في الوقت الذي ينتظر المثقفون، والمغاربة عموما، مناسبة المعرض الدولي للكتاب للاطّلاع على واقع الثقافة في البلاد و على ما أنتجته البلدان الأخرى في مجال الثقافة والمعرفة، تطفو إلى السطح نقاشات وخلافات يرى المتتبعون أنها من مخلفات الدورة السابقة لم يحسم فيها بالشكل المطلوب. أصدرت الجمعية المغربية للناشرين بلاغا يعلن عن تعليق المشاركة في الدورة القادمة، لعدم وفاء الوزارة بالتزاماتها، وفي هذا الإطار، يقول بلاغ الجمعية «نسجل في الوقت ذاته أن الوزارة لم تف بما وعدت به، وأكثر من ذلك، فوجئنا باستعمال لغة خشبية تنم عن روح متعالية سلطوية إقصائية من لدن إدارة المعرض الدولي للكتاب، التي عبّر ممثلوها في آخر لقاء لهم معنا، بتاريخ 13 -12- 2011، في إطار الإعداد للمعرض الدولي للكتاب في دورته ال18 عن أن تنظيم المعرض شأن يخصها هي، وما على العارضين سوى الالتزام بقراراتها التنظيمية».. ومن بين هذه الالتزامات، ترى الجمعية «أن الوزارة لم تفِ بها، ويذكر هذا البلاغ أن وزير الثقافة قد التزم، بتاريخ 15 -02 -2011 في اللقاء الذي عقده معنا على هامش الدورة ال17، بتخصيص مواقع في الواجهة للعارضين المغاربة، مع تجميعهم في المداخل الرئيسية وباجتثاث الخيمة التي ابتدعتها إدارة المعرض، وحرصت على إقامتها في مدخله بشكل مشوه يوحي للزوار وللعارضين، على حد سواء، أنهم يلجون سوقا بدوية تسودها الفوضى ويعمها الازدحام وتكتنفها الضوضاء».. وفي اتصال «المساء» بجمال التويمي التويمي، الكاتب العام للناشرين المغاربة وسؤاله هل يتعلق الأمر بمقاطعة للدورة القادمة، قال: هناك تعليق للمشاركة نظرا إلى عدم وفاء الوزارة بوعودها، فقد كان هناك اتفاق على الجلوس للتهيئ للمعرض، فإذا بنا نفاجأ بتحديد تاريخ مُعيَّن يفرض علينا الإجابة وبلغة تقول لنا إن المعرض هو شأن الوزارة وما نحن إلا كباقي المشاركين». وعن سؤال لماذا تطالب الجمعية بتنظيم المعرض كل سنتين عوض سنة واحدة، قال التويمي إن التنظيم كل سنة مكلف جدا لنا، كما أن الإنتاج الثقافي في المغرب ضعيف جدا ولا يسمح بتنظيم المعرض كل سنة، مضيفا أنه «يجب أن ينظم كل سنتين، وفي السنة التي لا ينظم فيها المعرض، تقام معارض جهوية». فالمعرض، كما يقول التويمي، «هو للجديد وليس معرضا مفتوحا للوسطاء والسماسرة الذين لا غاية لهم سوى البيع، ومن هذا المنطلق، طالبنا أن تكون الجمعية طرفا في التنظيم». أما بخصوص الخيمة التي تقام خارج المعرض وتلح جمعية الناشرين على اجتثاتها، فقال التويمي إنه «لا يعقل أن تحدد شروط دقيقة وصارمة بالنسبة إلى الناشرين من أجل المشاركة، كتحديد جدة الكتب التي يجب ألا تتعدى 3 سنوات على أبعد تقدير، في حين أن الخيمة هي «جوطية» لكل من هب وذب، حيث يباع فيها كل شيء حتى اللّعَب، حيث يستغلها السماسرة للبيع والشراء في كل شيء.. إضافة إلى ذلك، بل إن الزوار يكتفون أحيانا بهذه «الجوطية» ولا يدخلون المعرض من أصلا».. وعن سؤال «المساء» حول ما إذا كان موقف الجمعية مبنيا على حسابات ربحية، يقول الكاتب العام لجمعية الناشرين إن «مشاركتنا ليست ربحية بقدر ما هي التعريف بالكتاب»، مشيرا إلى أن التنظيم يجب أن يخضع لشروط، كما هو الحال في مصر مع الهيئة العامة للكتاب. وقال أيضا إن الاتفاق حول الاجتثاث كان قد تم الاتفاق عليه في السنة الماضية. «كما أن المعرض السابق كان مهددا بالفشل لو لم تشارك جمعيتنا في ذلك، مع العلم أيضا أن الدعاية لم تكن بالشكل اللازم في وفت نؤدي عليها»، يتابع المتحدث نفسه. مديرية الكتاب.. استغراب للموقف المفاجئ في اتصال «المساء» بحسن الوزاني، مدير الكتاب والمنسق العام للدورة ال18 قال «لا أستوعب شخصيا دواعي بيان الإخوة في الجمعية المغربية للناشرين، وهي بالمناسبة إحدى الجمعيات الممثلة للناشرين المغاربة، لأكثر من سبب، أولا، لأنني لا أرى، كما قد يقاسمني الكثيرون ذلك، أن موضوعا بحجم الخيمة، التي خصص لها البيان، يستحق موقفا بهذا الحجم. وثانيا، لأنني أتصور، أن اجتماعنا بالإخوة في مكتب الجمعية كان قد انتهى إلى توضيح كل النقط المرتبطة بمطالب الجمعية، وكان التزامنا واضحا في اتجاه الحرص على تجنب ما يفتَرض أنها مشاكل التجارب السابقة، وهي التزامات من المفروض أن يكون محضر الاجتماع وفيا