مواطنون بدون هوية، لا يتوفرون على وثائق تثبت انتماءهم إلى هذا الوطن، لا يملكون بطائق تعريف وطنية ودفاتر الحالة المدنية، وإذا رغبوا في إتمام نصف دينهم نهجوا سبيل أجدادهم القدامى «الفاتحة والشهود»، لم يسمعوا عن الحملات التحسيسية لتوثيق عقود الزواج، وإن سمعوا بها فإن تعقيد إجراءات الحصول على هذه الوثائق يدفعهم إلى الاستغناء عنها. وفي ذلك يلقون باللوم على الذين يشرعون القوانين في الرباط دون أن يفكروا في ظروف مجموعة من المواطنين تحاصرهم الثلوج لشهور. أقام (ب ح)، شاب في العشرين من عمره، حفل زفاف بعد قراءة الفاتحة وحضور شهود على زواجه بفتاة من دواره بإحدى قرى آيت عباس بإقليم أزيلال، دون أن يوثق هذه العلاقة بما يضمن الحقوق للطرفين. زواج الفاتحة لم يسمع لحسن بوصف نزهة الصقلي لزواج الفاتحة ب«السلوك الهمجي» لأنه لا يعرف لا القراءة ولا الكتابة، وردا على قول الصقلي قال هذا الشاب «لو كتب للوزيرة التي لا أعرفها أن تعيش بمنطقة نائية فإنها ستستحيي أن تدلي بمثل هذا التصريح لأنها ستدرك جيدا العوائق التي تدفع الشباب هنا إلى الاقتران دون إبرام عقود الزواج، فوعورة المسالك وسقوط الثلوج يجعلان كل الساكنة معزولة عن العالم الخارجي». ليس المناخ أو وعورة المسالك وحدهما اللذان يعيقان توثيق عقود الزواج، بل الفقر المدقع أيضا وعدم القدرة على تحمل مصاريف السفر إلى المحكمة الابتدائية بأزيلال يحول دون ذلك، يقول مصطفى.ر، من سكان آيت عباس «ليست لدينا إمكانيات مالية لتحمل مصاريف السفر للحصول على الإذن من القاضي بالزواج، في السابق كان العدول هم من ينتقلون إلى الدوار قصد توثيق عقد النكاح، ويستغل السكان قدوم العدلين ليعقد الخاطبان عقود النكاح في انتظار إقامة حفل الزفاف، لكن مع تغير القوانين أصبح الأمر صعبا». خوف من العنوسة لم تنته معاناة سكان آيت عبدي تنكارف بانتهاء اعتصامهم من أمام مقر ولاية جهة تادلة أزيلال، وعودتهم إلى ديارهم، فتعقيد مساطر الحصول على الوثائق الإدارية لن يحله سوى قوانين تراعي ظروفهم الخاصة. علي أوتابوت (49 سنة) أب لطفلتين بدون حالة مدنية ولا بطاقة تعريف وطنية، وسبب ذلك أن موظفي جماعة بوتفردة يؤكدون ضرورة توفره على عقد زواج أم زوجته كشرط لحصوله على الحالة المدنية، وهذه الوثيقة لا يتوفر عليها. يقول أوتابوث «كلما زرت جماعة بوتفردة أتقدم بطلب الحصول على الحالة المدنية، غير أن ضرورة توفر والدة زوجتي على عقد زواج جعلني أتوقف عن المطالبة بإحداث هذه الوثيقة». تقاطعه أم زوجته فاطمة مرداغي لتؤكد أنها تتوفر على بطاقة تعريف وطنية ولكن لا عقد زواج لها وزوجها متوفى، وإذا أرادت أن تحل مشكلة ابنتها فإن ذلك يتطلب رفع دعوى قضائية بالمحكمة وهي عاجزة عن القيام بهذه الخطوة. لا تتوفر عائشة الزيتوني (أرملة) على الحالة المدنية، المتحدرة من تنكارف، بسبب فقرها وعدم قدرتها على توفير مصاريف تمكنها من السفر إلى جماعة بوتفردة، غير أن ما يشغل بال هذه المرأة هو مصير بناتها الثلاث، تقول الزيتوني «أريد تزويج بناتي ومن شروط العقد أن أتوفر على الحالة المدنية، وإذا لم أحصل عليها فسأضطر إلى تزويجهن دون عقد، وإلا سيصبحن عانسات». وبدروه تقدم محمد المالكي، 36 سنة، متزوج وأب لطفلتين، بطلب لإعادة عقد الزواج على زوجته المطلقة منذ شهر يوليوز الماضي إلى قاضي أغبالة، ومع تأجيل مواعيد الحصول على الإذن، دفعه لأن يعيد زوجته بحضور الشهود ولم يزر بعدها أغبالة لكن ما يؤرق المالكي هو عدم توفره على الحالة المدنية لانعدام عقد الزواج. مماطلة ووعود رغم حرص العديد من سكان تنكارف للحصول على دفتر الحالة المدنية، فإنهم يواجهون تأخير المواعيد ما يدفعهم إلى توقيف الإجراءات. ميمون بنحدو، من مواليد 1964، له خمسة أبناء، دفع رسوم الحالة المدنية، وفي كل مرة يقدم له موعد من أجل الحصول عليها،لكن دون نتيجة، يقول بنحدو «تعبت من كثرة الذهاب والإياب، ومن مماطلة الموظفين منذ عشر سنين». حالات تشبه حالة بنحدو، مثل زايد باعربي (أب لخمسة أطفال) لم يتسلم الحالة المدنية رغم قيامه بجميع الإجراءات، وكذلك إبراهيم بلخير، هذا الرجل قال إنه قدم الملف كاملا وأدى كل الرسوم ثلاث