ترتكز رؤية 2020 الخاصة بالقطاع السياحي على استقطاب 20 مليون سائح سنويا في أفق سنة 2020، مقارنة بحوالي 10 ملايين في الوقت الحاضر، فضلا عن جعل السياحة ثاني أكبر قطاع اقتصادي بعد الفلاحة، وبات هذا الأمر حيويا في أعقاب تعرض قطاع السياحة لعدة تقلبات في العام 2011 بسبب تداعيات الربيع العربي وتفجيرات مقهى أركانة بمراكش، يضاف إلى ذلك الآثار السلبية لأزمة الأورو حيث يشكل الأوربيون صدارة السياح الأجانب الذين يلجون المغرب، وهو ما يجعل رؤية 2020 تدخل منعطفا حاسما ابتداء من هذه السنة. 2011 كانت سنة صعبة على القطاع أقر ياسر الزناكي، وزير السياحة السابق، أن عام 2011 كان صعبا بالنسبة لقطاع السياحة في المغرب، حيث ساهمت عدة عوامل في تناقص عدد السياح خصوصا خلال النصف الأول من السنة المنصرمة، ومن أهمها أحداث الربيع العربي وانفجار مقهى أركانة في أبريل الماضي بمراكش، والتباطؤ الاقتصادي خاصة بأوربا، الزبون السياحي الأول للمغرب، بالإضافة إلى توافق شهر رمضان لسنة 2011 مع شهر غشت السياحي الشيء الذي زاد العبء على هذا القطاع. وحسب إحصائيات وزارة السياحة، بلغ عدد السياح الوافدين خلال سنة 2011 حتى متم شهر شتنبر الماضي، بما في ذلك شهر رمضان، حوالي 7,3 ملايين سائح، أي بزيادة نسبتها 2 بالمائة مقارنة مع نفس الفترة من سنة 2010، فبعد أن انخفض معدل نمو القطاع السياحي بمقدار 6 في المائة خلال النصف الأول من العام الماضي مقارنة مع معدل النمو الذي سجله خلال نفس الفترة من 2010، وهو ما جعل الوزير يقر بأن النمو كان ضعيفا خلال تلك الفترة، إلا أنه استدرك أن هذا المعدل أعلى من المعدل العالمي الذي لم يتجاوز نسبة 4.5 في المائة، استطاعت السياحة المغربية تدارك الموقف خلال النصف الثاني من 2011. وبذلك يمكن اعتبار أن حظ المغرب كان أفضل من وضع دول شمال إفريقيا الأخرى، فقد سجلت تونس تراجعا في أعداد السياح القادمين بأكثر من الثلث، فيما انخفض معدل السياحة في مصر بنسبة60 في المائة، وصرح الوزير بأن المغرب يعتبر الوجهة السياحية الوحيدة في المنطقة التي سجلت ارتفاعا في معدل تدفق السياح خلال عام 2011 رغم الظروف الصعبة التي تمر بها هذه المنطقة نتيجة أحداث الثورات العربية على وجه الخصوص. الاستثمارات الخليجية تعزز السياحة المغربية يقول الخبير الاقتصادي البحريني، جاسم الحسين، إن المغرب في حاجة لاستقطاب استثمارات خليجية للمساهمة في التعويض عن قدرته المحدودة على استقطاب استثمارات أجنبية مباشرة، كما تجلى ذلك في تقرير الاستثمار العالمي للعام 2011 ومصدره مؤتمر الأممالمتحدة للتجارة والتنمية «الأونكتاد». فحسب التقرير، بلغت قيمة الاستثمارات الأجنبية المباشرة الواردة إلى المغرب في العام 2010 حوالي 1304 بملايين دولار تحديدا، وهذا يعني استمرار تراجع حجم الاستثمارات الأجنبية من 1952 مليون دولار في 2009 فضلا عن 2489 مليون دولار في 2008. كما تم التوقيع على تأسيس الهيئة المغربية للاستثمار السياحي تحت اسم «وصال كابيتال»، بقصد تطوير القطاع السياحي الذي يساهم بنحو 10 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي