بعد أن عاشت ألعاب القوى المغربية حالة من التثاؤب وغابت الفرحة عن بوديوم التتويج وسكت النشيد الوطني عن العزف، انتهت فترة الجفاء بين أم الألعاب والألقاب وتم في إسطنبول تطبيع العلاقات بين الأبطال المغاربة والميداليات، بعد أن تمكن عبد العاطي إيكيدير من الظفر بذهبية 1500 متر في بطولة العالم لألعاب القوى وهي نفس المسافة التي أعادت مريم العلوي السلسولي إلى دائرة الضوء بعد أن حازت على الميدالية الفضية، في تحد كبير لقرار الحصار الذي ضربه الاتحاد الدولي لألعاب القوى على العداءة المغربية، لمدة عامين، بعد إدانتها بتهمة تناول مواد محظورة، وهي العقوبة التي لم تمنع مريم من رفع التحدي ورفع العلم المغربي خفاقا في بلاد أتاتورك. ولأن الرياضة المغربية في أمس الحاجة لنصف فرحة تنتشلها من الكرب الذي استوطنها، فقد كان ذهب إيكيدير وفضة السلسولي مبعث فرح الجميع، حيث عاش مطار محمد الخامس على إيقاع فرحة انخرط فيها الرياضيون والمسافرون بلا استئذان، وتبين حجم الظمأ الذي يستشعره المغاربة العطشى لانتصار ينهي حالة الجفاف الذي ضرب أم الألعاب. «المساء» رافقت موكب الأعراس من مدرج مطار محمد الخامس إلى هودج الفرح بمقر جامعة ألعاب القوى. حين وصل المنتخب المغربي، أو ما تبقى منه، إلى مطار محمد الخامس في الثالث من فبراير الماضي، كان الاستقبال باردا وبدا وكأن العناصر الوطنية تحاول التخلص من صفة لاعب دولي، بعد المشاركة المذلة في نهائيات كأس إفريقيا، الآن الوضع مخالف تماما مع المنتخب المغربي لألعاب القوى رغم أن التتويج طال عنصرين فقط. حين حطت الطائرة القادمة من تركيا بعد زوال الإثنين في مطار محمد الخامس، كان الجميع يتهيأ للاحتفال بالأبطال على الأقل لطرد لعنة الجفاف، يقول شرطي مرور بمدخل المطار، حين سألناه عن طريقة استخلاص «بادج» يمكننا من ولوج القاعة الشرفية، «شحال هادي ما تحلات للرياضيين»، قبل أن يدلنا على مقصدنا. داخل القاعة كان الجميع منهمكا في تناول كؤوس الشاي والعصير والحلوى، فلا يمكن أن تميز بطلا عن بقية الحاضرين إلا من خلال نحافة الجسد وحجم العياء الجاثم على الجفون، خاصة وأن أفراد المنتخب المغربي وعلى غير العادة فضلوا السفر إلى المغرب بملابسهم العادية دون ارتداء البدل الرياضية الموحدة التي تجسد الانتماء للوطن، بل إن كثيرا من المسافرين ظلوا يبحثون عن إيكيدر والسلسولي من بين الحاضرين دون جدوى. دعوات وزغاريد وورود «الله يرضي عليكم في الدنيا والآخرة»، بهذه العبارة كانت سيدة،عائدة للتو من الديار المقدسة بعد أداء مناسك العمرة، تدعو الله ليديم الأفراح على هذا البلد، بينما كان كثير من المعتمرين المغاربة، الذين تصادف وجودهم في المطار وصول بعثة المنتخب المغربي من اسطنبول يشاركون العدائين فرحتهم، قبل أن يتساءلوا عن طبيعة التظاهرة ونوعية الرياضة وأسماء المتوجين، بل إن الاعتقاد قد ساد لدى كثير من المسافرين بأن الاستقبال الحاشد لمنتخب للكرة، لأنها القادرة على استقطاب الطبول