مرات من أجل الحصول على الحالة المدنية، لكن دون نتيجة، يقول بلخير رغم إلحاحي على الموظفين بجماعة بوتفردة على حقي في الحصول على هذه الوثيقة فإنهم لم يهتموا لأمري، بل يقوم بعضهم بسبي وشتمي ويصفني ب«الحلوف والأحمق». ابتل دفتر الحالة المدنية لموحى كريمي (80 سنة) السنة الماضية في فصل الشتاء، وتقدم بطلب للحصول عليها إلى قيادة تيزي نسلي، حسب قوله وسدد واجب الرسوم، ولم يتسلمها. يقول كريمي يكفي أننا نعاني من حصار الثلوج وغلاء المعيشة، وإذا ما أتيحت لنا الفرصة للحصول على وثائق إدارية كسائر المواطنين نجد صعوبات كبيرة، ونعامل كمواطنين من الدرجة الثانية، ما يجعلنا نشعر ب«الحكرة». سنة الأجداد بدوار تلغمت التابع لجماعة واولى، يوجد ما يقارب ثلاثين شابا لم يوثق زواجه ولا يتوفر على الحالة المدنية، وسبب ذلك، كما يؤكد جلهم، هو ضرورة توفر آبائهم على الحالة المدنية كشرط لتوثيق الزواج، إضافة إلى عجزهم عن أداء رسوم الوثائق. لحسن الراضي (22 سنة)، متزوج منذ سنتين، اختار سبيل الفاتحة والشهود لتوثيق زواجه ولم يلجأ كسائر المغاربة إلى القاضي من أجل الحصول على إذن بالزواج، يقول الراضي «لست الوحيد الذي يتزوج بهذه الطريقة، فكثير من شباب المنطقة يتزوج وفق الأعراف والتقاليد الجاري بها العمل، مثل آبائنا وأجدادنا». أما محمد البخاري، (27 سنة) فوالده لا يتوفر على الحالة المدنية ولا يرغب في الحصول عليها، يقول البخاري «عندما رغبت في الزواج طلب مني الإدلاء بدفتر الحالة المدنية لوالدي، ما دفعني لأن أتزوج بالفاتحة، ولدي الآن طفلان». يلقي لحسن برقال باللوم، على إدارة جماعة واولى التي حرمته من تسجيل ابنته فوزية بكناش الحالة المدنية بدعوى عدم احترامه الآجال القانونية، يقول بانفعال شديد «دفعت رسوم الحالة المدنية مرتين دون الحصول عليها، ولم يرغبوا في تسجيل ابنتي في دفتر الحالة المدنية، بدعوى أنني لم أصرح بها أثناء ولادتها، هل الذين يشرعون القوانين لا يراعون مواطنين يتطلب وصولهم إلى مقر الجماعة حوالي خمس ساعات مشيا على الأقدام؟ وقد تحاصرنا الثلوج لأكثر من شهر، إضافة إلى عدم توفرنا لا على ماء ولا كهرباء ولا طريق». قوانين جهوية يتشبث محمد تملا، رئيس مصلحة الحالة المدنية بجماعة واولى التابعة لإقليم أزيلال، بتطبيق القانون الأساسي للحالة المدنية، دون أن يأخذ بعين الاعتبار ظروف حصار الثلوج للساكنة، يقول تملا «إن العديد من المواطنين لا يصرحون في الآجال القانونية للولادات والوفيات حسب القانون الأساسي للحالة المدنية،فمن لم يصرح بالولادة خلال شهر يستوجب عليه رفع دعوى قضائية أمام المحكمة الابتدائية بأزيلال للبت في الملف». وحول أسباب عدم التصريح في الآجال القانونية، يرى تملا أن بعض السكان عاجزون عن التصريح بسبب فقرهم وينتظرون فرصة التنقل إلى الجماعة من أجل التصريح غير أنهم يفاجؤون بالقانون. وحسب آخر إحصاء لجماعة واولى، منجز يوم 25 من شهر فبراير الماضي، فإن 423 حالة تهم عدم التصريح بالولادات أحيلت على المحكمة الابتدائية، فاستجابت المحكمة ل113 حالة. أما الذين لا يتوفرون على بطائق التعريف الوطنية فيقارب عددهم 1200 شخص، في وقت لم يوثق 165 فردا عقود زواجهم. هذه النتائج كانت بعد حملة تحسيسية قامت بها فرق متنقلة من أجل حث الساكنة على توثيق عقود الزواج، اعتبرها رئيس قسم الحالة المدنية ناجحة مثل هذه الحملات يرى محمد الأزهر، رئيس جماعة آيت عباس، ضعيفة جدا ولا تؤتي نتائجها بسبب عدم وعي الساكنة بأهمية الوثائق وبسبب عجزهم عن تأدية الرسوم.واقترح الأزهر إعفاء سكان المناطق النائية من جميع رسوم الشواهد الإدارية خاصة المتعلقة بعقود الزواج وبطاقة التعريف الوطنية والحالة المدنية، إضافة إلى مراعاة القانون لطبيعة المناطق التي تطبق فيها، وقال الأزهر ينبغي أن ينتبه الذين يشرعون القوانين جيدا إلى خصوصية المناطق التي لا بد أن تتوفر على قوانين جهوية خاصة بها، لأنه ليس من العدل المساواة بين مواطني الرباط ومواطني المناطق النائية، فمثلا جماعة آيت عباس، يقول الأزهر، كان ربع سكانها يفتقدون لوثائق الهوية، وربما انخفضت هذه النسبة إلى أقل من ذلك خلال السنين الأخيرة.