توطدت علاقته مع العديد من الزبائن من مروجي المخدرات، وعلى رأسهم شابان من ضواحي مدينة بوزنيقة، كان الضحية يمدهما بالمخدرات. كان يلتقي بهما بعدة أماكن، حيث كانا يجالسانه في جلسات حميمية أو أسرية. لكن ود المجموعة لم يستمر، فقد عقد صديقاه العزم على خيانته، بعد أن تمكن مهرب ثان من أبناء منطقته، من إقناعهما وحرضهما على تصفيته جسديا، على أساس أن يمنحهما مليوني سنتيم لكل واحد منهما كأجر على ارتكابهما جريمة القتل. اختار الضحية أن يترك زوجته وأطفاله بضواحي مدينة وزان، ويستقر منذ أزيد من ثلاث سنوات داخل خيمة من الحطب والتبن والبلاستيك (عشة) فوق منحدر غابوي بوادي الشراط، بعيدا عن أعين عناصر الدرك الملكي والسلطات المحلية. امتهن إلى جانب مجموعة من أبناء منطقته تهريب المخدرات (الحشيش، الشيرا)، وبيعها بالتقسيط لمروجي المخدرات بمنطقة بوزنيقة وابن سليمان والصخيرات تمارة. كان لكل مهرب زبائنه الذين يشترون منه المخدرات بالجملة بعين المكان، أو بعد الاتفاق على الموعد والمكان، الذي غالبا ما يكون داخل غابتي الشراط أو ابن سليمان. علما أن المهربين كانوا يخرجون كانت تقوم بتخزين المخدرات في أماكن بعيدة عن خيامهم. كما أن بعضهم كان يوهم ساكنة الجوار بأنهم يعملون مياومين (البناء، الحفر، الفلاحة..)، ومنهم من كان يدعي التشرد والاضطراب النفسي لإبعاد الشبهات عنه. كان الضحية يزور أسرته في المناسبات والأعياد، حيث كان يتفقد أحوالهم، ويخبئ ما حصل عليه من أموال، ثم يعود بكميات جديدة من المخدرات لبيعها. التخطيط للجريمة بعد أن غرر بهما مهرب ثان، ووعدهما بمكافآت مجزية، وأن يحلا محله في عملية تزويد المنطقة بالمخدرات وبأسعار تفضيلية. لم يتردد الشابان مروجا المخدرات في قرارهما بتصفية صديقهما، ووضعا خطة لارتكاب جريمة قتل أراداها أن تكون مجهولة. فقام أحد الشابين بمهاتفة المهرب الضحية، على أساس أن كمية المخدرات التي كانت بحوزتهما قد نفدت. واتفقا على الموعد والمكان. واختار الشابان أن تتم العملية ليلا وبضواحي منطقتهم قرب دوار يعكوب بالجماعة القروية الشراط. حيث جاء الضحية على متن دراجته النارية، ومعه كيس (خنشة) من المخدرات المتفق عليها مع الشابين. انتظر الشابان لحظة نزول الضحية، ومحاولته فتح الكيس من أجل تسليمهما البضاعة. فاستغلا انهماكه في تفريغ كمية المخدرات من على الدراجة النارية، فعمد أحدهما إلى ضربه بسيف على رأسه، وانهال عليه الثاني بضربة أخرى على الرأس بواسطة عصا (هراوة)، إلى أن تأكدا من وفاته، وحملاه على دراجته النارية، وتوجها بجثته إلى غابة دوار الكدية قرب منطقة (بير العلاك) بالعيون في جماعة عين تيزغة، حيث ألقيا بالجثة داخل الغابة بعد أن شوها وجهها. وفي نيتهما إخفاء معالم وجه الضحية، وكذا إيهام العناصر الأمنية بأن الضحية تعرض لهجوم من حيوان مفترس، بحكم وجود حيوانات مفترسة بالمنطقة الغابوية، كالذئاب والكلاب الضالة والخنازير... وعرجا على بئر تقع بتراب جماعة الشراط، حيث ألقيا بالدراجة في قاع البئر، واختفيا، معتقدين أنهما ارتكبا (الجريمة الكاملة). راع يكتشف الجثة بعد بزوغ الفجر بساعات قليلة، عثر راعي غنم على الجثة. فتم إخبار ممثلي السلطات المحلية والدرك الملكي، الذين انتقلوا إلى عين المكان، حيث وجدوا الجثة التي كانت ملقاة على الأرض. وأفضت المعاينة الأولية إلى أن الجثة تحمل جرحين غائرين في الرأس، وبدون ملامح واضحة لوجه صاحب الجثة المشوه. كما أفرزت المعاينة أن القتيل توفي قبل ساعات فقط من العثور على جثته، وأن عملية القتل تمت في مكان آخر، قبل أن يتم نقل الجثة والإلقاء بها داخل الغابة، حيث لم يعثر رجال الدرك الملكي على أية آثار لدم القتيل فوق الأرض، كما