والمزامير. من شدة الحماس كادت مريم وعبد العاطي أن يغادرا المطار دون أن يأخذا حقائبهما من مجرى الأمتعة، قبل أن يذكرهما أحد المسؤولين بأن الأمتعة لازالت تدور حول نفسها دون أن يعبأ بها أحد. حضرت الأعلام الوطنية وصور الملك والأمراء وأكاليل الورود، وموشحات «الصلا والسلام على رسول الله»، واستنفر المسافرون والمستقبلون هواتفهم النقالة لتأريخ الحدث بالصوت والصورة، وبدا وكأن الجميع يريد أن يقول إن لعويطة ونوال والكروج والسكاح والعوام وبولامي خلفا صالحا. الزفة إلى العاصمة الرباط ولأن للانتصار أكثر من متعهد، فقد كان في الاستقبال مسؤولون من كل حدب وصوب، يتقدمهم عبد السلام أحيزون رئيس الجامعة الملكية لألعاب القوى، ومساعديه الأقربين، وأعضاء من اللجنة الأولمبية الوطنية، وموفد عن وزارة الشباب والرياضة، ومجموعة من العدائين السابقين واللاحقين كفاطمة عوام وخالد السكاح، وطبعا أفراد أسر العدائين الذين كانت زغاريدهم تخترق صمت بهو المطار، ساهمت إلى جانب الدقة المراكشية، في مصادرة الصوت النسوي المنبعث من إذاعة المحطة الجوية والذي يذكر المسافرين بموعد الإقلاع والهبوط. على رصيف محطة «التيرمينال 2»، توقفت سيارات سوداء فاخرة لنقل العدائين إلى العاصمة الرباط، وفي الطريق السيار صادف موكب العدائين سيارة «بيكوب» مزينة بعلم أبيض مشدود بباقة نعناع، بداخلها نسوة ورجال كانوا في استقبال قريب أنهى مناسك العمرة، فانخرطت البيكوب المتربة والسيارات الفاخرة في تبادل الفرحة عبر أصوات المنبه. عداؤون قدامى وجدد في الموعد في مدخل مقر الجامعة بمركب الأمير مولاي عبد الله، وقف عداؤون سابقون ولاحقون في انتظار الزفة، وما أن أطل الموكب حتى أعطيت تعليمات «صارمة»، لرئيس فرقة الدقايقية ليملأ الفضاء طربا وهو ما جعل الكثير من العداءات وأفراد عائلاتهن يتحولن إلى كورال يضفي على اللقاء حميمية الأعراس، خاصة بترديد موشحات ارتبطت بالأعراس المغربية تشيد مضامينها بالعريسين. حضر حفل الاستقبال، بالرغم من الطابع الفجائي الذي ميزه، عدد من أعضاء المكتب الجامعي وعداؤون قدامى أغلبهم يمارس التأطير داخل الجامعة، من بينهم حسناء بنحسي وزهرة واعزيز ومحجوب حيدة وحيسو صلاح وعادل الكوش وعلي الزين وغيرهم، بينما كان أحيزون بين الفينة والأخرى يسرق الأضواء والاهتمام من البطلين المتوجين، فيما حرصت مريم السلسولي على دعوة أمين لعلو الذي أخفق في مسابقة 1500 متر، للالتحاق بالمنصة وأخذ صور للذكرى دعما لمعنوياته، وسعيا لتحقيق نوع من التضامن بين حاملي الفضة والذهب والعائدين إلى الوطن بخفي حنين. التكوين وصفة أحيزون استغل رئيس الجامعة الفرصة للحديث عن جدوى التكوين، وليؤكد مقولته الشهيرة «البطل لا يبنى بالخرسانة»، في إشارة إلى صعوبة إنجاب بطل في رياضة ألعاب القوى، وقال أحيزون ل»المساء» وهو يشدد على ضرورة التمسك بخيار التكوين، «لا يمكن إنجاب عدائين بين يوم وليلة، بناء البطل كبناء صرح كبير لكن ليس بالخرسانة، بل بالجهد والعمل