بشكل مباشر، لكن أعلى من ذلك عند احتساب التأثيرات غير المباشرة، كنفقات الزوار التي تترك آثارها الإيجابية على العديد من القطاعات الاقتصادية، ويعد القطاع السياحي الأقدر على جلب العملات الصعبة دونما منافسة من أي قطاع اقتصادي آخر، وتم تأسيس «وصال كابيتال» عبر شراكة بين مؤسسات تتبع الصناديق السيادية في قطر والإمارات والكويت فضلاً عن المغرب بهدف استثمار ما بين 2.5 و4 مليارات دولار في المشاريع السياحية في أرجاء المغرب، والمؤسسات المعنية تشمل قطر القابضة وآبار للاستثمار التابعة لصندوق «أبو ظبي» وصندوق الأجيال الكويتي والصندوق المغربي للتنمية السياحية، ومن شأن الأموال المستثمرة تحقيق بعض الأهداف الاقتصادية ضمن رؤية 2020 من قبيل تطوير المرافق العامة وبالتالي النمو الاقتصادي وإيجاد فرص عمل للمواطنين. مشاريع سياحية ضخمة وسياح قلائل تميزت سنة 2011 بإنجاز مجموعة من المشاريع في المجال السياحي، والتي يراهن عليها المغرب بشكل كبير لتثمين المؤهلات التي تزخر بها المملكة، من خلال إطلاق العديد من الأوراش السياحية الكبرى خصوصا بمراكشوأكادير، وهو ما جعل الحبيب لعلج، رئيس الفيدرالية الوطنية لوكالات الأسفار، يصرح بأن الاستثمارات الضخمة بالقطاع لا يسايرها توافد أكبر عدد من السياح خلال 2011. وتستند «رؤية 2020» على مبدأ تطوير المسار المقبل للقطاع السياحي بالمغرب تأسيسا على «رؤية 2010»، وتتمثل الخطوط الكبرى للاستراتيجية السياحية 2020-2011، في أنها ستحدث ست وجهات سياحية جديدة وإضافة 200 ألف سرير وخلق 470 ألف منصب شغل وتوظيف 100 مليار درهم من الاستثمارات، ورفع العائدات السياحية من 60 مليار درهم، حاليا، إلى 140 مليار درهم، سنة 2020، وجلب حوالي 20 مليون من السياح، وبالتالي مضاعفة حجم القطاع السياحي، ما سيجعل المغرب ضمن الوجهات السياحية العشرين الأولى في العالم. وتعتمد هذه الاستراتيجية على إنجاز ثمان مناطق ترابية لضمان التناسق السياحي والجاذبية الضرورية لتحقيق التموقع الدولي وتثمين المؤهلات السياحية لكل المناطق بعد ذلك، وسيتم في المرحلة الأولى من هذه الاستراتيجية، إنجاز منطقتين لتثمين العرض الشاطئي المغربي، على الساحلين الأطلسي والمتوسطي، ستعزز باستكمال إنجاز مشاريع «المخطط الأزرق» وتطوير منتوجات جديدة في الجنوب والتي تشمل مواقع أكادير ونواحيها مثل تافراوت وإموزار إداوتنان والعيون وكلميم، إضافة إلى «المغرب المتوسطي»، كمنتوج يجمع كلا من مواقع السعيدية و«مرشيكا» و«كلا إريس»، وتركز المناطق الأربع الأخرى على العرض الثقافي، عبر تعزيز الوجهات المألوفة، وتطوير محطتين للتنمية، هما «مراكش الأطلسي» المرتكزة على وجهات مراكش وتوبقال والصويرة، في الوقت نفسه، فيما يشكل «مغرب الوسط» وجهة السفر إلى مصادر الثقافة والتاريخ، بفضل تناسق بين مواقع فاس، ومكناس، وإفران، وكذا منطقتان تعتبران واجهة للمغرب في مجال التنمية المستدامة، من خلال تثمين مواقع طبيعية هي«جنوب الأطلس الكبير»، الذي يتمحور حول الموقع الاستثنائي للداخلة و«الأطلس والوديان» المتمركز حول ورزازات