لم يعثروا على أي وثيقة تثبت هوية الضحية. وحلت الفرقة الدركية العلمية من مدينة سطات، حيث تابعت البحث، وتبين لها أن القتيل، تتراوح سنه ما بين 40 و45 سنة. وكان القتيل يرتدي أربعة سراويل (اثنان منها داخليان). وسروالا قصيرا (شورط ديال البارصا). كما كان يرتدي (تريكو وجاكيط). وبجانبه قفازان يستعملان من طرف سائقي الدراجات النارية. وكانت احتمالات أن يكون الضحية أحد مهربي المخدرات بالمنطقة جد واردة، خصوصا أنه تم العثور على كيس بلاستيكي صغير به كمية من مسحوق (الطابا) في أحد جيوب الضحية. وقد تم نقل جثة القتيل إلى مستودع الأموات بالمستشفى الإقليمي بابن سليمان، من أجل التشريح الأولي للجثة، في انتظار رفع البصمات للاهتداء إلى هوية الضحية وأسباب الوفاة التي قد تفرز هوية الجاني أو الجناة. بعد أيام قليلة من البحث والتحري، كادت عناصر الدرك الملكي بابن سليمان أن تفقد الثقة في العثور على الجاني أو الجناة، خصوصا بعد أن اهتدت إلى هوية الضحية، واتضح لها أنه كان قيد حياته من مهربي المخدرات. فأسرة الضحية القاطنة بضواحي مدينة وزان، كانت تبحث عن الضحية منذ مدة. كما أن شقيقه اتصل بالدرك الملكي بعد أن علم بأمر الجثة المجهولة، وأدلى بوثائق تثبت القرابة التي تربطهما، وصورة شمسية للضحية. كما تعرف على جثة شقيقه التي كان قد تم حفظها مؤقتا داخل مستودع الأموات بالمستشفى الإقليمي بابن سليمان. وبعد تنقيط هوية الضحية اتضح لمصلحة الدرك الملكي أن القتيل شاب من منطقة وزان له سوابق عدلية في مجال ترويج وتهريب المخدرات، وأنه سبق أن قضى سنتين حبسا نافذا. وكانت عناصر الدرك الملكي والسلطات المحلية نظمت حملة تمشيطية في المنطقة الغابوية التي تم العثور فيها على الجثة، وتم الاهتداء إلى بئر تبعد بحوالي 400 متر عن مكان العثور على الجثة، وجدت داخلها دراجة نارية تعود للقتيل. فيما لم تعرف بعد أسباب ارتكاب جريمة القتل، ولا هوية الجاني أو الجناة والمكان الذي نفذت به. امتد بحث الدرك الملكي إلى أرقام هاتف الضحية الذي تم السطو عليه من طرف الجناة، حيث تم أخذ أرقام هاتف الضحية من زوجته، وتم البحث في المكالمات الأخيرة التي توصل بها الضحية قبل وفاته. كانت المكالمات كثيرة ومتنوعة، بينها أرقام هواتف شابين من ضواحي بوزنيقة وثالث من ضواحي وزان. وتم استدعاء الشابين والاستماع إليهما، كما تمت إحالتهما على القضاء لكن تم إطلاق سراحهما لعدم وجود أدلة وقرائن تدينهما. وكادت الجريمة أن تسجل ضد مجهول. فك لغز الجريمة انكبت العناصر الأمنية مجددا على ما لديها من قرائن، من أجل فك طلاسم هذه الجريمة. وقررت متابعة البحث في مصادر المكلمات التي استقبلها الضحية قيد حياته. فتوصلت إلى أرقام هاتف شخص من ضواحي وزان. تم استدعاؤه والاستماع إليه، حيث كشف أن الضحية صديق الشابين اللذين تم الاستماع إليهما في السابق وتم إطلاق سراحهما. وأنه كان لا يفارقهما. وهو ما جعل العناصر الدركية تعاود استدعاء الشابين، وتجتهد في البحث معهما فرادى، كما تمت مواجهتهما، إلى أن أقر أحدهما بأنهما مرتكبا جريمة القتل، وأدلى بتفاصيل الواقعة. وتوصلت أبحاث الدرك القضائي إلى أنهما منفذا الجريمة، بعد أن وقفت على أنهما اتصلا هاتفيا عشرات المرات بالضحية، كما اتصلا ببعضهما البعض هاتفيا وعن طريق رسائل هاتفية قصيرة. وأحال الدرك الملكي على محكمة الاستئناف بالدار البيضاء، خمسة أشخاص (أربعة من بوزنيقة وواحد من وزان) ، بتهم القتل العمد مع سبق الإصرار والترصد والمشاركة والاتجار في المخدرات والأقراص المهلوسة، فيما لازال البحث جاريا عن شريك سادس لهم من ضواحي وزان، يفترض أنه المهرب الثاني الذي اتفق مع الشابين على قتل الضحية وأخذ مكانه.