من المقرر أن تصدر محكمة القطب الجنحي عين السبع، اليوم الجمعة، حكمها في ملف محافظ عين الشق، المُتابع في حالة اعتقال، بتهم «الابتزاز وتلقي رشاوى»، بعد أن أنهت الاستماع إلى كافة الأطراف التي كان آخرها المحافظ، الذي أصرّ على نفي جميع التّهَم المنسوبة إليه. كما تشبث دفاعه ببراءته من المنسوب إليه. «المساء» تعيد سرد مختلف أطوار عملية اعتقال محافظ عين الشق، كما تنقل وجهة نظر دفاعه. في يوم الثلاثاء، 10 يناير الأخير، اعتقلت الفرقة الولائية الجنائية محافظ عين الشق، محمد صبطي، متلبسا بتلقي رشوة عبارة عن مبلغ مالي قدره 5 آلاف درهم. وقررت النيابة العامة متابعته في حالة اعتقال، نظرا إلى حالة التلبس التي ضُبِط فيها، لكن محاميه وعائلته يصرون على أنه كان «ضحية مؤامرة» حيكت خيوطها بعناية. «المساء» تعيد سرد تفاصيل عملية القبض على محافظ عين الشق، وأبرز أقواله أمام الضابطة القضائية ووجهة نظره ومحاميه وعائلته، التي تؤكد أنه بريء ولا علاقة له بالمبلغ المالي الذي ضُبِط في الجيب الأيسر لمعطفه أثناء تفتيش الشرطة القضائية لمكتبه. توقيف في حالة تلبس في صباح يوم الثلاثاء، 10 يناير الأخير، تلقت الفرقة الولائية الجنائية أمرا من وكيل الملك لدى محكمة الاستئناف في الدارالبيضاء، يطلب من أفرادها التحرك من أجل ضبط حالة رشوة، بناء على بلاغ شفوي تلقاه من أحد الشهود، في إطار تطبيق مسطرة حماية الشهود، التي نص عليها القانون رقم 22.10، المتعلق بالمسطرة الجنائية في شأن حماية الشهود المُبلِّغين عن جرائم الرشوة، الذي اختير له اسم مستعارا هو «بوشعيب الحرار»، مع الحرص على عدم كشف هويته خلال أطوار التحقيق. وكانت تعليمات النيابة العامة للشرطة القضائية تقوم على التحضير لعملية الضبط من خلال أخذ نسخ من المبلغ المالي الذي سيقوم المشتكي بدفعه للمُشتبَه فيه ومرافقة المشتكي إلى مكتب المحافظ ومراقبته وفسح المجال أمامه للدخول وإجراء تفتيش دقيق للمكتب بعد خروج المشتكي من مكتب المحافظ، وحجزه ومقارنته بنسخ من المبلغ المالي المحجوز. وقد عملت الشرطة القضائية على تطبيق هذه التعليمات بالحرْف، تلافيا لأي ثغرات في الملف، إذ انتقل أعضاء من الفرقة الجنائية الولائية، بصحبة المشتكي، على متن سيارة تابعة للإدارة العامة للأمن الوطني إلى مقر المحافظة العقارية لعين الشق ونسّقوا معه حول القيام بالترتيبات اللازمة، ودخل المشتكي مبنى المحافظة حاملا ظرفا ماليا أصفر اللون، يحمل علامة بارزة وبداخله 25 ورقة مالية من فئة 200 درهم.. بعد دقائق، التحق رجال الشرطة ببهو المحافظة، في انتظار التأكد من دخوله مكتب المحافظ، وبعد حوالي ثلاث دقائق من دخوله مكتب المحافظ، الذي يقع في الطابق الثاني لمبنى المحافظة، خرج المشتكي، مشيرا إلى أن المحافظ تسلّمَ منه الظرف الذي يضم المبلغ المالي.. ومباشرة بعد ذلك، انتقل رجال الشرطة، مسرعين، إلى مكتب المحافظ، حيث وجدوه جالسا في مكتبه، رفقة أحد مساعديه، فسألوه عن الظرف الذي تسلّمَه من المشتكي، لتنتابه حالة من الانهيار.. قام