هل تملك إسرائيل ما يكفي من القدرات العسكرية للهجوم على إيران؟ ثمة إسرائيليون لا يثقون في قدرة جيشهم على تنفيذ ضربة غاية في التعقيد، رغم الإصرار الرسمي على إقناعهم بالحاجة إلى هذه الضربة من أجل توقيف البرنامج النووي الإيراني. وفي المقابل، يحذر الخبراء العسكريون الأمريكيون من الإكراهات التي تعترض طريق المقاتلات الإسرائيلية إلى إيران، في الوقت الذي قال فيه ضابط متقاعد من سلاح الجوي الأمريكي: «دولة وحيدة في العالم يمكنها ضرب إيران، والجميع يعلم من تكون». هل تستطيع إسرائيل حقا توجيه ضربة عسكرية إلى إيران أو الدخول في متاهات حرب مع طهران؟ يشغل هذا السؤال في الوقت الراهن صناع القرارات في الدول العظمى، وفي مقدمتها الولاياتالمتحدةالأمريكية. مسؤولو وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) يؤكدون، كما جاء على لسانهم في تصريحات صحافية، أن «الهجوم الإسرائيلي على إيران من أجل شل قدرات هذه الأخيرة للمضي قدما في تنفيذ برنامجها النووي عملية كبرى وغاية في التعقيد». ويستفاد من تصريحات مسؤولي البنتاغون أن الهجومات المحتملة لإسرائيل على إيران ستكون مغايرة، بكل تأكيد، للضربات التي وجهتها إسرائيل نفسها إلى المفاعل النووي العراقي «أوزيراك» سنة 1981 ونظيره السوري سنة 2007. عملية معقدة تشير آخر الأنباء المتسربة من دوائر القرار في إسرائيل إلى أن الجيش الإسرائيلي يسير في اتجاه توجيه ضربات قاصمة للمواقع النووية، التي يعتقد بأنها الأكثر أهمية في إيران. وتتمثل هذه المواقع، حسب التصنيف الإسرائيلي دائما، في «ناتانز» و«فوردو» و«أراك» و«أصفهان». ووفق الصحافية في جريدة «نيويورك تايمز» الأمريكية، إليزابيث بوميلير، فإن عمليات من هذا القبيل تتطلب من الطيارين الإسرائيليين قطع مسافات طويلة تزيد عن ألف و500 كيلومتر في فضاءات جوية معادية لإسرائيل، وأن يعملوا على ضرب القدرات الدفاعية للجيش الإيراني. هذه العملية تتطلب، وفق الصحافية المتتبعة للشأن الإيراني، 100 طائرة عسكرية على الأقل. وكان ميشال هايدن، مدير وكالة الاستخبارات الأمريكية بين سنتي 2006 و2009، دعم سيناريو ضرب إيران بشكل مباشر وعدم الاكتفاء بإنزال عقوبات اقتصادية، تجارية بالخصوص، عليها. المدير السابق للاستخبارات الأمريكية قال في يناير الماضي إن الهجوم على إيران من شأنه أن يؤخر قليلا المساعي الإيرانية لامتلاك السلاح النووي، غير أن مسؤولين أمركيين آخرين أبدوا تحفظهم على الاستعجال في ضرب إيران، وأكدوا على أن اعتماد أسلوب الضربات الجوية المباشرة سيمنح الجيش الإيراني أفضلية على القوات الإسرائيلية المُغيرة. عمليا، لا يمانع صناع القرار في واشنطن توجه إسرائيل إلى ضرب إيران. غير أن المسؤولين الأمريكيين أنفسهم «لا يتوفرون على رؤية واضحة كفاية» بشأن أفضل السيناريوهات المحتملة لضرب إيران بأقل الخسائر، بالإضافة إلى أنهم ليسوا على دراية كاملة بالقدرات الدفاعية للجيش الإيراني، ولذلك لا يبدون ثقة مطلقة في الدراسات التي أنجزها العسكريون الإسرائيليون عن سيناريوهات الحرب. وفي هذا الإطار، يؤكد أنطوني كورديزمان، الخبير العسكري في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن، أن «ثمة