الشمولي الذي يبدأ باكتشاف العداء وتكوينه ورعايته وتكوين مكونيه وتأهيل ناديه»، بينما تدخل خالد السكاح ليعزز أطروحة الرئيس «المغرب مؤهل لأولمبياد لندن ب19 بطلا، أغلبهم قادر على الوصول إلى النهائي عكس الرياضات الأخرى منها من يبحث عن التأهيل ومنها من لا يتجاوز المشاركة من أجل المشاركة». ورغم صخب الحفل فقد دعا أحيزون الأبطال القدامى إلى اجتماع «على الواقف» تحدث فيه عن أهمية التكوين ودعا إلى الاستمرار في البناء. إيكيدير والسلسولي والآخرون من المفارقات الغريبة في هذا الإنجاز، كونه تحقق من طرف بطلين لا يتدربان في قاعة لألعاب القوى، نظرا لعدم توفر المغرب على قاعة لأم الألعاب، لأنها صممت خصيصا على مقاس كرة السلة واليد والطائرة وفنون الحرب والكرة الخماسية والسهرات الأسبوعية، بل إن البطل إيكيدير المتوج بالذهب قد حرم قبل التوجه لإيطاليا سنة 2004 في أول مشاركة له في بطولة العالم للشبان من الحصول على التأشيرة من سفارة إيطاليا، وبعد أن التحق بالبعثة متأخرا، تمكن من الظفر بالميدالية الذهبية، والتي دشن بها علاقته مع البوديوم، بينما كانت العداءة مريم العلوي السلسولي، إلى وقت قريب في نزاع مع جامعة أحيزون، التي أصدرت قرار توقيف البطلة قبل قرار الاتحاد الدولي في قضية منشطات، لكن مريم تدخل الجامعة مطوقة بالفضة وتطوي صفحة خلافها مع الجامعة بعزيمة وبأس شديد. الدقة المراكشية دعا رئيس الجامعة الحاضرين إلى تناول الحلويات وكؤوس الشاي، ومنح للأبطال فرصة الاستسلام أمام عدسات المصورين وعدسات الهواتف النقالة، وهو يحاول التقليل من الحدث وعدم اعتباره «منتهى الأحلام»، وقال «الرياضة فيها نجاحات وإخفاقات ومن لا يتسلح بهذا المعطى ليس رياضيا»، بينما استغل أعضاء فرقة الدقة المراكشية الفرصة لأخذ صور تذكارية مع أحيزون ومع عبد العاطي ومريم، قبل أن يعودوا إلى دفوفهم ليرددوا «وعبد العاطي وسير الله يرضي عليك»، «وا مريم والمرضية وكال ليك أحيزون وسيري الله يرضي عليك»، و»هادي ساعة مبروكة يالالا الجامعة ورجال الله واقفين معانا يالالا».
رئيس الجامعة: دعونا نفرح بالإنجاز قبل أن نفكر في الحوافز المالية سألت "المساء" عبد السلام أحيزون عن الحوافز المالية التي ستخصص للمتوجين، فرد قائلا: "لا أريد الحديث عن المسائل المالية ونحن في غمرة الفرح بالتتويج، لكن هناك ضوابط للتحفيز محددة من طرف الوزارة الوصية بتنسيق مع اللجنة الأولمبية والجامعات، سواء تعلق الأمر بألعاب القوى أو رياضات أخرى، في تظاهرات عالمية كبطولة العالم مثلا أو ألعاب أولمبية". لكن وحسب إفادات أعضاء جامعيين فإن ميدالية ذهبية في بطولة عالمية يقدم الاتحاد الدولي لألعاب القوى مقابلا لها 50 ألف دولار، كما تقدم الوزارة الوصية منحا تحفيزية ووظائف في الوزارة، وسبق لنوال المتوكل أن منحت للبطل جواد غريب الحائز على ميدالية فضية في ماراطون أولمبياد بكين، مبلغا ماليا بلغ 75 مليون سنتيم، وحسناء بنحسي التي نالت النحاسية 45 مليون سنتيم.