لها، على الأقل كما تفترض أخلاقيات الحوار». وحينما طلبنا من الوزاني لماذا الإصرار على بقاء «الخيمة» قال: «في ما يخص الخيمة التي تقام خارج فضاء العرض الرئيسي، فهي اضطرار لا مفر منه، في ضوء عدم كفاية مساحة الفضاء الرئيسي للاستجابة لكافة الطلبات المقدمة من دور النشر الوطنية والدولية، وقد وصل عدد الناشرين المؤكد حضورهم، خلال هذه السنة، ما يفوق 800 ناشر مباشر وغير مباشر، وهو رقم يتم تحقيقه لأول مرة في تاريخ المعرض، مع العلم أننا قد اضطررنا إلى رفض عدد هام من الطلبات، حرصا على مهنية المعرض. ولو كان اجتثاث الخيمة اختياراً لبادرت وزارة الثقافة قبل غيرها إلى الاستغناء عنها، خصوصا أن نصبها يرتب على الوزارة تكاليف مالية إضافية، ولَمَّا سَلّمنا مع الجمعية أن وجود عرض البيع في الخيمة يضر بعرض البيع في الفضاء الرئيسي، اتخذنا إجراء بجعل الخيمة فضاء للعرض فقط، خاصا بالمجتمع المدني وبالجمعيات الثقافية.. واجتثاث الخيمة يعني رفض طلبات عدد من مؤسسات المجتمع المدني الثقافية ومنها، على سبيل، المثال بيت الشعر واتحاد كتاب المغرب وغيرهما من الجمعيات التي نعتبرها شريكا لنا في هذا المشهد الثقافي، وهو أمر غير وارد بتاتا». أما بخصوص مطلب تجميع العارضين المغاربة فيقول الوزاني: «في ما يخص تجميع العارضين المغاربة في أماكن رئيسية في فضاء المعرض، فينبغي التذكير هنا -من باب الأمانة- أن هذا المطلب يتنافى مع رغبة بعض الأعضاء من جمعية الناشرين نفسها، وهو أمر موثق بمراسلات وردت على مديرية الكتاب. وحتى إن فرضنا جدلا أن الإجماع متحقق حول المطلب، فإنه يتنافى مع روح معرض الدارالبيضاء وأي معرض دولي آخر في العالم، فهذا الفرز لا مبرر له في ضوء أن المعرض بما هو مجال للتنافسية، هو أيضا فضاء للقاء والتجاور، والناشرون المغاربة الذين يشاركون في معارض الكتاب خارج المغرب بدعم من وزارة الثقافة يفهمون جيدا هذا الأمر.. صحيح أن تجميع الناشرين قد يصح حسب نوعية منشوراتهم، لتقريب المؤتلف، من باب تيسير التجوال والبحث عن الكتب بالنسبة إلى الجمهور.. لكن أن يتم التجميع على أساس الدول فهو أمر غير مفيد حتى لمن طلبوا ذلك.. تبقى الإشارة ضرورية إلى أن الناشرين المغاربة يعاملون بتفضيلية ملحوظة على مستوى التموقع في خارطة المعرض، إذ تمنح لهم أجود الأروقة الموجودة على الممرات الرئيسة في فضاء المعرض». أما بخصوص مطلب إقامة المعرض كل سنة فيقول مدير الكتاب إن «تنظيم المعرض الدولي للنشر والكتاب مرة كل سنتين هو مطلب لا يخلو من غرابة، إذ المنطقي أن تسير الأمور نحو الأمام. وفي حالة المعرض الدولي الذي كان في دوراته الأولى كل سنتين، ثم صار -بعد أن وتجاوز مرحلة البدايات- ينعقد سنوياً، فإننا ننتظر أن يكون الناشرون أكثر من يدافع عن انتظامه السنوي». الجمعية المغربية لمحترفي الكتاب.. نحن ضد المقاطعة ومن جهة أخرى، في اتصال «المساء» بعبد القادر رتناني، عن « الجمعية المغربية لمحترفي الكتاب»، قال رتناني إنه ضد المقاطعة، «وإذا كان هناك من مشكل فيجب أن نجلس ونضع النقط على الحروف، فالمشكل كان قائما في ولاية الوزير المنتهية ولايته، ولنترك فرصة حتى يعين الوزير القادم ونناقش الأمر، أما أن ندعو إلى المقاطعة أو تعليق المشاركة، فالأمر ليس منطقيا ويدعو إلى الاستغراب، فالمعرض هو حفل سنوي يجب أن نحترم فيه المغاربة والزوار في وقت نعيش فيه أزمة قراءة. وبخصوص دعوة جمعية الناشرين المغاربة إلى تنظيم المعرض كل سنتين، قال رتناني: «أنا ضد هذه الفكرة، وأتساءل لماذا يكون المغرب استثناء في الوقت الذي تقام فيه المعارض سنويا كما هو الحال مع معرض فرنكفورت وباريس والقاهرة ولندن وتونس.. فالمعرض هو حدث وحفل يلتقي فيه الفاعلون الثقافيون، وهو أيضا للتوقيعات وإعطاء صورة واضحة عن الحياة الثقافية في البلد». وفنّد رتناني دعوى ضعف الإنتاج، حيث إنه من خلال الأرقام الرسمية يظهر أن هناك نموا واضحا، وقال إنه «في 1987، كان هناك أقل من 1000 عنوان، أما في 2010 فقد وصل العدد إلى 2000 عنوان، فهناك نمو واضح ويدعو إلى النظر بتفاؤل». وقال رتناني إنه يتفق معهم فقط في مسألة الخيمة التي دعا إلى أن تكون فضاء لأكاديميات التعليم والجمعيات المشتغلة في قطاع تشجيع القراءة والكتاب بشكل مجاني.