حلت في الصيف الماضي الذكرى السنوية الثانية لصدور رواية «الوقت بين ثنايا الغرز»، للكاتبة الإسبانية ماريا دوينياس بينويسا، وقد تمكنت هذه الرواية، المشبعة بأجواء «عروس الشمال» طنجة، من تحقيق أعلى المبيعات، حيث تجاوزت سقف المليون نسخة. ومن تم فإن تجاوز هذا السقف يحقق للكاتبة صيتا عالميا مُهمّاً، ويجعلها تحجز لنفسها مقعدا قي قطار الكتاب الكبار الذين يشار إليهم بالبنان، وقد دفع هذا النجاح الباهر الكاتبة إلى اتخاذ قرارها الحاسم، حيث وجدت نفسها أمام قناعة هجر مدرجات الجامعة كأستاذة للغة الإنجليزية في جامعة مورسيا والتفرغ للأدب الذي احتضنها إلى صدرها الدافئ، بنية أن تمنح هي الأخرى نفسها له كي يعطيها أحلى ما فيه. أضف إلى ذلك أن الرواية تُرجِمت إلى عدة لغات، منها الإنجليزية والألمانية، كما أنها تحولت إلى مسلسل ضخم سيتم عرضه في مطلع 2012، كما أنه كان مقررا ظهور ترجمتها الإنجليزية في الولاياتالمتحدةالأمريكية خلال نونبر الماضي.
فكيف استطاعت الكاتبة، إذن، خرق جدار الصوت والوصول إلى سقف المليون وما يزيد؟ ومن أين جاء كل ألق الرواية؟
«الوقت بين ثنايا الغرز» لم يأت من فراغ وإنما استند إلى نظرة ثاقبة وعمق، فالنظرة كانت بعين إسبانية لقضايا ذات بعد كوني في مدينة دولية اسمها طنجة، التي تعايشت داخلها جنسيات مختلفة وثقافات عدة وطموحات متنوعة. وقد كشفت الكاتبة عن هذا السر حينما صرّحت للصحافة بعد تجاوز مبيعات روايتها المليون نسخة قائلة: «أنا سعيدة بكل هذا النجاح الذي حققته الرواية، لأنه يؤكد أنها تتناول أحداثا ذات طبيعة كونية».
والرواية مثيرة، تجري أحداثها في الفضاءات الاستعمارية لطنجة وتطوان. تحكي قصة «سيرا كيروغا»، ابنة خياط من مدريد، تغادر مدينتها عملا بنصيحة والدها، محملة بمجوهرات العائلة وبأموالها، يرافقها خطيبها «راميرو»، حتى تطوان، قبل أن تشتعل نيران الحرب ويهرب راميرو» بالمال، تاركا خلفه «سيرا كيروغا» حاملا ومفلسة.. وبعد أن تخلصت «سيرا» من الصدمة النفسية التي كانت تعاني منها، ستساعدها «كانديلاريا»، مالكة البيت، على افتتاح مشغل يمكن أن تؤمّه نساء العسكريين والدبلوماسيين المقيمين في شمال إفريقيا. وهناك، ستتعرف على «ماركوس لوغان»، وهو صحافي متميز له ماضٍ غامض، حيث سيرتبطان معا في قصة حب وصداقة.
تدور أحداث الرواية، إذن، بنوع من التفصيل، حول «سيرا كيروغا»، مصممة الأزياء الشابة، التي اضطرت لمغادرة مدريد بحثا عن حبيب مجهول، تعثر عليه في مدينة طنجة، التي كانت واقعة في تلك الأثناء تحت الاحتلال الإسباني، ويحاولان الاستقرار هناك.
ومرة أخرى، تجد سيرا نفسها مضطرة للرحيل إلى تطوان، والتي كانت أيضا تحت الاحتلال الإسباني (1902 -1956) هربا من الديون والشعور بالوحدة والضياع، حيث تبدأ تحت هوية جديدة. وسعيا منها إلى فرصة أخرى لمواصلة المضيّ قدما في الحياة، تقيم مشروع ورشة حياكة تصبح محط أنظار الكثير من الأجانب في البلدة، ما يزج بها في أوضاع وظروف مشبوهة من جديد، وبالتالي تجد «سيرا» نفسها وقد هربت من جحيم الحرب الأهلية في مدريد (1936 -1939) لتُلقي بنفسها في أتون الحرب العالمية الثانية، التي كانت تلوح نذرها في الأفق، في صيف 1939، عقب إعلان انتهاء النزاع الإسباني ووصول فرانكو إلى السلطة.
ولكن هذه الفتاة، المحكومة بالقلق والوقوف على الحافة، تواصل التقدم في الحياة بفضل دعم عدد محدود من أصدقائها، أمثال «روزاليندا» و»خوان لويس بيجبدير» و»ألان هيلجارث»، ولكن هذا الدعم لم يكن بلا مقابل، لتجد نفسها متورطة في أمر أخطر بكثير من مجرد حرفة يمضي فيها الوقت بين غرز الحياكة.. ومن جانب آخر، فقد سبق للكاتبة أن أعربت، مجددا، عن سعادتها للمشاركة في معرض «جوادالاخارا» للكتاب، الأهم في القارة الأمريكية، حيث هناك فرصة أوسع لمزيد من التواصل بينها وبين القراء، من ناحية، وبين الناشرين من مختلف دول المنطقة، من ناحية أخرى. كما أعربت عن سعادتها البالغة بالمشاهد الأولى التي تابعتها للمسلسل المأخوذ عن روايتها. أما عن خلفيات اختيارها للمغرب كفضاء لأحداث روايتها الناجحة فتُرجِع ذلك إلى أسباب تتعلق بالعائلة، حيث عاشت مع والديها فترة في المغرب، حينما كان جزء منه واقعا تحت الحماية الإسبانية.