والوديان والواحات والأطلس الكبير، الذي سيسمح للوجهة بأن تتموقع كوجهة مشعة للسياحة البيئية والتنمية المستدامة. ويرتكز البرنامج السياحي «المخطط الأزرق 2020»، على مفهوم المحطات الساحلية المندمجة «الذكية»، الهادفة إلى خلق عرض مغربي تنافسي، على الصعيد الدولي. إحداث الصندوق المغربي للتنمية السياحية يهدف المخطط الجديد، في مرحلته الأولى، إلى إعادة تموقع واستكمال المحطات التي جرى إطلاقها وهي السعيدية ولكسوس وتاغازوت، وإكمال العرض السياحي بمحطات جديدة. كما يتوخى إعطاء موقع تفضيلي مميز ومستدام للمحطات، من خلال الاعتماد على منطق السوق، إذ سيجري إغناء تموقع هذه المحطات بعروض تنشيطية وترفيهية متنوعة ومكملة للبنى التحتية السياحية الأساسية. حيث ستبرز ست وجهات سياحية جديدة في إطار هذه الاستراتيجية تشكل محطات حقيقية للنمو تنضاف إلى القطبين السياحيين الدوليين مراكشوأكادير. ومن بين اللبنات الأساسية التي أرساها المغرب لإنجاز رؤية 2020 الطموحة، إحداث «الصندوق المغربي للتنمية السياحية» للانخراط في شراكات مع صناديق سيادية لدول خليجية، وتكوين الهيئة المغربية للاستثمار السياحي «وصال» في انتظار فتح المساهمة لاحقا أمام صناديق ومؤسسات استثمارية دولية ومغربية. وتخضع المساهمة في هذه الهيئة لبرنامج استثماري على مدى عشر سنوات وتتم بصفة تدريجية في المشاريع التي تم اختيارها وتمت المصادقة عليها. وتأتي مساهمة ثلاث دول من مجلس التعاون الخليجي في هذا الصندوق وهي قطر والإمارات والكويت في إطار الاهتمام الذي توليه هذه البلدان للتنمية الاقتصادية والاجتماعية بالمملكة. وسيقوم الصندوق بتمويل مشاريع محددة سلفا وخاضعة للدراسة القبلية والتقويم المرحلي. حيث سيتم في إطار صندوق هذه الهيئة تمويل مشروعين سياحيين سيتم إنجازهما بكل من مدينة ورزازات ومنتجع أوكايمدن الجبلي بضواحي مراكش. ويعكس انخراط دول من الخليج العربي في الدينامية الاستثمارية التي تعرفها المملكة واستجابتها للمساهمة في الصندوق المغربي للتنمية السياحية، الثقة المتبادلة التي تجمع بين المغرب وهذه المنطقة العربية، وكذا الثقة التي يضعونها في المغرب كوجهة استثمارية وسياحية مهمة. ضعف سياحة المؤتمرات بالمغرب أكد المشاركون في الأيام المهنية الأولى للسياحة بمراكش مؤخرا، أن سياحة المؤتمرات والمعارض بالمغرب تعتبر في بداياتها، إذ من بين 1500 مؤتمر ينظم في مختلف أرجاء العالم سنويا، لا يستقبل المغرب سوى 4 أو 5 مؤتمرات في السنة. وقال عبد الحميد عدو، مدير المكتب الوطني المغربي للسياحة، إن البنية التحتية التي تصلح لتنظيم المؤتمرات والمعارض المتواجدة حاليا بالمغرب لا تحفز الشركات، سواء الأجنبية أو الوطنية، على إقامة فعالياتها واجتماعاتها في المغرب، وأعطى مثالا بدولة كتركيا التي تملك 150 ألف مقعد خاص بالمؤتمرات بينما المغرب لا يحتوي إلا على 4000 مقعد من خلال 3 بنايات لقصر المؤتمرات. وأوضح عدو أن السياحة بصفة عامة وسياحة المؤتمرات بصفة خاصة تأثرت سلبا بتداعيات الربيع العربي وكذا حادث مقهى أركانة خلال شهر أبريل المنصرم، حيث أوصت عدة