أشياء كثيرة لا تزال مجهولة أو غير واضحة كفاية في العملية العسكرية المتوقعة، وثمة أيضا مخاطر كبيرة تهدد المنطقة في حالة تنفيذ هذا الهجوم. وينبغي أن يعمل العسكريون الإسرائيليون على تبين أبرز هذه المخاطر لأخذها بعين الاعتبار أثناء وضع خطة الهجوم». يعلم الإسرائيليون تمام العلم، منذ فترة طويلة، الإكراهات التقنية التي تعترض توجيه ضربة مباشرة إلى إيران. «قادة الجيش الإسرائيلي ومعهم واضعو خططه الهجومية ليسوا واثقين أيضا من قدرة الهجوم المحتمل على القضاء على القدرات النووية لإيران» وفق ما جاء في إحدى أحدث افتتاحيات جريدة «هاريتز» الإسرائيلية. وقد بدا ضعف الثقة في فعالية الضربة المنتظرة بوضوح في تصريحات ضباط الجيش الإسرائيلي، الذين لم يترددوا في تأكيد حاجتهم إلى توجيه أكثر من ضربة لإيران. وتضيف الافتتاحية سالفة الذكر «سنعود بكل تأكيد إلى إيران مرة ثانية على الأقل، ولا يمكننا أن نجزم بأننا نستطيع تأخير برنامجهم النووي لمدة تزيد عن سنتين أو ثلاث سنوات على أقصى تقدير». إكراهات الوصول إلى إيران يتجسد أول مشكل يعترض الهجوم على إيران في صعوبة بلوغ الأجواء الإيرانية. الخبراء العسكريون يطرحون ثلاثة سيناريوهات: إما التوجه شمالا عبر الأجواء التركية أو جنوبا عبر أجواء المملكة العربية السعودية أو شرقا عبر الأردن والعراق. ويتوقع الخبراء أنفسهم أن تتبنى القوات العسكرية الإسرائيلية السيناريو الثالث، خصوصا أن العراق لم يعد يتوفر على قوات لردع الهجومات الجوية، والأمريكيون لم يعودوا مسؤولين عن صد أي هجومات مماثلة على العراق بعد انسحابهم من بلاد الرافدين في دجنبر الماضي. لكن كيف سيضمن الأسطول الجوي الإسرائيلي المرور عبر الأجواء الأردنية لبلوغ العراق دون أن تواجهه القوات الأردنية؟ لم تتسرب بعد أي معلومات بخصوص موقف الأردن من هذه القضية. وحتى إذا سمحت الأردن للجيش الإسرائيلي باتخاذ أجوائها جسرا إلى العراق في الطريق إلى إيران، فإن الخبراء العسكريين الأمريكيين يطرحون مشكلا آخر يتعلق بالمسافة التي يتوجب على الطيارات الإسرائيلية المُغيرة على إيران قطعها قبل بلوغ أهدافها. تتوفر إسرائيل على طيارات مقاتلة أمريكية الصنع من طراز إف 15 وإف 16. ورغم أن هذا النوع من الطيارات يتمتع بقدرات هائلة على حمل القذائف وضرب الأهداف، فإنها لا تستطيع قطع مسافة تزيد عن 3 آلاف كيلومتر ذهابا وإيابا دون توقف، مع وضع إمكانية التعرض لهجومات مضادة من الجيش الإيراني في الحسبان. في جميع الأحوال، يتوجب على إسرائيل أن تضمن لطياريها نقطا معينة في الطريق نحو إيران من أجل الاستراحة واستجماع القوى. المسؤولون الأمريكيون لا يبدون واثقين أيضا من توفر إسرائيل على ما يكفي من الإمكانيات لتنفيذ هذه الضربة. وفي هذا الإطار، يؤكد سكوت جونسون، وهو خبير في شركة أمريكية متخصصة في صناعة المعدات العسكرية، أن «إسرائيل تتوفر على طائرات أمريكية الصنع متخصصة في تموين الأسطول الجوي بالوقود، باتت عمليا خارج الخدمة». ويؤكد الخبير ذاته على أنه يمكن لإسرائيل القيام بعميلة التموين باستخدام طائرا ت أخرى. وقد تم تأكيد هذه المعلومة من قبل صحيفة «هاريتز» الإسرائيلية، التي أفادت بأن الجيش الإسرائيلي تمكن