بعد أيام من المواجهات الدامية بين قوات الأمن والمتظاهرين في كل من بني بوعياش وإمزورن، عاد الهدوء الحذر ليخيم على شوارع البلدتين. وعاينت «المساء» انسحابا تدريجيا لقوات الأمن من بني بوعياش وإمزورن، فيما أفاد مصدر أمني مطلع أن قوات الأمن قررت تخفيض أعدادها، خاصة في مدينة بني بوعياش «كمبادرة للتأكيد على أن قوات الأمن جاءت لحماية المواطنين لا لترهيبهم وترويعهم». وكانت فعاليات حقوقية عديدة، في مقدمتها الجمعية المغربية لحقوق الإنسان ومنتدى شمال المغرب لحقوق الإنسان، قد دعت السلطات إلى ما أسمته «رفع العسكرة عن مدينة بني بوعياش واستتباب الأمن في المنطقة» في الوقت الذي أكد فيه محمد الحافي، والي المنطقة، في اجتماع سابق، أن «القوات العمومية لن تنسحب من المدينة حتى تقدم إليها ضمانات بعدم قطع الطريق وتعطيل مصالح المواطنين». وفي موضوع ذي صلة، علمت «المساء»، من مصادر مطلعة، أن لجنة تفتيش مركزية حلت بالعمالة في غضون الزيارة التي قام بها الشرقي الضريس، الوزير المنتدب لدى وزير الداخلية، إلى مدينة الحسيمة مساء الجمعة الماضي. وتحقق اللجنة، التي تضم أربعة أعضاء، بينهم واليان تابعان للإدارة المركزية لوزارة الداخلية، والتي أحيط عملها بتكتم كبير من طرف السلطات الإقليمية، منذ أربعة أيام، في أقسام الجماعات المحلية وقسم الميزانية والصفقات والعمل الاجتماعي (المبادرة الوطنية للتنمية البشرية) والتعمير. وأكدت مصادر «المساء» أن «اللجنة افتحصت العديد من الصفقات والمشاريع وحققت فيها، خاصة أنه كان من بين المحتجين من يطالب بإيفاد لجنة للتقصي في الخروقات التي يشهدها المجلس البلدي لمدينة بني بوعياش. وأضافت المصادر نفسها أن «اللجنة خلقت ارتباكا كبيرا لدى المسؤولين المحليين والإقليميين واستنفرت كل مصالح الولاية». في المنحى ذاته، أحالت النيابة العامة محمد جلول، عضو منتدى شمال المغرب لحقوق الإنسان على محكمة الاستئناف بتهمة «تكوين عصابة إجرامية، وإضرام النار، وقطع الطريق العام، والتجمهر غير المسلح وغير المرخص له، والاعتداء على القوات العمومية وإلحاق خسائر بملك الغير واقتحام مؤسسات عمومية». وعلمت «المساء» من مصادر مطلعة أنه تم منح السراح المؤقت لوائل بلفقيه، المتهم ب«رشق القوات العمومية بالحجارة وإعطاء إشارات للمتظاهرين». ومن المنتظر أن يحال بلفقيه، من جديد، على المحكمة الابتدائية غدا الخميس. في الوقت نفسه، اعتبر منتدى شمال المغرب لحقوق الإنسان، في اجتماع حضرته «المساء»، مساء أول أمس الإثنين «اعتقال محمد جلول خرق لحقوق الإنسان وانتهاك لحرية التعبير والتظاهر». كما أبرز أعضاء المنتدى في نفس الاجتماع أنهم سيقومون بكل الخطوات النضالية «بغاية الدفاع عن المعتقل محمد جلول». من جهة أخرى، زارت لجنة من حزب العدالة والتنمية مدينة بني بوعياش وعمدت إلى تنظيم لقاء تواصلي مع السكان. اللجنة المكونة من كل من نبيل الأندلوسي، المنتخب حديثا كاتبا محليا للحزب بالحسيمة والبرلمانية سعاد الشيخي، انتقدت «التدخل الأمني العنيف» ودعت إلى ضرورة «إيفاد لجنة لتقصي الحقائق في الأحداث التي شهدتها منطقة بني بوعياش خلال الأيام الماضية». وكان حزب العدالة والتنمية، على المستوى الإقليمي، قد أصدر بيانا يشرح فيه وجهة نظره في ما يرتبط بالأحداث الدامية التي عرفتها المنطقة. وانتقد البيان الذي توصلت «المساء» بنسخة منه «التدخل الأمني العنيف والمبالغ فيه في حق الساكنة» مطالبا ب»بإيفاد لجنة من المجلس الأعلى للحسابات للتدقيق في وضعية المجلس البلدي لبني بوعياش، الذي يتهمه الكثير من المواطنين، ممن التقتهم اللجنة، في المساهمة في حالة الاحتقان الاجتماعي الذي تعرفه المدينة». في المنحى ذاته، تحدث العديد من سكان مدينة بني بوعياش عن وقوع الكثير من التجاوزات أثناء التدخل الأمني في المدينة. حيث أكد العديد من المصابين، في تصريحات متطابقة ل»المساء»، أنهم «تعرضوا للتعنيف والضرب المبرح من طرف قوات الأمن». وأبرزت نفس الشهادات أن «قوات الأمن قامت بحملة اعتقال عشوائية في صفوف السكان»، منتقدة في الوقت نفسه «تعامل السلطات الأمنية مع الأحداث، المطبوع بالقمع ونهب ممتلكات المواطنين». في هذا الإطار، أكد مسؤول رسمي، في تصريح للجريدة، أن «السلطات العمومية دعت كل سكان بوعياش إلى توثيق التجاوزات ووضع شكاية لدى القضاء، إذا ما كانت هناك تجاوزات في حق السكان». واعتبر المتحدث نفسه أن «السلطات مستعدة لمحاسبة كل من ثبت تورطه في التجاوزات، وهناك أوامر صارمة أعطيت لقوات الأمن بعدم الاعتداء على السكان». وأبرز المسؤول نفسه، في تصريح خص به «المساء»، أن «القوات العمومية جاءت إلى المدينة بسبب شكايات تقدم بها المواطنون من تضرر مصالحهم، أما الحديث عن وجود إنزال أمني ومداهمة المنازل واعتقال المتظاهرين بشكل عشوائي، فهي مجرد ادعاءات باطلة، ونحن مستعدون لفتح تحقيق في حال ثبوت وجود مثل هذه التجاوزات». إلى ذلك، دعت العديد من جمعيات المجتمع المدني إلى إيفاد لجنة نزيهة لتقصي الحقائق في الأحداث التي عرفتها منطقة بني بوعياش في الأيام الماضية ل»تحديد المسؤوليات والوقوف على حجم التهميش الاقتصادي والاجتماعي الذي تعاني منه المنطقة». وكانت رقعة المواجهات العنيفة قد اتسعت، يوم الأحد الماضي، لتشمل مدينة إمزورن القريبة من بني بوعياش، مخلفة إصابات بالغة في صفوف قوات الأمن والمتظاهرين. ويطالب المتظاهرون برفع التهميش عن المنطقة وإطلاق مشاريع تنموية والتخفيف من أعباء فواتير الماء والكهرباء على المواطنين، فيما تقول السلطات إن الأشكال الاحتجاجية التي يقوم بها المتظاهرون «عطلت مصالح المواطنين وقطعت الطريق وشلت المصالح الاقتصادية للمدينة».