يبدو أن الحكومة، التي يقودها حزب العدالة والتنمية والتي تعتقد أن كل مشاكل المغرب مرتبطة بغياب الحكامة الجيدة، قد تشكلت، سواء تعلق الأمر بهيكلتها أو ببنيتها أو بكيفية توزيع المسؤوليات بين مكوناتها في سياق لا يمت إلى الحكامة بشيء، ودليل ذلك أن يطالب حزب سياسي مشارك فيها وحتى قبل تنصيبها من طرف مجلس النواب بضرورة إجراء تعديل عليها. واكبت تشكيل الحكومة الجديدة مجموعة من الملاحظات همت، أساسا، الطريقة التي جرت بها المفاوضات وتوزيع الحقائب الوزارية. والملاحظة الأساسية التي يمكن إبداؤها، حينما نتحدث عن الحكومة الجديدة، هي أن الجميع كان مقتنعا بضرورة أن تكون مختلفة عن الحكومات السابقة، على مستوى الهيكلة والتركيبة، على أساس أنها أول حكومة في ظل الدستور الجديد الذي صادق عليه المغاربة في فاتح يوليوز الماضي، والذي منح مؤسسة الحكومة ورئيسها صلاحيات واسعة. غير أن التساؤل عن التنزيل السليم للدستور يبدأ بالتعرف على الطريقة التي تشكلت بها الحكومة الجديدة. وهنا يمكن أن نبدي ملاحظات، خاصة وأن المراقبين والمواطن العادي كانوا ينتظرون أن تواكب تشكيلة الحكومة ممارسات جديدة تقطع مع الممارسات السابقة، لكن ذلك لم يتحقق، حيث سجل على مستوى بنية الحكومة استمرار وجود الوزراء اللامنتمين، وهي ظاهرة تشكل تشويشا على الطابع السياسي للحكومة التي كان الجميع يتطلع إلى أن تكون منبثقة، فعلا، عن صناديق الاقتراع. ولوحظ، أيضا، استمرار ظاهرة إنزال أشخاص لا علاقة لهم بالأحزاب، ويتم استوزارهم في آخر لحظة، بعد صبغهم بألوان سياسية معينة، وهو ما جرى في حكومتي ادريس جطو وعباس الفاسي، وتكرر في حكومة عبد الإله بنكيران. لقد حصل هذا في الوقت الذي كان فيه الجميع يعتقد أن عبد الإله بنكيران، ربما، يمتلك ما يكفي من الجرأة ليفرض مرشحيه، لكن هذا لم يقع، بل قدم تنازلات، مما جعل سلوكه، عمليا، لا يختلف عن سلوك الوزراء الأولين الذين سبقوه. في السياق ذاته، سجل المتتبعون ضعف التمثيلية النسوية في الحكومة الجديدة، وهو ما يعتبر تراجعا على مستوى تحقيق المساواة بين الجنسين في ما يخص العضوية داخل الحكومة، مقارنة حتى بالحكومات السابقة التي كانت تمثل بعدد أكثر من النساء، حتى لو لم تكن هذه التمثيلية ترقى إلى مستوى الانتظارات. ولا ينبغي أن ننسى، وهذا ربما من مكر التاريخ، أن الخصوم السياسيين لحزب العدالة والتنمية، الذين كانوا يتهمون الحزب بتغييب مبدأ المساواة، أكدوا اتهامهم من خلال هذه الحكومة الذكورية بامتياز. قيل الكثير عن أولويات الحكومة الجديدة، ومن المؤكد أنها لا تختلف عن أولويات الحكومات السابقة. علينا التذكير بالأولويات التي سطرتها حكومة ادريس جطو، والتي وضعت القطاعات الاجتماعية: الصحة والسكن والتعليم والتشغيل، في صدارة اهتماماتها. والملاحظة المثيرة للانتباه، في هذا الصدد، أن ثلاثة قطاعات اجتماعية حيوية مُنحت لحزب التقدم والاشتراكية، وهي التشغيل والتكوين المهني والصحة والسكن، مما يطرح سؤال المحاسبة. أكيد أن هناك حديثا حول الطريقة الجديدة لاشتغال الحكومة الحالية، والتي تقوم على الانسجام، وهو ما أكد عليه عبد الإله بنكيران، بمعنى ضمان الانسجام بين مكوناتها، انطلاقا من مقاربة تشاركية. لكن هذا يظل تحديا كبيرا يُطرح العديدُ من التساؤلات على قدرة الحكومة على رفعه، وسيكون له تأثير على كيفية إنجاز الأولويات المسطرة، وهو تحد مرتبط بمدى قدرة رئيس الحكومة، فعلا، على تحقيق الانسجام بين مكونات الحكومة التي يقودها، خاصة وأن تصريحاته لم تكن مطمئنة حينما تحدث في أول اجتماع للحكومة عن تمنيه تحقيق الانسجام والتماسك، في الوقت الذي كان يتعين عليه أن يكشف عن الآليات الكفيلة بتحقيق هذا الانسجام. وبالعودة إلى أولويات الحكومة الجديدة، وفي انتظار عرض البرنامج الحكومي على البرلمان، يمكن القول إن القطاعات الاجتماعية تحظى بالأولوية، فالقضايا ذات الطابع الاجتماعي تكتسي طابعا استعجاليا لا يستوجب الانتظار، بل تفرض الانكباب عليها للحد من تفاقم المعضلات التي تطرحها. لقد سبقت الإشارة إلى قطاع التربية والتكوين والتشغيل والصحة والسكن، فهذه تحديات كبرى تنتظر الحكومة، إذ إنها مطالبة بمضاعفة جهودها من أجل معالجة المشاكل والإكراهات والصعوبات المطروحة في هذه القطاعات. ومن المؤكد أن الحكومة ستتذرع بعامل الوقت، وأنه لا يمكن أن تعالج كل القضايا المطروحة في هذه القطاعات الحساسة في وقت وجيز. هناك قضايا مستعجلة مرتبطة بتنزيل مضامين الدستور الجديد، والذي يهم مجالين، الأول مرتبط بإخراج القوانين التنظيمية والعادية المرتبطة بالمؤسسات المنصوص عليها في الدستور، والثاني يخص تنزيل الآليات في ما يتعلق باحترام الحريات والحقوق الأساسية. ينضاف إلى ما سبق، ما تفرضه الاستحقاقات الانتخابية المقبلة من تحديات. وللإشارة، فإن المغرب مُقبل على انتخابات مجالس الجماعات الترابية، سواء تعلق الأمر بالمجالس الجماعية أو الجهوية، إضافة إلى انتخاب أعضاء مجلس المستشارين. ومن المنتظر أن تواجه الحكومة الملفات العالقة التي ظل حزب العدالة والتنمية يُثيرها طيلة وجوده في المعارضة، ومنها ملف معتقلي السلفية الجهادية الذي يفرض نفسه بقوة. ويبدو أن التصريحات الأولية لأعضاء في الحكومة من شأنها أن تخلف تداعيات، إذ من المتوقع أن يلجأ هؤلاء المعتقلون إلى التصعيد، ليس فقط ضد السلطات العمومية، هذه المرة، بل كذلك ضد حزب العدالة والتنمية. لا شك أن الحكومة الجديدة ستسعى في المائة يوم الأولى، على الأقل، إلى تبني مبادرات يكون لها تأثير على الرأي العام الوطني، وصدى إعلامي، وذلك لطمأنة الرأي العام الوطني بكونها تباشر مهامها على الوجه المطلوب، لذلك ركزت على مسألة الحكامة والتخليق، واتخذت منهما شعارا مركزيا. لا ننسى أن حكومة عبد الرحمان اليوسفي تبنت الشعار نفسه، واعتمدت «ميثاق حسن التدبير» الذي يعتبر، في عمقه، تجسيدا للحكامة، ولكن ما تحقق في نهاية المطاف لم يرق إلى مستوى الانتظارات في ما يخص التخليق والحكامة، لذلك إن كان التركيز على مبدأ الحكامة جيدا، فإن بعض القوى الديمقراطية متخوفة من إمكانية تحقيقه، خاصة وأن التصريح الذي أدلى به رئيس الحكومة، بعد تعيينه، لم يكن مطمئنا لكونه أشار إلى وجود ملفين كبيرين، هما ملف الديمقراطية وملف الحكامة، وأن الملف الأول طُوي بعد إجراء انتخابات شفافة ونزيهة، على العموم، واحترام صناديق الاقتراع والمنهجية الديمقراطية في تعيين رئيس الحكومة، وأن العمل يجب أن يتركز الآن حول الحكامة، والحال أن الديمقراطية لا يمكن اختزالها بهذه الطريقة.