في السنوات الماضية من تحويل عدد من طائرات بوينغ 707 إلى طائرات عسكرية متخصصة في تموين الأسطول الجوي. ويتوفر الجيش الإسرائيلي، وفق مصادر إعلامية، في الوقت الراهن على نحو 8 طائرات من هذا النوع. غير أن قدراتها محدودة، وهو ما من شأنه أن يقلص عدد الطائرات التي ستجندها إسرائيل لضرب إيران. من هذا المنطلق، يرجح متتبعو الشأن العسكري الإسرائيلي أن يقدم الجيش الإسرائيلي على تبني أسلوب الهجوم على دفعات. إذ يُوَزَّع سرب الطائرات المُغيرة على مجموعات يحدد لكل واحدة منها وقت معين للانطلاق وتوجيه الضربات، ثم العودة إلى نقطة الانطلاق لإفساح المجال لتحرك مجموعة أخرى. وينتظر أن تستهدف الضربة الأولى أكثر المواقع النووية الإيرانية أهمية وتضر بالنظام الدفاعي الإيراني، على أن تتولى المجموعات الموالية ضرب مواقع ثانوية. ينبغي أيضا أن توفر القوات الإسرائيلية حماية لكل طائرة تموين. مهمة يتوجب إسنادها إلى طائرات مقاتلة. وفي عملية من هذا الحجم، ينبغي أن يتم تسخير أكبر عدد ممكن من الطائرات المقاتلة لتأمين طائرات التموين، استنادا إلى الخبير سكوت جونسون. المثير أيضا أن إسرائيل لا تزال تتستر على بعض المواقع التي ينتظر أن تشكل هدفا للعمليات العسكرية المنتظرة. صحيفة «هاريتز» تحدثت بوضوح في أعداد سابقة عن إمكانية توجيه ضربات رادعة لمراكز البحث والمصانع والقواعد العسكرية، بالإضافة إلى البنية التحتية اللوجستيكية للقوات الإيرانية. الخبراء الإسرائيليون يتوقعون أن تستفيد القوات الإسرائيلية المهاجمة من التأخر الذي سيطبع الرد الإيراني، خصوصا بعد أن رفضت روسيا سنة 2010 بيع نظام متقدم لردع الهجومات، في حين يحذر عسكريون آخرون من مغبة الاستهانة بالقدرات الدفاعية للجيش الإيراني. الإسرائيليون من جهتهم يؤكدون استعدادهم لمواجهة كل المفاجآت التي قد تتمخض عن هذا الهجوم. إذ يقولون إن مجهودات التسليح التي بذلوها في السنوات الماضية كانت تهدف بالأساس إلى إعداد الجيش الإسرائيلي لضر ب إيران. اقتنت إسرائيل بين 1996 و2009، بفضل الدعم الأمريكي، 125 طائرة مقاتلة من طراز إف 15 وإف 16، التي تستطيع قطع مسافات طويلة من أجل قصف أهدافها. وتتوفر إسرائيل أيضا على 8 طائرات قديمة من الطرازين سالفي الذكر، بالإضافة إلى نحو 350 طائرة مقاتلة مختلفة الطراز، وهي قدرات هجومية تماثل، وفق خبراء عسكريين أمريكيين، القدرات الهجومية لألمانيا أو المملكة المتحدة. وحتى إذا تمكنت القوات الإسرائيلية من بلوغ الأراضي الإيرانية بدون مشاكل، ستجد أمامها مشكلا آخر يتمثل في جدران قاعدة ناتانز السميك. سمك هذه الجدران يناهز 10 أمتار، ويتوجب التوفر على قوات هائلة من أجل اختراقها. أصوات مشككة وقبل أن تبلغ الأجواء الإيرانية، ستكون المقاتلات الإسرائيلية مجبرة على البقاء على استعداد تام طيلة مسافة الطريق ذهابا وإيابا من أجل صد أي هجوم محتمل من الصواريخ الإيرانية المحتمل وجودها في كل من لبنان وقطاع غزة وسوريا أيضا. ورغم أن وسائل الإعلام الإسرائيلية تستبعد هذه الفرضية، فإنها تؤكد على ضرورة أخذها بعين الاعتبار. وفي ذروة استعداد إسرائيل لضرب إيران، تعالت أصوات تشكك في القدرة الإسرائيلية على التغلب على إيران في