لا أحد في المغرب مستعد لأن يصرف سنتيما واحدا من جيبه في انتظار أن يرد سنتيمه من مداخيل فيلمه لأنه يعلم علم اليقين بأنه لن يسترجع سنتيمه حتى لو وزع فيلمه في كل القاعات الباقية في المغرب. لنتصور أن الدولة قررت يوما إيقاف الدعم عن السينما، ماذا سيحدث؟ ستنتهي السينما لا محالة في المغرب، بمعنى أن البنية السينمائية عندنا منعدمة ولو وصلنا إلى إنتاج 100 فيلم سنويا. السؤال الحقيقي هو: متى سنبدأ في الهيكلة الحقيقية لقطاع السينما في المغرب برؤية شاملة على مستويات الإنتاج والتوزيع والاستهلاك؟ عند الجواب عن السؤال، سنرتفع عن النرجسية وطغيان الذات بعيدا عن كل مزاجية. وبالرجوع إلى المزاجية النرجسية، فقد تم بسببها الإجهاز على كل ما هو ثقافي في جميع المهرجانات التي يشرف عليها المركز السينمائي، كالمهرجان الوطني ومهرجان الفيلم القصير ومهرجان خريبكة للسينما الإفريقية أو تلك التي يلعب فيها من وراء ستار كمهرجان مراكش، وذلك بحذف تقديم الإصدارات السينمائية والتشطيب على اللقاءات والندوات والجلسات الليلية، وآخرها محاولة إقصاء جائزة النقد في المهرجان الوطني الأخير. ولم تبق إلا الندوات التي ينظمها هو، حيث لا يسمح لأحد بالكلام إلا من غفر له ربه. وهكذا نسمع خطابا واحدا أوحد على طول وعرض هذه المهرجانات رغم أن زمن المحاضر الأول والناقد الأول والرياضي الأول والمثقف الأول قد ولى منذ مدة طويلة. وفي هذا الخطاب، نسمع اللازمة التي أصبحت مشهورة عنده وصار يرددها معه بعض الحواريين: لا وجود للنقد السينمائي في المغرب، والناقد ليس في حاجة إلى جمعية، مع العلم بأنه يعلم علم اليقين بأن النقد السينمائي المغربي -في وقت كان المغرب لا ينتج فيه سوى فيلم أو نصف فيلم في السنة- كان هو الذي حمل شعار السينما الوطنية عبر الجرائد الوطنية والمجلات وعبر الأندية السينمائية والبرامج السينمائية في الإذاعة والتلفزة، هذه البرامج التي كان يقدمها نقاد السينما، أمثال حمادي كيروم في الدارالبيضاء وعبد الجليل لبويري في مراكش ومولاي ادريس الجعيدي ومحمد الدهان في الرباط وأحمد سجلماسي وحميد اتباتو في فاس وأنا شخصيا في طنجة... ويأتي الآن ليقول لنا إن النقد غير موجود وإن الناقد ليس في حاجة إلى جمعية، في حين أن أغلب نقاد السينما في العالم منتظمون داخل إطارات جمعوية ونقابية. المشكل عند نور الدين الصايل أنه يريد فقط ذلك النقد الذي لا ينقد شيئا والذي يعمل على خلقه بين الفينة والأخرى في جمعيات صورية، لكنه في كل مرة يمنى بالفشل الذريع. بنفس المزاجية ونفس النرجسية أيضا توضح اللوائح البيضاء واللوائح السوداء وتحارب سرا وعلانية كل المبادرات الخلاقة وتختار لجن كذا ولجن كذا، وباسم اللجان التنظيمية لهذه المهرجانات تطلع أشياء وتنزل أشياء، في حين لا علم لهذه اللجان بما طلع ولا بما نزل. حتى داخل المركز السينمائي المغربي، نجد روائح الاحتقان... فكم من موظف غادر المركز مكرها، وهناك آخرون ينتظرون مصيرهم في ثلاجة، وهم من الأطر العليا برتبة مهندسين، يحبون السينما ويحيون بالسينما، وهم الآن كما يقول الفلاسفة: في منزلة بين المنزلتين. إذن، قضية السينما في المغرب ليست بحاجة إلى هذه الهستيرية المفتعلة، بل إلى مناظرة وطنية يشارك فيها الجميع بدون تمييز بدءا من الكومبارس المنفي في صحاري الجنوب إلى قمة الهرم في القطاع السينمائي المغربي، لأن آخر مناظرة حول السينما كانت قد نظمت بمدينة مكناس سنة 1991، وهي المناظرة التي كانت قد أعطت الانطلاقة الحقيقية للسينما في المغرب. نحن اليوم أمام وضع جديد، علينا التفاعل معه بإخلاص وبجدية والابتعاد عن الذاتيات المفرطة، وإلا فإن كل ما تم بناؤه إلى حد الآن سنعمل جميعا، بوعي وبدون وعي، على وأده من أيام وسنوات جميلة بدأت في السبعينيات... لا نريد أن تنتهي هكذا بقدرة قادر.