إيكيدير: تفوقنا في بطولة العالم داخل القاعة رغم عدم توفرنا على قاعات - ميدالية ذهبية قبل الأولمبياد شيء محفز؟ بالتأكيد، فقد بدأت علاقتي بالذهب في إيطاليا خلال بطولة العالم للشباب، ومنذ ذلك التاريخ بدأت أصعدت للبوديوم في بكين والدوحة وثم اسطنبول، هذا يزيدني ثقة في النفس ويحولني إلى بطل يراهن على الذهب، على غرار الأبطال الذين سقونا ونجعل منهم مثالا يحتدى به، سنحاول إرضاء الشعب المغربي في أولمبياد لندن». - الفوز ببطولة العالم داخل القاعة رغم غياب القاعات في المغرب يبدو أمرا غريبا؟ «داخل القاعة تكون المنافسة صعبة جدا، مقارنة مع الجري في الهواء الطلق، نحن لا نتوفر على قاعة مختصة في ألعاب القوى لكن العدائين يعرفون ضوابط الركض في القاعات يعرفون أن التوقيت يختلف بين الفضائين، وأن العداء يشعر بنوع من الاختناق في القاعة لعدم وجود هواء كثير، عكس الميادين العادية التي يكون فيها عشب وهواء، لكن الحماس أكثر داخل القاعات، هذه هي نقط الاختلاف لكنني أتغلب عنها لأنني عشت في ألمانيا وتدربت كثيرا في قاعاتها. - هل تعد الجمهور المغربي بميدالية ذهبية في لندن؟ لقد فزت بمجموعة من الميداليات لكن لهذه الميدالية طعم خاص لأنها جاءت في وقت كان فيه الجميع يراهن على ألقاب تعيد الرياضة المغربية وألعاب القوى إلى الواجهة، أنا سعيد بهذا الإنجاز الذي طال انتظاره٬ لكنني الآن سأركز اهتمامي على دورة الألعاب الأولمبية المقبلة بلندن، من خلال الاستعدادات المكثفة في كل من الرباط وإفران ٬ والمشاركة في بعض الملتقيات الدولية المقبلة، لأنني أريد أن أسير على خطى الكروج.
السلسولي: الميدالية التي نلتها خير رد على من شكك في قدراتي - هل يعتبر هذا الإنجاز بمثابة رد اعتبار لبطلة عاشت كابوسا لمدة سنتين؟ «هذه الميدالية التي فزت بها في بطولة العالم لألعاب القوى، تعبر عن نفسها إنها تنطق بالتحدي بالرغبة في تبرئة ساحتي من تهمة لم أقترفها، أظن أن وقوفي على منصة التتويج في إسطمبول دليل على براءتي، وعلى عزيمتي وطموحي لم أستسلم أبدا لأنني كنت واثقة من إمكانياتي، لكنني لن أقف عند هذا الحد، بل سأواصل المسير بنفس العزيمة، وأعد المغاربة بالوقوف على منصة التتويج في لندن، فالشعب المغربي يريد أن يسمع النشيد الوطني في الألعاب الأولمبية والعلم المغربي يرفع في كل المحافل الدولية». - لماذا أخفق بعض العدائين الذين كان الجميع يرشحهم للفوز بإحدى الميداليات؟ «أظن أن النتائج المحصل عليها جيدة خاصة وأننا دولة لا نتوفر على قاعة مغطاة مخصصة لألعاب القوى وعلى مسابقات داخل القاعة، العداءون يتدربون في الهواء الطلق ويشاركون في منافسات داخل القاعة رغم الاختلاف الحاصل بين الفضاء المفتوح والمغلق، ولكن لا بأس من توجيه الشكر لكل العدائين والمؤطرين ولرئيس الجامعة على جهودهم، كما أريد أن أنوه بجهود البطل المغربي وعزيز أوهادي الذي وصل إلى نهائي مسابقة 60 مترا رغم أن هذا التخصص ليس مغربيا». - كيف ستستعدين للألعاب الأولمبية بلندن؟ سأرتاح لمدة أسبوع، بعد ذلك سأنتقل إلى إيفران لدخول معسكر هناك، بعد ذلك سأشارك في ملتقيين فقط، قبل الإقلاع صوب لندن، حيث سأسعى إلى رفع العلم الوطني بالرغم من المنافسة القوية من العداءات الإثيوبيات، أنا على يقين بأن ألعاب القوى الوطنية ستعود إلى مجدها مع الجيل الحالي وأعد المغاربة بالتتويج بوجود سهام لهلالي وابتسام لخواض ومريم السلسولي، وأشكر بالمناسبة كل الصحافيين الذين أرسلوا لي رسائل نصية بعد تتويجي الذي أهديه لملك البلاد محمد السادس.