شكلت رسالة جماعة العدل والإحسان الموجهة الأسبوع الفائت إلى حزب العدالة والتنمية وذراعه الدعوية، حركة التوحيد والإصلاح، ردا رسميا على الدعوات التي حرصت قيادة الحزب الإسلامي على توجيهها إلى جماعة الشيخ عبد السلام ياسين لعلها تغريها بالمشاركة في العملية السياسية والعمل من داخل المؤسسات. كما كانت مؤشرا دالا على أن التطبيع بين إخوان بنكيران وأتباع الشيخ عبد السلام ياسين صعب الإدراك في لحظة سياسية تتميز بوصول الإسلاميين إلى سدة الحكم. وصول كان مصنفا في باب المستحيلات قبل أيام معدودات من هبوب رياح الربيع العربي على البلاد. وبالرغم من إدراك قيادة حزب العدالة والتنمية للبون الشاسع بين منهج الحزب وذراعه الدعوية ومنهج الجماعة واختلاف نظرتها إلى نظام الحكم والمؤسسات القائمة، فإن اللافت كان هو حرص «إسلاميي المؤسسات» على مطالبة قيادة العدل والإحسان بمراجعة مواقفها بشأن المشاركة السياسية، حيث تعددت خرجاتهم وتصريحاتهم الصحافية، التي كان من أبرزها وأكثرها وضوحا تصريحات عبد الإله بنكيران مباشرة بعد تكليفه بتشكيل الحكومة «الملتحية». إذ لم يتردد بنكيران المنتشي بنصر انتخابي مبين في محطة 25 نونبر الماضي في دعوة الجماعة إلى العمل من داخل النظام السياسي القائم عوض الاستمرار في العمل من خارجه، ومراجعة موقفها السياسي بعدما تابعت الكيفية «النزيهة» التي تمت بها انتخابات 2011، بل لم يفت زعيم الإسلاميين على التأكيد في تصريحاته على ضرورة أن «تفهم العدل والإحسان أن البلاد تغيرت اضطرارا وليس اختيارا، ومن الأفضل أن تنخرط للمساهمة في الإصلاح من داخل المؤسسات عوض البقاء خارجها». بيد أن محاولات إسلاميي المؤسسات «إغراء» أتباع ياسين بفوائد العمل من داخل المؤسسات التي توالت طيلة الأسابيع الماضية، لم تجد صدى طيبا لها لدى العدليين ومجلس إرشادهم، الذي عبر في رسالة موجهة إلى المكتب التنفيذي لحركة التوحيد والإصلاح والأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية عن تمسك الجماعة بموقفها الذي درجت عليه منذ نحو ثلاثة عقود بشأن المؤسسات القائمة بالنظر إلى أن «العمل من داخلها وفق شروط الحكم الفردي وابتزازه مخاطرة سياسية، بل انتحارا حقيقيا». ف«المؤسسات في واقعنا المغربي هوامش على متن الاستبداد وديكورات لتزيين الحكم المخزني»، بل إن «الحديث عن المؤسسات وتعددها واختصاصاتها في ظل الحكم الفردي ومشروعه السلطوي الاستبدادي ضرب من الخيال». ويبدو أن التغييرات التي عرفها المغرب في الأشهر الماضية بعد ميلاد حركة 20 فبراير والخطاب الملكي ل 9 مارس- من خلال وضع دستور جديد للمملكة أعاد توزيع السلط بشكل مغاير لما كان عليه دستور الملك الراحل الحسن الثاني، بل شهد تنازلا لملك البلاد عن بعض صلاحياته، وإجراء انتخابات تشريعية أعلنت عن وصول الإسلاميين الذين اختاروا العمل المؤسسي نهجا لهم إلى السلطة لأول مرة في تاريخ المملكة- لم تزحزح العدل والإحسان قيد أنملة عن موقفها من المؤسسات والعمل من داخلها. فالمشاركة السياسية بالشروط السياسية الفاسدة وفي الأوضاع المختلة هي، في أحسن الأحوال، مضيعة للوقت وخدمة للاستبداد،من حيث لا يدري المرء، وتمكين له أشد التمكن، تقول الجماعة في ردها على دعوات المشاركة في العملية السياسية والتغيير من داخل النظام، الصادر عمن اختاروا العمل المؤسسي نهجا