بني ملال وماجدة بنكيران وخلود. وكانت لجنة تحكيم جائزة «الأركانة» قد منحت درويش الجائزة بناء على الحيثيات التالية، حيث أكد التقرير أن الشاعر محمود درويش أرسى لتجربته الإبداعية وضعا اعتباريا خاصا، في المشهد الشعري العربي والعالمي، بما جعل منها لحظة مضيئة في تاريخ الشعر الإنساني. في هذه التجربة، خطت قصيدته كونيتها وهي تنصت لقيم الحب والحرية والحق في الحياة، من غير أن تتنكر لدمها الخاص. إنصات اكتسى ملمحه الشخصي من وعي الاستضافة المتفردة التي يهيئها الشعر لهذه القيم، دون أن ينسى جوهره وسره. من نبل هذه الاستضافة ووعورتها، جماليا، رسخ الشاعر محمود درويش، ولايزال، القيم الخالدة، مؤكدا، في منجزه الكتابي وعبره، أن المادة الرئيسة لهذا الترسيخ لغة لا تتنازل عن جماليتها وبهائها واستنباط الجوهري فيها، الذي به ننفتح على الجوهري في الوجود ذاته. وهذا الوعي الجمالي هو ما جعل الحلم والمكان، في شعره، غير منفصل عن إرساء لغة تحتفي بمجهولها وتنشد أسراره. انطوت تجربة الشاعر محمود درويش على أزمنة ثقافية متباينة. ولم تكن هذه الأزمنة تضمر معرفة عميقة بالشعر وجغرافياته وحسب، وإنما كانت تضمر، أيضا، وعيا حيويا بأن الشعر منذور للتحول والإبدال والتجدد، بما يجعله مشرعا دوما على المستقبل. ذلك ما تشهد عليه الإبدالات الشعرية في تجربة محمود درويش، بندوبها الممتدة لما يقارب نصف قرن. لم يكف محمود درويش، منذ أن وعى أن الشعر مصيري، عن البحث عن القصيدة في الألم والفرح، في الحياة والموت، في الورد والشوك، في الكلي والجزئي، من غير أن يفرط في شهوة الإيقاع، أي في الماء السري للقصيدة. وفاء الشاعر محمود درويش للبحث عن الشعر ظل يوازيه حرص على خلخلة الحجب التي تولدت، في مرحلة معينة، عن قراءة اطمأنت للخارج في مقاربة شعره، ناسية الرهان الجمالي الذي ينهض به الداخل. بهذا الوفاء كما بهذا الحرص، أَمَّنَ محمود درويش لقصائده أن تنأى، باستمرار، عن نفسها، مستندا في ذلك إلى معرفة بالشعر وإلى قدرة مذهلة على الارتقاء بالقضايا، التي تفاعل معها، إلى أعالي الكلام، تحصينا للشعر. إن هذه الأعالي هي الوجه العميق للمقاومة، التي لا تنفصل، في تجربته، عن الجمالي. إقامة الإنساني، بألمه وحلمه ومفارقاته، في أعالي الكلام، مكنت الشاعر محمود درويش من الكشف عن تجذر اللغة وشموخها في مجابهة الاقتلاع بمختلف وجوهه؛ الاقتلاع من المكان ومن التاريخ ومن الوجود. مع الشاعر محمود درويش، نستوعب ممكن اللغة الشعرية وخطورتها. ممكن الانغراس في الأرض، ساريا في الصورة والإيقاع والجمالية المنسابة في مفاصل القصيدة. جمالية على عتباتها تتعرى مظاهر التوحش والدمار والقتل التي يتصدى لها شعر محمود درويش بأسراره الخاصة.