منذ سنوات اختفى الدولي المغربي السابق عبد الإله صابر عن الأنظار، فقد اعتزل كرة القدم مبكرا رغم أنه كان في أوج عطائه ويلعب في الدوري الإيطالي. صابر الذي يدرب أحد فرق الهواة بفرنسا، يكشف في هذا الحوار الذي أجرته معه"المساء" أسباب اعتزاله المبكر ويتحدث عن موضوع "الكريمات" ويقول إنه يرفض أن يتاجر الرياضيون بحملهم للقميص الوطني. - أثار ملف «الكريمات» الكثير من الجدل في المغرب، ما تعليقك على الأمر؟ لقد تابعت النقاش الدائر، بالنسبة لي أرى الأمر من زاوية أخرى، لقد تفاجأت عندما وجدت أسماء لاعبين استفادوا من هذه المأذونيات وكانوا يلعبون إلى جانبي في المنتخب الوطني. المثير أنهم كانوا يقدمون طلباتهم للحصول على «الكريمات» دون أن يكون ذلك في علمنا كزملاء لهم بل وكإخوة كنا نعيش في الفريق الوطني، ونتقاسم معهم الأفراح والأحزان. ربما تلك قناعاتهم وتربيتهم، علما أن معايير الاستفادة من هذه «الكريمات» ليست واضحة، ثم إنه من العيب أن يسعى بعض اللاعبين مع احترامي لهم إلى السعي وراء الحصول على «الكريمات» بمبرر أنهم حملوا القميص الوطني، فهناك بسطاء من المغاربة هم في حاجة ماسة إلى هذه «الكريمات» أكثر من الرياضيين أنفسهم، بل إن هناك من لا يجد قوت يومه، وهو أحوج إلى هذا الامتياز من بعض الرياضيين الذين لديهم إمكانيات العيش الكريم. لذلك، أرى أنه إذا كان هناك رياضيون «سهل الله عليهم» فعليهم أن يتنازلوا عن هذه الامتيازات وتمنح للفقراء، ليس مقبولا أن يتم إغناء الغني وإفقار الفقير، للأسف في المغرب اليوم لم تعد هناك طبقات متوسطة، فإما الفقر أو الغنى وهذا أمر غير معقول وغير مقبول، كما أنني أرفض أن يتاجر بعض اللاعبين أو الرياضيين بشكل عام بحملهم للقميص الوطني من أجل الحصول على الامتيازات. لقد لعبت للمنتخب الوطني على أعلى المستويات وأعرف قيمة حمل قميصه، فاللعب للمنتخب الوطني يجب ألا يكون ذريعة للبعض ليحصل على الامتيازات أو يتاجر به، فكل يخدم المغرب من موقعه. عندما نلعب للمنتخب الوطني لانتتظر الحصول على مقابل مالي. - لكنك سبق أن سعيت للحصول على «كريمة»؟ كان ذلك سنة 1997 أي في فترة بداياتي مع المنتخب الوطني، وقتها لم تكن لدي الإمكانيات، كما لم أكن على اطلاع بكل ما يجري من حولي، وباتفاق مع أحد زملائي في المنتخب توجهنا إلى مقر إقامة الملك محمد السادس لما كان وليا للعهد لنحصل بدورنا على «كريمة»، لكننا عندما وصلنا إلى مقر إقامته وجدت الكثير من البسطاء من أبناء الشعب وهم يقفون في انتظار أن يأتي دورهم. خجلت من نفسي رفقة زميلي وعدنا أدراجنا وقلنا علينا أن نحمد الله لأن أوضاعنا المادية أفضل ممن كانوا يقفون في طابور طويل. - ماذا يفعل عبد الإله صابر حاليا؟ أنا مقيم بفرنسا، حيث أمارس التدريب فقد أشرفت على تدريب مجموعة من الفرق بقسم الهواة، وما زلت أزاول مهمة التدريب، علما أنني أعتزم العودة إلى المغرب. - لكنك توقفت عن ممارسة كرة القدم مبكرا؟ لقد توقفت بعدما عشت ظروفا صعبة، علما أنني في الوقت الذي قررت فيه الاعتزال كنت لاعبا دوليا في المنتخب الوطني وألعب أيضا لفريق نابولي الإيطالي. توقفي عن الممارسة كان بمثابة رسالة احتجاج إلى جامعة كرة القدم، وصرخة للمسؤولين، ففي الوقت الذي كان فيه المنتخب الوطني يستعد لنهائيات كأس إفريقيا للأمم 2004 بتونس، وبعدما شاركت مع المنتخب في مباراة ودية أمام السنغال وأحرزت فيها هدف الفوز، تعرضت لإصابة في أحد مباريات فريقي طورينو الإيطالي، لكن المفاجئ أن لا المدرب ولا أيا من مسؤولي الجامعة كلفوا أنفسهم عناء الاتصال بي والاطمئنان على وضعيتي، وهو الأمر الذي ترك أثرا سلبيا على نفسيتي. - لكنك كنت قبل ذلك أعلنت الاعتزال؟ فعلا كنت قد أعلنت الاعتزال قبل ستة أشهر من ذلك الموعد، لكنني تراجعت بعد أن اتصل بي مسؤولو الجامعة فقد كانوا في حاجة إلى خدماتي في المنتخب الوطني، علما أن فكرة الاعتزال كانت تراودني دائما خصوصا في ظل الأسفار المتواصلة مع المنتخب الوطني، مما كان يجعلني أبتعد عن العائلة التي كنت دائما أرغب في التفرغ لها، لكنني لم أكن أتوقع بعد عودتي أنني سأتعرض لكسر دون أن يكلف مسؤولو الجامعة أنفسهم حتى عناء رفع سماعة الهاتف للاطمئنان علي ومتابعة حالتي الصحية، لذلك اتخذت قرارا نهائيا بالاعتزال وتطليق الكرة بعد أن أنهي عقدي مع فريق طورينو الذي كنت ألعب له في ذلك الوقت. - لكنك في النهاية أنت الذي دفعت الثمن وتوقفت عن ممارسة الكرة مع أنه كان بإمكانك الاستمرار طويلا في الملاعب؟ المال لم يكن في يوم من الأيام هما بالنسبة لي، لقد تربيت على القناعة، «نقدر نعيش بالخبز وأتاي» دون أية مشكل، لأن ملذات الحياة لم تكن هما لي. هناك أشياء ثمينة في الحياة، أهمها الاستقرار العائلي، وإذا كان بعض اللاعبين تعودوا على نمط حياة من نوع آخر فيه السهر والنشاط، فأنا حتى عندما كنت ألعب للمنتخب الوطني كانت أفضل اللحظات هي تلك التي أقضيها رفقة العائلة، أو مع اولاد الدرب نتجاذب أطراف الحديث، فأنا إنسان عائلي من الدرجة الأولى، لذلك عندما قررت الابتعاد عن الكرة لم أجد صعوبة في ذلك. - لكنك تضررت ماديا، خصوصا أنك كنت تلعب لفرق أوربية كبيرة؟ ليس مشكلا بالنسبة لي لأنني لم أتطلع في يوم من الأيام لأشياء أكبر مني، الحمد الله كما أن كثيرين مستوياتهم المعيشية أفضل مني، فإنني أيضا أفضل من كثيرين، المهم هو القناعة. - تزوجت في سن مبكرة؟ فعلا تزوجت مبكرا وبالضبط سنة1997 لأنني كما قلت لك إنسان مرتبط بالعائلة وأحب الاستقرار. - ألم تندم على قرارك بالاعتزال، خصوصا أن لاعبين أكبر منك سنا مازالوا يمارسون؟ لم أندم لأن قرار الاعتزال اتخدته بعد تفكير، ولأنني لانقوم إلا بما هو مقدر لنا. - متى ستعود إلى المغرب؟ أتمنى أن أعود في السنة المقبلة، فليس هناك أفضل من أن يعيش المرء في وطنه وبين أفراد عائلته. أسعى أيضا لأن أدرب في المغرب خصوصا أن لدي ديبلوماتي في المجال، والتي تمكنني من التدريب في البطولة الوطنية. عدد من أصدقائي عندما يجدون أنني قضيت سنوات طويلة في الغرب يتفاجؤون، فهم يعرفون ارتباطي بالعائلة، وباولاد الدرب، لكن الحياة تفرض علينا العديد من الاختيارات. - في الوقت الذي يدرب فيه لوران بلان المنتخب الفرنسي وديدي ديشامب فريق أولمبيك مارسيليا، وهم من الجيل الذي منح فرنسا كأس العالم 1998، فإن اللاعبين المغاربة الذين شاركوا في نهائيات نفس الكأس لم يدخلوا عالم التدريب بقوة، ما السبب؟ هناك عدة أسباب ففي فرنسا مثلا هناك متابعة دائمة للاعب، ففرص التكوين تتاح أمامه باستمرار، ومنظومة العمل تسمح له بأن يجد الطريق سالكا، لدينا نحن الأمور مختلفة إذ أن هناك إعاقات كثيرة تحد من طموح اللاعبين في ولوج عالم التدريب.