يبدو أن الراسخين في العلم قد نصحوا المجموعة الوطنية لكرة القدم بالتعامل الصارم مع قضايا الكرة مع مطلع الموسم الرياضي الحالي، وتطبيق مقولة «النهار الأول يموت المش»، فلم تمض إلا دورات قليلة حتى توالت الأحكام القاسية في حق الفرق، إلى درجة الاعتقاد بأن المجموعة الوطنية استنفذت رصيد الزجر الذي في حوزتها وتحتاج إلى تعبئة جديدة من الأحكام قبل أن تجد نفسها بدون سلطة رادعة كفزاعات حقول القمح. أصدرت اللجنة التأديبية قرارا يقضي بتوقيف لاعب أولمبيك آسفي حليوات مدى الحياة لأن زخات بصاق انفلتت من ثغره واستقرت على وجه الحكم رمسيس، ولولا لطف الله لاقترن القرار بعقوبة حبسية وغرامة مالية، وفي نفس الجلسة السرية صدر قرار توقيف أمين مال اتحاد تمارة لمدة سنتين ليس لأنه أخطأ الحساب، بل فقط لأن تقرير المندوب يؤكد هيجان المسؤول واحتجاجه على قرارات الحكام، بل إن القرار اقترن أيضا بتوقيف مدرب الفريق نور الدين حراف لمدة شهرين، لتصبح النكبة مضاعفة. إذا بصق شخص على وجه شخص آخر في الشارع العام فإنه من النادر متابعة الفاعل، حيث غالبا ما ينتهي النزاع بطلب الصفح والاعتذار وفي أسوء الحالات بالسب المتبادل، لكن في حالة حليوات كان البصاق مكلفا،لأن اللجنة التأديبية تريد أن تؤدب فرقا دون سواها، علما أن واقعة حليوات لا تختلف كثيرا عن واقعة لاعب اتحاد الخميسات فتيحي الذي أرغد وأزبد في مباراة الجيش خلال الموسم الماضي دون أن يطاله العقاب، لأن للفريق الزموري رئيسا قادرا على تأديب اللجنة التأديبية، لهذا اكتوى أولمبيك آسفي بسياط الجلد بعد أن عاش وضعا مماثلا قبل موسمين في قضية لاعبه عادل العمري الذي أصبح اليوم في عداد المفقودين. وأصدر محمد قداري رئيس اللجنة التأديبية، التي يذكر الجميع صفعته الشهيرة لمدرب فريقه السابق بلكبير دون أن يطاله العقاب طبعا، قرارا يقضي بمنع الكوكب المراكشي من الاستقبال في مراكش طيلة أربع مباريات دون أن يرتكب مسؤولو الفريق جرما لأن التنظيم من اختصاص رجال الأمن وليس مسيري الفريق الذين كانوا يتابعون مباراة فريقهم ضد الوداد من المنصة، قبل أن يفاجأوا بحجارة ترمي المشجعين من خارج أسوار الملعب بسبب خلل في التنظيم أدى الكوكب فاتورته «كاش». مرحبا بالزجر وبقرارات اللجن لكن شريطة تعميم ثقافة نشر الأحكام، لأن المغرب هو البلد الوحيد الذي يصر على أن تكون توقيفات الحكام مذيلة بعبارة سري للغاية، لا أحد يعرف طبيعة القرارات الصادرة في حق حكامنا وكأنهم كائنات أخرى لا يطالها العقاب على الأقل علنا، ففي مشهدنا الكروي يصعب إدانة الحكام إلا في الحالات القصوى، لذا يتحولون فوق رقعة الملعب إلى كائنات محاطة بالوقار، هم في اعتقادي أشبه بالوالدين لا تقل لهم أف ولا تنهرهم وقل لهم قولا كريما. أما لجنة القوانين والأنظمة فلم تكلف نفسها عناء الإنصات لصوت الوداد في نازلة الأجانب الثلاث، وأصدرت قرارا غيابيا في حق النادي يقضي بخصم أربع نقط من رصيده، وفي الوقت الذي كان فيه مسيرو الوداد يصلون صلاة الجنازة على جثمان الفقيد الحريشي في مقبرة الرحمة بعد عصر يوم الخميس، كانت اللجنة في الرباط تشيع انتصار الوداد وتحوله إلى هزيمة، رحم الله دودو الذي كان يطلق على الجامعة لقب مجلس الأمن الدولي. الغريب أن المجموعة الوطنية لكرة القدم تعترف بتقادم النصوص القانونية المعمول بها، وتبحث عبر لجنة موسعة عن سبل التخلص من قوانينها العامة التي يصر بعض المسيرين على نعتها بالقوانين الطامة، لكنها تلجأ إليها في إصدار القرارات الزجرية، والأغرب أن تواصل اللجن عملها وهي تعلم علم اليقين أن أول قرار تأديبي يجب أن يصدر عنها، هو حل الجهاز إلى حين عقد جمع عام يعطي للمجموعة الوطنية شرعية إصدار القرارات، لأن ما بني على باطل فهو باطل.