شركات للتأمين التي تربطها عقود مع الشركات والمؤسسات، بألا تنظم هذه الأخيرة مؤتمراتها ولقاءاتها خلال هذه الفترة، لكنه أكد أن شهر شتنبر الفارط شهد عودة تدريجية لهذا النوع من الأنشطة . وقال إن المكتب الوطني المغربي للسياحة بتعاون مع الفيدرالية الوطنية للسياحة، سيضع ابتداء من سنة 2012 استراتيجية خاصة بهذا النوع من السياحة التي اعتبرها جد هامة ومحفزة لتنشيط القطاع السياحي خصوصا السياحة الداخلية، حيث من المتوقع استقطاب عدة شركات ومؤسسات مغربية، من أجل تنظيم لقاءات ومؤتمرات بمختلف الفنادق التي تتواجد بالمملكة، مضيفا أن هناك نقصا كبيرا في المنشآت المخصصة للمعارض والتي تعتبر مكملة لتنظيم المؤتمرات، حيث يفاجأ المنظمون بأن القاعة التي يمكنها استيعاب مؤتمرين تفتقد إلى فضاء للعرض، وأكد عدو أن الوقت قد حان لتحفيز المجالس الجهوية للسياحة من أجل إيلاء أهمية خاصة للبنية التحتية الموجهة لسياحة المؤتمرات ورجال الأعمال، بالإضافة إلى إشهار هذا النوع من السياحة أمام رؤساء الشركات ومدراء الموارد البشرية لمختلف المؤسسات والمقاولات من أجل تنشيط لقاءاتهم خارج فضاء شركاتهم والتوجه إلى الفنادق . السياحة الداخلية الغائب الأكبر رغم إخراج برنامج «كنوز بلادي» إلى الوجود منذ عدة سنوات لدعم السياحة الداخلية، إلا أن الكثير من المغاربة يجدون صعوبة في الاستفادة من الأسعار التنافسية للفنادق التي يقدمها البرنامج. ويندرج «كنوز بلادي» في إطار برنامج تنمية السياحة الداخلية، بالرفع من عدد الأسفار بمناسبة العطل من 5.9 ملايين المسجلة سنة 2003 إلى 10 ملايين في أفق 2012، مع توقع ارتفاع عدد المبيتات في المؤسسات الفندقية المصنفة إلى 3 ملايين، أي ما يعادل زيادة بنسبة 92 في المائة، وتقليص الإيواء غير التجاري إلى 65 في المائة، والرفع من الإيواء التجاري المنظم إلى 35 في المائة. وتقوم «كنوز بلادي» من الناحية العملية على خفض أسعار المبيت في المؤسسات الفندقية بنسبة 50 في المائة، وتوفير امتيازات بالنسبة إلى الأطفال المرافقين لذويهم، وتقديم وجبات الفطور مجانا، إضافة إلى خفض أثمان النقل بالنسبة إلى السياح الذين يتوفرون على الحجوزات في الغرف. لكن العديد من المغاربة عبروا عن خيبتهم أمام ما يسمونه بالدعاية الكاذبة حول أسعار الفنادق لحملة كنوز بلادي، وصرح عثمان الشريف العلمي، أحد مهنيي القطاع السياحي، أن الفنادق لا تطبق بأمانة التخفيضات التي يقدمها برنامج «كنوز بلادي»، وأن بعض الفنادق فقط هي التي تحترم قوانين اللعبة. من جانب آخر ذكر بلاغ لوزارة السياحة أن نتائج النسخ السابقة من «كنوز بلادي»، التي انطلقت من دراسة ميدانية سنة 2003، تعتبر جيدة، حيث كرست العملية ارتفاعا بنسبة 50 في المائة في عدد الليالي، وتصدرت أكادير الوجهات السياحية المفضلة بالنسبة إلى السياح المغاربة، كما هو الحال بالنسبة إلى السياح الأجانب، تلتها مراكش، وبعدها تطوان وطنجة. أما على مستوى الإيواء فحققت الفنادق من فئة 4 نجوم حصة الأسد من الليالي المسجلة، خصوصا في أكاديرومراكش، متبوعة بالفنادق من 3 نجوم خاصة في تطوان وطنجة.