ظل الإكراهات سالفة الذكر. أكثر من ذلك، يحذر أصحاب هذا الطرح من التداعيات السلبية لإقحام الجيش الإسرائيلي في مغامرة عسكرية جديدة غير مضمونة. في المقابل، ثمة أصوات إسرائيلية أخرى تقلل من أهمية المشاكل التي أثارها الخبراء العسكريون الأمريكيون، وتؤكد أنها لا تعدو أن تكون حربا إعلامية سابقة للحرب الحقيقية من أجل تمويه الجانب الإيراني. غير أن هؤلاء أنفسهم يؤكدون أن إسرائيل لا تتوفر، حسب ما يبدو، على ما يكفي من الإمكانيات لتوجيه ضربة قاصمة إلى إيران، ويلوحون بضرورة دعوة الولاياتالمتحدةالأمريكية إلى المشاركة في الهجوم المنتظر. وإذا كانت إسرائيل تعلن أن هدف الضربة المقبل يتمثل فقط في تأخير تنفيذ البرنامج النووي الإيراني، فإن تل أبيب تبعث بذلك رسالة مشفرة إلى واشنطن تدعوها فيها إلى المشاركة في الهجوم من أجل القضاء على القدرات النووية الإيرانية. غير أن صناع القرار في الولاياتالمتحدةالأمريكية يتوجسون خيفة، في ظل تحذيرات الخبراء العسكريين من إمكانية فشل الضربة المتوقعة، من توريط بلادهم في حرب جديدة قد تدوم، وفق التوقعات الأولية، بعضة أسابيع. ومع ذلك، تؤكد آخر الأنباء أن الجيش الأمريكي يعكف في الوقت الراهن على تطوير برامجه المتعلقة بمواجهة كل من إيران وكوريا الشمالية. أكثر من ذلك، تحدث ضابط سام متقاعد من سلاح الجو الأمريكي عن مجهودات يتم بذلها على قدم وساق في الوقت الراهن من أجل تحيين الخطط الهجومية التي سبق وضعها في مراحل سالفة من أجل توجيه ضربات إلى طهران وبيونغ يونغ. وقال الضابط نفسه إن «ثمة قوة وحيدة في العالم يمكنها أن توجه ضربة خاطفة إلى إيران أو تقرر شن هجوم عسكري مكثف عليها، والجميع يعلم من تكون هذه الدولة». عن « لوموند»
هل تعلن إسرائيل حربا جديدة على لبنان؟ كثيرون يتناسون أن إسرائيل، التي تستعد لتوجيه ضربة عسكرية لإيران بهدف «تأخير تنفيذ البرنامج النووي الإيراني، تعتبر الدولة النووية الوحيدة في منطقة الشرق الأوسط كلها. وقليلون يعلمون أن إيران وقعت بشكل رسمي على معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية عكس إسرائيل التي ترفض منذ عقود عديدة الانضمام إلى هذه الاتفاقية وتضرب جدارا سميكا من السرية على برنامجها النووي. وتقدر آخر الإحصائيات عدد الرؤوس النووية التي تتوفر عليها إسرائيل بنحو 200 رأس نووية، وهو ما يجعل إسرائيل نفسها تتناقض مع ذاتها: توجه ضربة إلى إيران للقضاء على قدراتها النووية، في حين تستمر في تطوير برنامجها النووي، رافضة بشكل قاطع التوقيع على المعاهدة سالفة الذكر. في ظل هذا الوضع، لا يستبعد الخبراء العسكريون الأمريكيون والإسرائيليون، على حد سواء، أن تتعرض إسرائيل لهجومات من لبنان وغزة وسوريا. آخر الأرقام تتحدث عن وجود نحو 200 ألف صاروخ في الحدود مع إسرائيل، وينتظر أن تمطرها بها بمجرد إطلاقها أولى قذيفة على إيران، وقد تعترض طريق طائراتها المقاتلة، التي ستشارك في الهجوم المحتمل. وأمام المخاوف الإسرائيلية من تشكل جبهة ضد استفرادها بالسلاح النووي في منطقة الشرق الأوسط، يتوقع متتبعون للشأن الإسرائيلي أن تعلن إسرائيل حربا جديدة على لبنان أو غزة من أجل إشغال المنطقة عن الحرب المتوقعة ضد إيران.