احتفلت «بيا إبراهيم»، العجوز التي تبلغ 72 سنة، وهي تنهي قصة زواجها أربع مرات، بإمكانية حصولها على بطاقة هوية، بعدما تعذر عليها الأمر في السابق. قصة «بيا ابراهيم» ليست الوحيدة في جبال أزيلال، هناك العديد من القصص التي ذهب ضحيتها آلاف الأشخاص دون حصولهم على وثائق تثبت زواجهم أو تمكنهم من الحصول على وثائقهم وحقوقهم البسيطة في المواطنة. استقدمت «بيا ابراهيم» شقيقها ليثبت ويشهد بنسبها، لكن العديد من الحاضرين يجزمون أن العجوز لم تكن لتتمكن من إنجاز عقد زواجها لولا تلك البادرة، التي قامت بها محكمة أزيلال بالتنسيق مع مؤسسة «إيطو» لإيواء وإعادة تأهيل النساء ضحايا العنف و«قافلة النساء الإفريقيات من أجل السلام والمساواة والمواطنة». حالة العجوز لم تكن الوحيدة بجماعة آيت محمد بأزيلال، فقد صادفت القافلة في يومها، أيضا، «تودة شجيع»، تلك الطفلة ذات الأربع عشرة سنة، التي تزوجت حديثا من شاب يبلغ 20 سنة، دون أن يتمكنا من إنجاز عقد الزواج. اكتفت عائلة «تودة»، التي تتحدر من جماعة أيت عباس ب«الفاتحة» أو «تمضليت»، لتزوج الطفلة من شاب يعمل بمدينة الرباط حارسا ليليا بإحدى الشركات. تحدثت «تودة» بلهجة بسيطة، لكن قوية، في محاولة منها لإقناع هيئة المحكمة بتمكينها من عقد «إثبات الزوجية ليتمكن أبنائي من الحصول على وثائق هوية والتسجيل في المدرسة»، تقول تودة. قافلة إثبات عقود الزوجية، التي زارت عددا من الدواوير والمداشر بمنطقة أزيلال بالجماعات القروية: أيت امحمد، تامدة نومرصيد، وامكير، بجماعة أيت عباس، هدفها، كما يؤكد القائمون عليها، محاربة زواج «الفاتحة» المنتشر بكثرة في الإقليم الجبلي، لتسفر الحملات عن توثيق 1682 حالة ثبوت الزوجية، أغلبها للقاصرات اللواتي لا تتجاوز أعمارهن 14 سنة، كانت محطة أيت امحمد الأخيرة، وقد سبقتها محطات أخرى بجماعات تحاصرها الثلوج طيلة أشهر، كجماعة زاوية أحنصال وجماعة واولى وتيدلي بإقليم أزيلال، الذي يعتبر من الأقاليم التي تعرف أكبر نسبة من زواج القاصرات، وهو ما يعرف بزواج «تمضليت» لدى السكان الجبليين. وقد أوضح وكيل الملك بمحكمة أزيلال، التي رفعت شعار «لا لزواج القاصرات»، أن «طلبات توثيق العلاقة الزوجية التي توصلت بها المحكمة كانت مقبولة مائة في المائة»، مضيفا أن «زواج القاصرات كان له أثر سلبي، خاصة لعدم تمكن الأبناء من التسجيل في الحالة المدنية، وهو ما ينعكس على وضعياتهم الإدارية والاجتماعية». من جهته، أوضح إدريس بقاس، رئيس كتابة الضبط بالمحكمة الابتدائية بأزيلال، أن خطة عمل لتطويق وتوثيق حالة الزواج غير الموثق بالإقليم، التي أعدتها المحكمة الابتدائية بأزيلال، تقوم على ثلاثة مستويات: أولها عقد شراكة مع فعاليات المجتمع المدني والسلطات المحلية والجماعات المحلية والقيام بجرد وإحصاء الحالات على صعيد كل جماعة، وثانيها إعداد الملفات، وثالث المستويات يتعلق بتقريب القضاء من المواطنين من أجل تخفيف العبء والعناء عنهم، من خلال تسوية جميع الحالات التي لم تسو بالإقليم في أفق فبراير 2014. من جانبه، أشاد محمد خربيش، رئيس جمعية أيت حيزم للتنمية والتضامن بجماعة أيت عباس بمجهودات القافلة، التي «كانت سببا رئيسيا في الوقوف ضد زواج القاصرات، ولعبت دورا فعالا في تمديد المادة 16 من مدونة الأسرة، من خلال زيارة عدة مناطق نائية بالمغرب وبالوصول إلى سكان دواوير بعيدة ونائية بأزيلال». قافلة توثيق العلاقة الزوجية بالمناطق النائية وشبه المعزولة سجلت إقبالا كثيفا أعقبه تسجيل العديد من الأطفال في سجلات الحالة المدنية، ليجدوا فرصتهم في الدراسة، بعد تفعيل دور القاضي المقيم والإعفاء من الرسوم القضائية وتفعيل الشباك المتحرك، ومحاكم متحركة لسكان طالما عانوا من العزلة والتهميش، ليفقد بعضهم حقوقه في المواطنة بسبب عادات وتقاليد منعتهم من الحصول على وثائقهم الشخصية بشكل عادي.