عناصر الشرطة بتفتيش الملفات المتراكمة فوق مكتبه، في محاولة لإيجاد الظرف المالي الذي تم استخراجه من الجيب الأيسر لمعطفه، الذي كان معلقا على الشماعة قرب الباب.. إنكار تام للتهمة أكد المحافظ، أثناء الاستماع إليه من طرف الضابطة القضائية، أنه كان قبل التفتيش يمارس مهامه المعتادة كمحافظ عقاري، واستقبل في صباح ذلك اليوم دورية مراقبة ومحاسبة تابعة للإدارة المركزية وقام بمرافقة أفرادها في جولة إلى مختلف مكاتب المصلحة التي يشرف على تسييرها في الفترة الممتدة من الساعة العاشرة صباحا إلى الساعة الحادية عشرة والربع مساء، مضيفا أنه وأثناء وجوده مع أفراد اللجنة، أخبره أحد مساعديه أن هناك عددا من المواطنين يريدون لقاءه في مكتبه، كالمعتاد، قصد الإنصات إليهم حول مطالبهم بخصوص إنجاز بعض الوثائق في المحافظة العقارية، وهو ما دفعه إلى إخبارهم بالانتظار لبعض الوقت إلى حين انتهاء لجنة المراقبة من مهامها، على أن يتفرغ لهم بعد ذلك، من أجل الاستماع إليهم ويعمل على قضاء أغراضهم. وزاد المحافظ الموقوف أن مساعده أخبره، بعد انصراف اللجنة، أن أحد المواطنين يلح في طلب لقائه، رغم أنه قام بأداء واجبات مستحقة عليه للمحافظة في صندوقها في الطابق السفلي، مضيفا أنه لم يسبق له أن تعرّفَ عليه وقام بمصافحته وغادر مكتبه، بعدما عبّر له عن شكره، إلى أن حضرت عناصر الشرطة مباشرة بعد مغادرة المشتكي. ونفى المحافظ، خلال الاستماع إليه، أن يكون قد تسلَّمَ الظرف المالي الذي وُجد داخل معطفه، معتبرا أن المشتكي يمكن أن يكون قد وضع الظرف في جيب معطفه، الذي كان معلقا على الشماعة، التي تتواجد إلى يسار مكتبه قرب الباب، مستغلا انشغاله في الحديث مع مساعده.. وأكد المحافظ أنه لم يسبق له أن طالب المشتكي بأي مبلغ مالي من أجل تسهيل إجراءات تحفيظ العقار الذي يخصه، على اعتبار أنه أدى ما بذمته من واجبات ومستحقات لصندوق المحافظة. تأكيدات الشاهد الوحيد في الملف أوضح الشاهد الوحيد في الملف أنه كان داخل المبنى في ذلك اليوم الذي صادف وجود لجنة تفتيش من الإدارة المركزية، التي رافقها إلى جانب المحافظ، إلى مقر مكتبه، ثم إلى باقي مكاتب المحافظة، مضيفا أنه خلال تواجد المحافظ في مكتبه رفقة أعضاء اللجنة، وكان هناك مجموعة من المواطنين ينتظرون قرب باب مكتبه من أجل مقابلته، كان بينهم شخص ألح على لقائه وانتظر إلى حين مغادرة اللجنة ودخل إلى مكتب المحافظ، الذي شكره على ما قام به تجاهه من خدمات متمثلة في تحيين البنايات الخاصة بملك كان محفّظاَ في اسم خاله، وهو عبارة عن أرض عارية تم تحفيظ البناء الذي شُيِّد فوقها ثم انصرف. وشدد مساعد المحافظ على أنه لم يعاين ولم يحضر أطوار عملية وضع مبلغ الرشوة في جيب معطفه. نتائج البحث أكد البحث الذي أنجزته الضابطة القضائية أنه في لحظة ولوج المشتكي إلى مكتب المحافظ في حوالي الساعة ال11 و25 دقيقة حيث مكث حوالي ثلاث دقائق تم غادره، ومباشرة ولجته الضابطة القضائية للفرقة الجنائية الولائية، رفقة المشتكي، حيث عاينت جلوس المحافظ في مكتبه رفقة مساعده، الذي كان يجلس فوق الكرسي المخصص للزوار، وبالتالي فإن قوله إن معطفه كان معلقا يبقى قولا مردودا عليه، على اعتبار أنه وُجد وهو يرتدي معطفه بعد ثوانٍ من خروج المشتكي من مكتبه.. كما أكد البحث أن ادّعاء المتهم ومساعده أن المشتكي، لحظة خروجه من المكتب، قام بوضع الظرف داخل الجيب الأيسر لمعطفه، الذي كان معلقا على الشماعة، التي تبعد عنهما مسافة تقدر بحوالي متر ونصف، وكان من الواجب على المعنيين بالأمر استفسار المشتكي عن قيامه بذلك التصرف في الحال.. هو ادّعاء مردود عليه. أما الدليل الثالث الذي قدمته الضابطة القضائية فيتمثل في ولوجها مكتب المحافظ بعد ثوان معدودات من أجل المباغتة، لإثبات حالة التلبس بحيازة الرشوة فور مغادرة المشتكي، وبعدها تم ضبط المحافظ متلبسا بحيازة مبلغ الرشوة، الذي تم إخراجه من داخل جيب معطفه أثناء إيقافه، إضافة إلى أنه في لحظة إيقاف المحافظ وضبطه متلبسا بحيازة مبلغ الرشوة، «انهار» أمام عناصر الضابطة القضائية، ما يوحي بأنه على علم بأنهم سيعثرون على الظرف المالي في حوزته. نظرية «المؤامرة».. في مقابل الرواية الرسمية، يتشبث دفاع المحافظ العقاري لعين الشق وعائلته ببراءته من التهمة الموجهة له. وأكد محاميه، الأستاذ مبارك مسكيني، في تصريحات ل«المساء»، أن «رائحة» المؤامرة «تفوح» من هذا الملف.. واعتبر أن الأموال التي وجدتها عناصر الضابطة القضائية وُضِعت في معطف موكِّله إلى درجة أنه في الوقت الذي دخلت الشرطة كان هناك أحد مساعديه داخل المكتب ولم يفارقه أبدا، وهذا ما أكده أمام الضابطة القضائية، مشددا على أن الأموال لم تُسحَب بتاتا أمامه داخل المكتب وأن عناصر الشرطة، خلال الاستماع إليه، «حرّفوا» تصريحه، لأنه قال إنه «لم يسلمه» أي أموال، في حين دوّنوا أنه «لم ير» أي مبلغ مالي. وشدّد محامي المتهم على أنه يستحيل أن يتلقى المحافظ رشوة أمام أحد مرؤوسيه، الذي لم يغادر المكتب، مضيفا أن المعطى الآخر الذي يثبت براءة موكله هو أن صاحب الملف كان قد أنجز الملف بشكل كامل وتسلّمَ أوراقه، لكنه أصر على الصعود إلى الطابق الثاني من أجل رؤية المحافظ داخل مكتبه، وهو ما يظهر أن هناك «أمرا ما غير واضح»، وأكثر من ذلك، تبيَّنَ أن الشخص المشتكي ليس هو صاحب الملف، بل وسيط فقط واستغلّ وجوده داخل مكتب المحافظ لوضع الظرف المالي في جيب معطف المحافظ، الذي كان معلقا على الشماعة.. وأشار المصدر ذاته إلى أن صاحب الملف لم يتمتع بأي امتياز لكي يدفع مقابله مبلغا ماليا كرشوة، بل مر ملفه من جميع المراحل القانونية المعمول بها بشكل عادي داخل المحافظة العقارية، معتبرا أن المحافظ إذا كان يريد الحصول على رشوة من المعني بالأمر، فإنه لن يتمم جميع الإجراءات المتعلقة بالملف في انتظار حصوله عليها.. وقال إنه لا يمكنه أن يتهم أحدا بتدبير هذا الملف، لكنه يعتبر في الوقت ذاته أن هناك «جهة» معينة لها المصلحة في اعتقال المحافظ، لأن الرواية الأولى التي خرجت بها الصحف أقامت عملية ربط، وصفها ب«الخطيرة»، بين