من أجل الوصول إلى السلطة. ولئن كان رفض العدليين لدعوة إخوانهم في «التوحيد والإصلاح» و«العدالة والتنمية» يشير إلى استمرار الاختلاف بينهما في المنهجية رغم القاسم الديني الذي يجمعهما، وكذا في تقييم المرحلة السياسية التي تعيشها البلاد منذ فبراير الماضي،إلا أن البعض يرى في خطوة الرسالة بأنها استكمال للإشارات التي اختارت الجماعة بعثها إلى من يهمه الأمر (سلطة، وإسلاميين) وكان عنوانها الرئيس هو إعادة خلط أوراق من راهن على أن قيادة إسلاميي العدالة والتنمية في شخص بنكيران سيمهد الطريق لاستدراج العدليين الذين فشلت محاولات الدولة وأطراف سياسية في تحقيقه. وحسب المراقبين، فإن رفض دعوات إسلاميي العدالة والتنمية للعدليين للانخراط في اللعبة السياسية يأتي استكمالا لما بدأته الجماعة المحظورة حينما أعلنت انسحابها من حركة 20 فبراير لعدم رغبتها في الضغط أكثر حتى لا يستفيد العدالة والتنمية، الذي تتصارع معه على المرجعية الإسلامية وتزعم الطيف الأخضر في المشهد السياسي، من مزيد من «الغنائم» بسبب الحراك الذي أنتجته حركة 20 فبراير. وبدا لافتا من خلال رسالة العدليين إلى من أسمتهم ب«الإخوة الكرام والأخوات الكريمات» أن الجماعة حريصة على التمييز بين مكونات الحركة الإسلامية العاملة في المشهد السياسي والنأي بنفسها عن أي فشل يمنى به حزب محسوب على الإسلاميين، وأنها مصرة كذلك على الحفاظ على طهرانيتها، والرهان على عامل الوقت في صراعها مع خصومها السياسيين، وفي مقدمتهم الدولة التي نوعت على امتداد سنوات المواجهة معها أشكال تلك المواجهة. ويعتبر عبد المالك أحزرير، أستاذ العلوم السياسية بجامعة المولى إسماعيل بمكناس، أن الرسالة الأخيرة للجماعة تجعل المشاركة السياسية لأتباع ياسين مستبعدة حاليا في ظل ما تعتبره عدم اكتمال شروط تلك المشاركة، مشيرا إلى أن موقف الجماعة هذا يذكر بالمسار الذي انتهى إليه عبد الله إبراهيم وحزبه الاتحاد الوطني للقوات الشعبية. وبرأي أستاذ العلوم السياسية، فإن «تطويع» العدل والإحسان لن يتحقق إلا من خلال مكونات إسلامية أخرى، مؤكدا في تصريح صحافي ل«المساء» أن رفض العدليين دعوة قيادات العدالة والتنمية وحركة التوحيد والإصلاح بالانخراط في العمل من داخل المؤسسات لن يثني بنكيران عن إعادة المحاولة مرة أخرى، مستفيدا من عوامل تجمعهما تتمثل بشكل رئيس في الدين ومحاربة الفساد. ويعتقد أحزرير أن بنكيران قادر على المدى المتوسط أن يحقق النجاح في مهمة دفع جماعة الشيخ ياسين إلى المشاركة السياسية والانخراط في المؤسسات كما كان الحال في تسعينيات القرن الماضي مع عبد الكريم الخطيب حين تم إدماج إخوان بنكيران ومصطفى الرميد بفضل «الإيقاع الضبطي» الذي تبناه الراحل. وحسب المتحدث ذاته، فإن «ما يعرف به بنكيران من إلحاح سيكون له صدى كبير لدى الشيخ ياسين ومنظومة العدل والإحسان ودفعهم إلى تبني نهج محاربة المنكر باللسان والقلب لا باليد». وفي الوقت الذي يرى بعض المتتبعين أن «العدل والإحسان» برسالتها تحاول إبراء ذمتها إزاء نهج «إخوانهم» في «التوحيد والإصلاح» و«العدالة والتنمية»، فإن هناك من يذهب إلى أن الجماعة هي الآن في طريقها لأن تدخل في مواجهة مفتوحة مع حكومة عبد الإله بنكيران. فهل نشهد في المقبل من الأيام حلول مواجهة الإسلاميين للإسلاميين محل مواجهة الدولة للإسلاميين؟