تتعدد الاختصاصات المخولة لرؤساء المجالس الجماعية وتتشعب الوظيفة الجماعية بين الإشراف على مصالح متنوعة، تقنية وإدارية، اجتماعية واقتصادية، على اعتبار أن رئيس المجلس الجماعي هو المسؤول الأول عن مصلحة المواطنين على صعيد الجماعة، الذي خوله القانون إمكانية تفويض بعض اختصاصاته لنوابه وفئة خاصة من الموظفين، من جهة على سبيل إشراكهم في تحمل مسؤولية تسيير الشؤون المحلية، ومن جهة أخرى حتى يتفرغ هو أكثر للمهام الاستراتيجية المتعلقة بالتنمية المحلية، الشيء الذي يمكن من ضمان مردودية أحسن وفعالية أكبر لسير مختلف المرافق الجماعية. إلا أن معظم الجماعات الترابية في المغرب تعيش صراعات تخوضها مكونات المكاتب المسيرة للمجالس المنتخبة حول التفويضات التي يمنحها رئيس الجماعة لنوابه، خاصة في المدن الكبرى. فبخلاف الميثاق الجماعي لسنة 1976 الذي خول رئيس المجلس الجماعي إمكانية تفويض اختصاصاته لمساعديه، وكذا للمستشارين الجماعيين، ونتيجة لما ترتب عنه من تداخل بين الجهاز التداولي والجهاز التنفيذي بسبب تدخل المستشارين الجماعيين في التسيير الإداري للمصالح الجماعية، حصر القانون رقم 78.00 الصادر في 3 أكتوبر 2002 إمكانية التفويض من طرف رئيس المجلس الجماعي في مساعديه من النواب وفي بعض أصناف الموظفين الجماعيين وفي الكاتب العام دون باقي المنتخبين، وذلك لجعل الرئيس في منأى عن كل ضغط؛ كما منع على كل عضو أن يزاول، خارج دوره التداولي داخل المجلس أو اللجان التابعة له، المهام الإدارية الجماعية أو أن يوقع على الوثائق الإدارية أو يدير أو يتدخل في تدبير المصالح الجماعية، وذلك باستثناء الرئيس والنواب، ورتبت المادة 23 من هذا القانون على عدم احترام ذلك جزاء العزل والمتابعة القضائية على خلفية مزاولة مهام منظمة بدون صفة قانونية، إذ لا يعقل أن يصبح التفويض وسيلة لترضية طموحات شخصية لبعض الأعضاء أو لكسب الأصوات عند عملية تجديد مكتب المجلس الجماعي على حساب المصلحة العامة، كما لا يعقل أن يصبح التفويض وسيلة تعطي الحق لعضو خارج المكتب لتدبير المصالح الجماعية، وكأن الجماعة لا تتوفر على موظفين جماعيين ربما لهم من الكفاءة والدراية ما لا يتوفر عليه بعض المستشارين الجماعيين، خاصة عندما يتعلق الأمر بالكاتب العام للجماعة ورؤساء الأقسام والمصالح. وبعدما لوحظ أن التفويضات التي تمت في إطار قانون 78.00 قد شابها كذلك العديد من الاختلالات الشكلية والجوهرية -إذ كان رئيس المجلس الجماعي إما ينفرد بجميع الاختصاصات دون أن يفوض بعضها إلى نوابه أو يفوض جزءا كبيرا منها إلى نائب واحد دون إشراك باقي النواب، مما ينعكس سلبا على تدبير الشأن المحلي ويضر بمصالح المواطنين، خصوصا في الحالة التي يتغيب فيها الرئيس أو النائب المفوض إليه بشكل متوال- صدر القانون رقم 17.08 بتاريخ 18 فبراير 2009 وعمل على تحديد دقيق لمجالات التفويض في المهام والتفويض في التوقيع، حيث نصت المادة 55 منه على أنه يجوز لرئيس المجلس الجماعي أن يفوض، بقرار، بعض مهامه إلى نوابه شريطة أن ينحصر التفويض في قطاع محدد لكل نائب باستثناء التفويض المتعلق بالتسيير الإداري؛ كما يجوز له، تحت مسؤوليته ومراقبته، أن يفوض إمضاءه، بقرار، إلى الكاتب العام للجماعة في مجال التسيير الإداري، وكذا إلى رؤساء الأقسام والمصالح الجماعية، وأن قرارات التفويض المتخذة خرقا لهذه المادة تعتبر باطلة ويصدر الإبطال بشأنها بقرار معلل من الوالي أو العامل. إلا أن هذا التعديل بدوره أحدث نوعا من الالتباس لعدد كبير من رؤساء الجماعات رغم الاستقبال الذي خصصه وزير الداخلية للرؤساء المنتخبين والمذكرة الوزارية الصادرة في هذا المجال بتاريخ 16 يوليوز 2009 والتي جاءت لتوضح الفرق بين تفويض التوقيع وتفويض الاختصاص بسبب الخلط الحاصل بينهما، وكذا لتوضيح المسطرة الواجب اتباعها في التفويض وتحديد المسؤوليات الناجمة عن الخروقات المرتكبة في هذا الإطار. فالإشكال والغموض ثار حول مدى إمكانية تفويض الرئيس مهاما إلى النائب في أكثر من قطاع محدد؟ وهل يمكن سحب هذا التفويض؟ وهل يمكن أن يظل الرئيس يمارس الاختصاص نفسه؟ وإذا كانت الإجابة عن هذا السؤال الأخير واضحة قانونيا لكون ممارسة الرئيس للاختصاص المفوض لا تجوز إلا في حالة تفويض التوقيع، فإن هناك إشكالا آخر لا يقل أهمية، له علاقة بموضوع الحلول في الاختصاص أو النيابة المؤقتة التي منحها المشرع لأحد نواب الرئيس في حالة تغيبه أو في حالة وجود عائق يعوقه عن ممارسة مهامه. فالذي تمت مؤاخذة القانون رقم 78.00 عليه وتتم مؤاخذة القانون رقم 17.08 عليه كذلك أنهما احتفظا بالفصل 52 من الميثاق الجماعي لسنة 1976 والذي ينص، بعدما أدخلت عليه بعض التعديلات، على أنه إذا تغيب الرئيس أو عاقه عائق لمدة طويلة من شأنها أن تلحق ضررا بسير الجماعة أو بمصالحها، فإنه يخلفه مؤقتا في جميع مهامه أحد النواب حسب الترتيب في التعيين؛ وفي حالة عدم وجود نائب، يخلف الرئيس مستشارٌ جماعي يختاره المجلس حسب ترتيب محدد. فما المقصود بعبارة غياب رئيس المجلس الجماعي، وما هي المعايير التي يمكن اعتمادها في تحديد حالة الغياب؟ وما هي المدة الزمنية التي يمكن اعتبارها حالة غياب؟ وما هي الجهة المؤهلة لتقدير ذلك؟ حقيقة أن الميثاق الجديد قد حدد، نوعا ما، مفهوم الغياب عندما ربطه بمدة زمنية طويلة، لكن هل يكفي أن يتغيب رئيس المجلس الجماعي لفترة طويلة لكي يحل محله في ممارسة اختصاصاته أحد نوابه أو أحد المستشارين الجماعيين أم يجب أن يقترن غيابه باضطراب في سير الجماعة أو الإضرار بمصالحها؟ مع العلم بأن غياب الرئيس قد لا يستغرق مدة زمنية طويلة، إلا أنه قد يسبب اضطرابا في سير الجماعة. والحلول في الاختصاص حسب الميثاق المذكور لا يتعلق فقط بتفويض بعض المسائل التدبيرية إلى المستشار الجماعي، بل إن هذا الأخير تصبح له إمكانية خلافة الرئيس في كل مهامه الأصلية المستمدة من النصوص القانونية، وممارسة اختصاصاته سواء تعلق الأمر بالمهام التنفيذية أو تمثيل الجماعة في جميع أعمال الحياة المدنية والإدارية والقضائية أو تلك المتعلقة بالشرطة الإدارية، وفي جميع مجالاتها، سواء كانت أعمالا قانونية أو مادية، مع الإشارة إلى أن الحلول لا يعني إطلاقا حق النائب في ممارسة كل أعمال الرئيس، بل من المفترض أن يتولى ممارسة المهام المستعجلة التي لا تحتمل التأخير والتي ليست محل تفويض، لما قد يترتب عن ذلك من إضرار بمصالح المواطنين. وهناك أيضا مسألة تدعو إلى الاستغراب وتتعلق بالحالة التي يمنح فيها حق الحلول محل رئيس المجلس الجماعي لمستشار جماعي من غير النواب، فكيف سيقوم هذا المستشار بمهمة خلافة رئيس الجماعة على أحسن وجه والقانون لم يخوله إمكانية اكتساب التجربة في هذا المجال بعدما تم حصر التفويض في النواب والموظفين الجماعيين، بمعنى كيف سينجح في مهمة خلافة رئيس الجماعة وهو لم يكتسب التجربة عن طريق التفويض بعدما تم استثناؤه منه بسبب المشاكل التي أثارها في ظل الميثاق الجماعي لسنة 1976؟ باحثة في القانون الإداري وعلم الإدارة