تعتبر العتبات في الأعمال الأدبية، ملمحا أساسيا يمكن اعتماده كمرتكز للولوج إلى محتويات الأثر الإبداعي. ونعني بهذه العتبات: العنوان، الإهداء، النصوص الموازية، اللوحة.. غير أن هذه الأخيرة من خلال مساحة ملئها لحيز هام من الغلاف، تتصف بالكثير من الجاذبية والجمالية الآتية من خطاب آخر (التشكيل) له ميكانيزماته وآلياته في التعبير وتقطيع العالم. وهذا لا يعني، أن هناك حدودا فاصلة وقاطعة بين الخطاب التشكيلي والأدبي؛ بل ينبغي قراءة ذلك ضمن أفق مشترك، وبعين جديدة على حد تعبير الشاعر حسن نجمي في كتابه «الشاعر والتجربة» تراعي النسب المنطقية والمعرفية بين الأنواع التعبيرية والفنية. وهو ما يؤكد، أن التعبيرات المختلفة في جدل دائم باعتبارها محكومة بسياقات واحدة . فقط فكل نوع تعبيري وفني يتموقع في زاوية ما، واستنادا إلى مادة خام تغني التخييل والتأمل الذاتي . نستحضر في هذا السياق، لوحة غلاف الكتاب الأدبي، متسائلين عن علاقتها بالمحتوى أو متن التأليف : هل اللوحة تثبت اعتباطا (كتزيين)، لخلق جاذبية تسويقية للكتاب ؟ أم أنها تنتقى في إطار من الحوار البناء، قصد تخصيب العلاقة بين اللوحة والمحتوى في أفق خلق إمكانية الزواج بين الخطابين. يبدو في الثقافة العربية، أن العلاقة بين الكتابة والتشكيل حديثة، نظرا إلى تصورات ظلت راسخة في الأذهان ترجح من قيمة التدوين وتؤسطر الكتابة ؛ إلا أن انفتاح الأعمال الأدبية وبالأخص منها الشعر، بدأ يكسر من ذاك التمركز الأوحد ، من خلال انخراط شعراء من هنا.. هناك عربيا في علائق مختلفة مع التشكيل في إطار من البحث وطرق آفاق تعبيرية وجمالية جديدة. نذكر هنا تجربة الشاعر محمد بنيس وضياء العزاوي وتجربة حسن نجمي ومحمد القاسمي في « الرياح البنية»، ..هذا فضلا عن هندسة الصفحة بصريا مع أدونيس وآخرين أو التجربة الكليغرافية، بهذا فالشعر، يبحث عن جماليات تشكيلية في باطن القصيدة. وهو ما جعل الشعراء يلتفتون إلى أغلفة كتبهم، في حوار مع التشكيليين، لخلق زواج مستساغ جماليا. وامتد ذلك إلى الغلاف الأدبي (في الرواية والقصة)، إذ تكون اللوحة بوابة كبرى؛ وقد تشكل إضاءة هامة، لخلق ملاحظات أولية حول العمل من الداخل. ملاحظات لا تنهض دائما على أساس فكري ونقدي، بل على ارتعاشات من الرغبة والذوق . يبدو أن الكتاب الإبداعي العربي منفتح على مدارس مختلفة في التشكيل (كلاسيكية، واقعية، سريالية، تجريدية..). فإذا كانت الرواية في الغالب تميل إلى لوحات مفتوحة الدلالة وتشخيصية أكثر ؛ فالشعر يجنح إلى لوحات تستند إلى اللون المتشكل من الداخل كفضاءات وكوات مفتوحة بشكل ما على الأشياء والعالم، كوات ذات لمسات ذاتية مسكونة بجوهر باطني. بخلاف ما سبق، كانت لوحات الأغلفة تثبت لملء الفراغ والتزيين والإثارة. وهي بذلك، أي اللوحات، مفارقة لمادة الكتب الأدبية. أصبحنا الآن أمام أغلفة مهندسة تحمل بصمة الفنان والكاتب معا. كأن الأمر يتعلق بحوار داخلي بين الخطاب التشكيلي والأدبي. «أليس مصدر الكائنين المكتوب والمصور هو الجسد» كما يقول حسن نجمي في كتابه «الكتابة والتجربة». انطلاقا من هذه الزاوية التي تهدف إلى إثارة الأسئلة، نتمنى أن يمتد الحوار بين الخطاب التشكيلي والأدبي إلى الواقع والعلاقات الإنسانية حتى لا يبقى الرسام مغلقا على اللون وحده دون امتداداته النفسية والجمالية. وفي المقابل أيضا، أن يفتح الأديب محبرته ،أي أثره الأدبي على الفنان التشكيلي. ليكون العمل الأدبي (ضمن الكتاب) مصحوبا بلوحات، متخلقة ضمن أفق إبداعي مشترك، يساهم في تطوير الأذواق والجماليات. ودون أن تمر هذه الورقة لا بد من التنويه هنا بنوافذ ورقية وإلكترونية ، سعت إلى هذا الدأب الخلاق. على العموم، فاللوحة المثبتة على غلاف الكتاب الإبداعي ، تعتبر لمسة فنية ؛ نتمناها أن تكون جميلة وبعيدة المدى والنظر. وليست لطخة في واد وكتابها المسند يسبح في واد آخر.