لم يدخر المغرب جهدا من أجل بناء صرح المغرب العربي الذي كاد يتحقق لولا العراقيل التي حالت دون تحقيق هذا الأمل وهذا المطمح الذي يصبو إليه كل مواطن مغاربي عربي. ولعل الرئيس الجزائري يبقى هو السبب الأساس في تعطيل هذا البناء الذي طال انتظاره لتعيش المنطقة في أمن وأمان من غير عنف ولا بغض أو كره أو حسد. لهذه الغاية، يلزم تفعيل هذا المشروع المغاربي وتحقيق طموح شعوب المنطقة من خلال التعاون والتواصل والتلاحم والتسامح وتوطيد العلاقات الإنسانية بين الأفراد والجماعات في ظل قيادات وحكامة متآلفة تأتي في مقدمة أولوياتها مصلحة البلاد والعباد لتكون بلدان المنطقة في مستوى الدول المتقدمة بوحدة القوانين والصلات حتى ينعم كل مواطن مغاربي بالحرية والمساواة في الحقوق والواجبات ويتمتع بحق الشغل والسكن والامتلاك والاتجار والاستثمار بدون قيد أو شرط، يَنتخِب ويُنتخَب حسب إقامته وفق مدونة انتخابات كل قطر، يرتحل ويتجول داخل وطنه المغرب العربي الكبير من غير جواز سفر، ويكون له حق التوفر على البطاقة الوطنية أينما أقام. وفي هذا السياق، من ذا الذي ينسى ما قاله الملك الراحل محمد الخامس في خطابه الشهير سنة 1947 في طنجة، وقد أيد التصورَ الذي رسمه في هذا الخطاب كلُّ الوطنيين والمجاهدين المغاربيين الذين أسسوا مكتب المغرب العربي في عاصمة مصر الشقيقة، إذ دعموا كل ما من شأنه أن يؤدي إلى الاستقلال والوحدة وبناء صرح المغرب العربي. وللمواطن المغاربي أن يتخيل إلى أين كان من الممكن أن يصل المغرب العربي لو تم تطبيق ما نادى به المغفور له الملك محمد الخامس، وقد واصل ذلك وارث سره الملك الراحل الحسن الثاني، ولكن الأمل مازال مشعا والرغبة قوية لدى الملك محمد السادس في تحقيق هذا الطموح. وعموما، فتاريخ المغرب الأقصى حافل بالمزايا والأعمال الجليلة والمؤشرات على النية الصادقة والإرادة القوية لبناء صرح المغرب العربي وإعلاء كلمة العروبة التي تلازم مساره السياسي والإنساني. ولهذه الأسباب وحفاظا على مشروع بناء المغرب العربي واحتراما لشعور وإحساس شعوب هذه المنطقة، فإن يد المغرب ممدودة، كما كانت دائما ولا تزال، بكل سخاء وطهارة نفس وصفاء طوية وصدق نية، إلى كل من يرغب في التعاون بصدق واحترام صريح من أجل قيادة سفينة بناء صرح المغرب العربي في جو صاف من كل الشوائب والتشويش والمناوشة والبلبلة، والتحلي بكل مصداقية والسمو عن كل الخلافات العالقة والمشاكل التي يعد المغرب العربي في غنى عنها. إلا أنه لا يمكن انتظار المزيد من الوقت حتى يفهم ويدرك أشقاؤنا، خصوصا في الجزائر، أن مصلحتهم واستقرارهم ومستقبلهم في بناء صرح المغرب العربي. وفي هذا السياق، أقول إن الأمل والمحبة والأخوة والسلم لدى المغاربة هي معان ومبادئ دائمة الوجود في الكيان، ولعلها تشكل قاعدة حوار بناء يتم فيه احترام الرأي والرأي الآخر من أجل إيجاد الحلول الناجعة والمرضية في إطار سيادة المغرب على صحرائه وطي ملف هذه المشاكل والصراعات التي طال أمدها وتعطل معها بالتالي بناء صرح المغرب العربي وتلبية طموح شعوبه. وكما سبق الذكر، فإزاحة كل العوائق والعقبات التي تعترض هذا البناء مرهونة بمبادرة شجاعة من الجزائر بإقرار مغربية الصحراء في إطار تفاهم ثنائي أخوي بين الدولتين الشقيقتين، المغرب والجزائر، لا يكون فيه ثالث لهما إلا الأممالمتحدة بغاية المصادقة والتأمين. وأرى أنه ينبغي تنظيم مسيرات سلمية ذات بعد حضاري وأخوي وإنساني من جميع مكونات المجتمع المدني من أبناء أقطار المغرب العربي الأحرار، داخليا وخارجيا، من أجل المطالبة بالتدخل السريع والعاجل قصد الإفراج عن إخوانهم وأشقائهم المحتجزين داخل مخيمات الذل والعار بتندوف. وكما أن المغاربة لم ولن يتنازلوا عن حبة رمل واحدة ولا عن شبر واحد من أرض الصحراء، فإنهم