محافظ عين الشق والمُحافظ العام، على اعتبار الأول صهر الثاني، وهو ما يستشَفّ منه أن المُحافظ العام يمكن أن يكون مُستهدَفاً من خلال ما جرى لصهره، وهذه قراءتنا الشخصية.. وأكد محامي المتهم أن هناك أمرا آخر يطرح علامات استفهام حول الملف هو كون المحافظ العام زارته لجنة تفتيش مركزية في ذلك اليوم ولا يعقل أن «يغامر» شخص بتسلم رشوة في يوم توجد فيه لجنة مركزية للتفتيش، مضيفا أن «الأهم أن موكله ذهب «ضحية جماعة معينة» تسبّبَ في وقف نشاطها، لأن هناك مجموعة من الأشخاص الذين يريدون شرعنة البناء العشوائي عبر إدخاله إلى المحافظة العقارية وتسجيله وتحفيظه، وموكلي لم يكن يوافق على مثل هذه الأمور، المخالفة للقانون».
الضمانات القانونية لحماية المبلغين عن جرائم الرشوة منح القانون رقم 22.10، المتعلق بالمسطرة الجنائية في شأن حماية الشهود المبلغين عن جرائم الرشوة، ضمانات للشهود تُمكِّن من حمايتهم في حالة تبليغهم عن الجرائم، إذ أعطى هذا القانون الصلاحية لوكيل الملك أو للوكيل العام، كل في ما يخصه، باتخاذ تدابير الحماية الكفيلة بتأمين سلامة الضحية أو أفراد أسرته أو أقاربه أو ممتلكاته من كل ضرر قد يتعرض له جراء تقديم شكايته. وسمح القانون أن يوضَع رهن إشارة المبلّغين رقم هاتفي خاص بالشرطة القضائية أو المصالح الأمنية يُمْكنه الاتصال به في أي وقت لطلب الحماية الجسدية له ولأفراد أسرته من طرف القوة العمومية، كما يمكن عرض الضحية على أنظار الطبيب المختص وتوفير الرعاية الاجتماعية اللازمة له، عند الاقتضاء. كما منح القانون ذاته الشاهد، إذا ما كانت هناك أسباب جدية من شأنها أن تًُعرّض حياته أو سلامته الجسدية أو مصالحه الأساسية أو حياة أفراد أسرته أو أقاربه للخطر، التمتع بالحماية القانونية اللازمة. وأعطى القانون ذاته الحق لوكيل الملك أو للوكيل العام أو لقاضي التحقيق في الجرائم المتعلقة بالرشوة أو استغلال النفوذ أو الاختلاس أو التبديد أو الغدر أو غسل الأموال، أن يستمع شخصيا إلى الشاهد وأن يُخفي هويته الحقيقية في المحاضر والوثائق الرسمية التي تتعلق بالقضية المطلوب فيها شهادة الشاهد، بشكل يحول دون التعرف على هويته الحقيقية. وأعطاه القانون كذلك الحق في تضمين المحاضر والوثائق الرسمية العنوان الحقيقي للشاهد بشكل يحول دون التعرف على عنوانه، مع وضع رقم خاص رهن إشارة الشاهد، يُمكّنه من الاتصال السريع بالقوات العمومية في حالة الشعور بأي خطر يهدده، مع إخضاع الهواتف التي يستخدمها الشاهد لرقابة السلطات المختصة بعد موافقة المعني بالأمر، ضمانا لحمايته. واعتبر القانون أن وكيل الملك والوكيل العام وقاضي التحقيق، كل في مجال اختصاصه، يمكنهم تغيير تدابير الحماية المُتّخَذة لفائدة الضحايا أو الشهود أو الخبراء أو المُبلِّغين عن الجرائم أو إضافة تدابير أخرى أو إلغاؤها تلقائيا أو بناء على طلب، وتستمر تلك التدابير المتعلقة بالحماية حتى بعد صدور الحكم، إذا اقتضت الضرورة ذلك، مع إخبار المعنيّ بالأمر بالتدبير المُتّخَذ لضمان حمايته.