الاثنين 1 يناير 2015: نحن الآن في سنة 2015. قطار «التّي جي في» سيتحرك بعد قليل من محطة طنجة نحو العاصمة الرباط، استعدوا للإقلاع. عفوا، هناك مشكلة، قبل أن يقلع القطار فائق السرعة تم العثور على أطفال شوارع كانوا مختبئين في مرحاضه، واحد منهم كان يبيع البيض المسلوق. تم إنزال الأطفال من طرف شرطة القطار، لذلك سيتأخر الانطلاق عن موعده بحوالي 5 دقائق. انطلق القطار أخيرا في التاسعة وخمس دقائق صباحا، وبعد ساعة و20 دقيقة سيصل إلى الرباط. يا له من زمن جميل. قرب أصيلة، شاهد الركاب أطفالا يمشون تحت الشمس وهم يحملون محافظ ثقيلة على أظهرهم.. المدرسة بعيدة، ويضطرون إلى المشي حوالي ساعة ونصف، أي أن القطار سيصل قبلهم بحوالي 10 دقائق. في القطار رجل يتألم وجعا.. إنه مريض بالسرطان، وهو ذاهب إلى الرباط لكي يحصل على سرير في مستشفى. كان يتحدث بصعوبة مع ركاب آخرين ويقول لهم إنه سعيد جدا بهذا القطار فائق السرعة الذي جعله يستغني عن سيارة الإسعاف. في «التي جي في» كان ركاب آخرون لهم قضايا مستعجلة في المحكمة الإدارية بالرباط.. قالوا إنهم ركبوا «التي جي في» لكي يصلوا بسرعة، وحمدوا الله الذي أمد في أعمارهم إلى هذا الوقت الذي جعلهم يركبون من طنجة في التاسعة ويصلون إلى العاصمة في العاشرة وعشرين دقيقة. في مقصورة أخرى كان شباب سعداء لكونهم سيتوجهون إلى سفارات بلدان أجنبية للحصول على تأشيرات. قيل لهم إن أبواب السفارات تقفل في منتصف النهار، لهذا يبدون مبتهجين لأن «التي جي في» سيضعهم في قلب الرباط قبل ذلك بكثير. في القطار كان هناك مهاجرون مغاربة جاؤوا لتوهم من أوربا، وأغلبهم لم يركب «التي جي في» طوال حياته، لذلك تبدو سعادته غامرة وهو يركبه في «وطنه العزيز». أحد الركاب نهض إلى المرحاض ليجرب إحساسا متفردا في قطار يسير بسرعة 200 كيلومتر في الساعة.. قال إنه بحث «بالريق الناشف» عن مرحاض في ميناء طنجة المتوسط فلم يجده، لكنه نسي معاناته حين قيل له إنه من الأفضل أن يفعل ذلك في مرحاض «التي جي في». الساعة تشير الآن إلى العاشرة و25 دقيقة. وصل القطار في الموعد، ونزل الركاب كما لو أنهم كانوا في رحلة داخل صحن طائر، وكل واحد منهم توجه لقضاء غرضه بمعنويات مذهلة. الثلاثاء 2 يناير 2015: الساعة حوالي التاسعة صباحا. القطار سيخرج بعد قليل من محطة الرباط نحو طنجة. تأخر القطار لحوالي نصف ساعة لأن راكبا نزع حذاءه وتمدد فوق ثلاثة مقاعد وتسببت رائحة جواربه في وقوع حالة إغماء لسائحة بريطانية. القطار يمر قرب القنيطرة، ويظهر عن بعد أطفال يحملون محافظ ثقيلة على أظهرهم ويتوجهون إلى مدرسة بعيدة بحوالي ساعتين مشيا. قطار «التي جي في» خرج من الرباط بعدهم وسيصل إلى طنجة قبلهم. كثير من الركاب في رحلة العودة إلى طنجة هم أنفسهم الذين جاؤوا أمس من طنجة إلى الرباط على متن قطار «التي جي في»، من بينهم ذلك المريض بالسرطان الذي كان يتألم وجعا. قال إنه توجه إلى المستشفى وضربوا له موعدا بعد ثلاثة أشهر. إنه يريد العودة إلى منزله حتى يموت بين أهله، أو ينتظر بناء مستشفى للسرطان في منطقته. تمنى هذا الرجل العليل لو تم بناء مستشفى كبير للسرطان في منطقته عوض «التي جي في». في القطار كان أولئك الركاب الذين كانوا في طريقهم إلى المحكمة الابتدائية.. قضاياهم المستعجلة تأجلت بسبب إضرابات المحاكم، وثانيا لأن القضاء المغربي لا علاقة له بسرعة «التي جي في». في مقصورة مجاورة، كان شباب تعلو وجوههم علامات الغم. جاؤوا أمس إلى العاصمة في «التي جي في» لإنجاز أغراضهم في السفارات، لكن الطوابير كانت طويلة واضطروا إلى المبيت أمام أبواب تلك السفارات، وفي الصباح طلبوا منهم وثائق إضافية، وهو سيعودون إلى منازلهم على متن «التي جي في» لحملها والعودة مجددا إلى الرباط على متن نفس «التي جي في».. القطار فائق السرعة مفيد جدا في مثل هذه الحالات. وصل القطار إلى طنجة. سيارات الأجرة قليلة والمواصلات خانقة. أغلب الركاب وصلوا إلى منازلهم مشيا بعد ساعة، والذين ركبوا سيارات وصلوا أيضا بعد ساعة. عموما، «التي جي في» مفيد جدا. تصوروا كيف ستكون حياتنا من دونه.