تشهد فقرة مناقشة الأفلام المشاركة في المسابقة الرسمية للمهرجان الوطني للفيلم بطنجة، مواقف غريبة، حيث إن هذه الفقرة المبرمجة في الفترة الصباحية لأيام المهرجان، تنأى في مرات كثيرة عن دورها فتصبح النقاشات الشخصية والفوضى التنظيمية أهم ما «يميزها». وأهم ما يميز فقرة المناقشة، هو تنظيمها في قاعة ضيقة تستقبل عشرات الممثلين والمخرجين والنقاد والصحفيين، والتي لا تتسع لكل الحاضرين، حيث إن نصفهم يضطر لمتابعتها وقوفا، ويعانون مع الجالسين على حد سواء، من الحرارة الملتهبة للقاعة، التي يزيد من حدتها أنوار الكاشفات الضوئية، حتى إن أحد الممثلين الحاضرين في هذه الدورة وصف القاعة ب«الصاونا». وليست الحرارة وحدها مشكلة هذه القاعة، بل أيضا الفوضى وضعف التنظيم، فمثلا يحدث في مرات عديدة أن صوت المترجم إلى الفرنسية، الذي من المفروض أن يجلس خلف عازل زجاجي للصوت، يختلط لصوت المتدخلين، ما يجعل من الصعب متابعة المداخلة سواء بالعربية أو الفرنسية. ولم يكن مضمون المناقشات أحسن حالا من شكلها، حيث تخرج في كثير من الأحيان عن نطاق المناقشات السينمائية والنقد الفني المحض لتتحول إلى مشادات كلامية وتصفية حسابات وتمرير رسائل مبطنة إلى «من يهمهم الأمر»، بل تصل أحيانا إلى استعمال قاموس من الألفاظ اللاأخلاقية، وظهر أن عددا من المخرجين يرفضون انتقاد أفلامهم ولو فنيا، بل منهم من يبدي امتعاضه من تسجيل ملاحظات على المستوى التقني والجمالي، أو على مستوى فكرة الفيلم، يساندهم في ذلك أحيانا مسيرو الندوة الذين يبادرون بمقاطعة المنتقدين. وأثناء مناقشة فيلم «الأندلس مونامور»، تفطن ناقد إلى أن موسيقاه التصويرية «مأخوذة» عن فيلم إسباني، غير أن مقاطعات مسير الندوة سهلت على مخرج الفيلم، محمد نظيف، تجاهل الرد على هذه الملاحظة، كما تم تسجيل ملاحظة أساسية وهي انقسام الحاضرين إلى قسمين، فريق «المصفرين» الذين لا يقبلون نقد فيلم معين، وفريق «مصفقين» يبادرون بالتصفيق على المنتقد، وبين التصفير والتصفيق والاحتجاج والتهليل، يضيع مضمون المداخلة أصلا، وينحرف النقاش عن مساره ليتحول إلى حلبة مصارعة كلامية. وفي بعض النقاشات لا يكون الأمر محتاجا لفوضى عارمة ليفقد النقاش معناه، فعدد من المخرجين والممثلين، ظهروا غير قادرين على مناقشة فكرة فيلمهم أو الدفاع عنها، وكنموذج على ذلك نجد فيلم سعد الله عزيز «السيناريو»، الذي يتطرق لما يسمى ب«التطرف الديني»، حيث بدا غير متجاوب مع أسئلة المتدخلين، بل إن زوجته خديجة أسد، منتجة الفيلم، والتي تشارك زوجها البطولة، عندما سئلت عن النظرة النمطية التي يعطيها الفيلم عن الإسلاميين، اتضح من جوابها أنها تخلط بين مصطلح «الإسلاميين»، التيار الفكري والسياسي، وبين مصطلح «المسلمين». وكانت قاعة المناقشات شهدت مواقف أكثر غرابة، كان أبرزها عند مناقشة فيلم «كيف ما يقولوا» للمخرج عيوش، هذا الأخير الذي بدا غريب الأطوار، وقد صبغ أظافر إحدى يديه باللون الأحمر، وصار يغني تارة ويضحك تارة ويقوم بحركات عشوائية تارة أخرى، حتى إن أحد الحاضرين وصفه بالمهرج، وهو ما جعله يدخل معه في مشادة كلامية كادت تخرج عن السياق، فيما نأى النقاش حول الفيلم عن هدفه الأساسي وهو مناقشة العمل في حد ذاته، وانتقل معظم المتدخلين للدفاع عن المشاهد الجنسية وطرح موضوع الشواذ، أو معارضته، بينما فضل أبطال الفيلم ومخرجه توزيع «القبلات» فيما بينهم.