اليوم يؤكدون أنهم لن يتنازلوا ولن يتخلوا عن إخوانهم وأشقائهم المحتجزين، سواء الأحياء منهم أو الأموات، فمن كان حيا فينبغي أن يفك عنه الطوق ليعود إلى أحضان وطنه وأهله لينعم بطعم الحرية والأمن والأمان إلى جانب أسرته وذويه في الوطن الأم، ومن كان شهيدا فينبغي أن تنقل رفاته إلى مسقط رأسه لينام مرتاحا في أرض بلده قرب أحبابه وأهله. وليعلم إخواننا المحتجزون في مخيمات الذل والعار أنه لن يغمض جفن لأحد من المغاربة والمغاربيين الأفذاذ حتى يروهم أحرارا عتقاء من ذلك السجن الموحش والرهيب الذي تنتهك فيه حرمات الإنسان والمواثيق الدولية ذات الصلة بحقوق الإنسان من خلال التعذيب والعقابات القاسية والحاطة بكرامة الإنسان في غياب للضمير الحي والإنساني لدى عصابة البوليساريو وكل من يساعدها على جرائمها ماليا وعسكريا وكل من يدعم أطروحتها الخيالية واليائسة في المحافل الدولية والإقليمية وهو يعلم أن هذه الأطروحة لا أصل لها ولا غاية إلا الارتزاق والمتاجرة في البشر التي يحرمها شرع الله والقانون الدولي الذي يعتبرها جرائم ضد الإنسانية. وأضيف هنا أن بناء المغرب العربي لا يمكن أن يتحقق، وبصفة دائمة لا رجعة فيها، إلا بتفعيل الحقوق التي سبق ذكرها والتي جاءت أيضا في الندوة الصحافية لفخامة الرئيس التونسي خلال زيارته للجزائر الشقيقة. لكن وبالرغم من هذا وذاك، فإن قضية الصحراء المغربية يلزم أن تكون المحور الأساس ضمن الملفات العالقة، حيث إن حلها ستكون له ولا شك انعكاسات إيجابية جدا على مستقبل التكتل المغاربي المأمول، وستتمظهر هذه الانعكاسات على الخصوص في تصفية الأجواء وإزالة العقبات وتعبيد كل السبل التي تؤدي إلى بناء المغرب العربي بناء مرصوصا ودائما لتنعم شعوب المنطقة بالحرية والأمن والأمان وكافة الحقوق والواجبات دون حدود ولا جمارك، مما سيفتح الباب مشرعا للتعاون والتواصل والتلاحم والتسامح من خلال توطيد أواصر العلاقات الإنسانية الأخوية بين الأفراد والجماعات في ظل قيادات متآلفة ومتضامنة، لا يشغلها شاغل غير مصالح البلاد والعباد في المغرب العربي الموحد وملاءمة قوانينه وعملاته والمساواة بين أفراده في الحقوق والواجبات، ولاسيما حق التنقل بدون جواز سفر أو تأشيرة من بلد مغاربي إلى آخر. والجدير بالذكر هنا أن المغرب ظل يساهم في استقرار المنطقة منذ فجر الاستقلال، حيث اعتمد سبل التسامح والصفح والعفو، وغض الطرف عن أشياء كثيرة لا مجال لذكرها هنا. وهو اليوم يمد يده إلى قادة دول المغرب العربي من أجل تحقيق طموح شعوب المنطقة المتمثل في وطن مغاربي كبير. وأما القول بأن الصحراء لا تشكل عائقا أمام بناء المغرب العربي، فأرد عليه ب«نعم»، فإن الصحراء جزء لا يتجزأ من التراب المغربي، مثل جميع دول المنطقة التي أقاليمها صحراوية، ولكن المشكل يكمن في مخيمات تندوف التي يوجد فيها محتجزون مغاربة والتي هي فوق التراب الجزائري، الأمر الذي قد يجعل بناء المغرب العربي يبقى مهددا بالتفكك أو التعليق إن لم يوضع حد لهذا المخيم الذي يعاني فيه المحتجزون أوضاعا مزرية منذ عقود. لهذه الأسباب وحتى يتم بناء المغرب العربي على قواعد صلبة، قادرة على مواجهة العواصف العاتية، لا بد أن توضع في الحسبان مخيمات تندوف والناس المحتجزين داخلها، وبمعنى آخر فإن هذه المسألة يجب أن تكون المحور الأساس في القمة المزمع انعقادها في المستقبل القريب، وإذا ما تمكن قادة الدول المغاربية الذين سيجتمعون في القمة المقبلة أن يجدوا صيغة توافقية لتفكيك مخيمات تندوف، فإن الشكوك ستمحى من الأذهان وتعود الثقة إلى نفوس شعوب المنطقة، وسيبنى بالتالي صرح المغرب العربي على أسس صحيحة وثابتة لا يمكن أن تزعزعها تقلبات الظروف، ومعه سيصبح المغاربيون جسما واحدا، يتمتعون بنفس الحقوق والواجبات أينما وجدوا في الدول الخمس.