لم يكن تغيير اسم «الجماعة السلفية للدعوة والقتال» إلى تنظيم القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي المناسبة الأولى التي سعى فيها الجزائريون إلى تأسيس شبكات استقطاب ودعم بالمغرب. فإذا كانت الملفات المحالة على القضاء في الشهور الأخيرة تكشف أن هناك مغاربة مرتبطين بتنظيم أبو مصعب عبد الودود، سواء لاستقطاب مقاتلين يتم إرسالهم إلى العراق أو تدريبهم بجبال الجزائر من أجل العودة إلى المملكة وزعزعة استقرارها، فإن نفس المحاكم قد كشفت في أواسط التسعينات عن وجود نشاط للجماعات المسلحة الجزائرية بالمغرب وتأسيسها لخلايا دعم تتكون من مغاربة، لكن في سياقات مختلفة. فقد كان الهدف الأساسي للشبكة التي أسسها الجزائري جمال لونيسي بعد اندلاع الحرب الأهلية بجارتنا الشرقية هو خلق «ولاية المغرب» التي تشرف على الخط الأخير في نقل المعدات والمساعدات إلى عناصر الجماعات الإسلامية المسلحة في الجبال الجزائرية. وبحكم الحدود الواسعة التي تصعب على مصالح الأمن في البلدين مراقبتها، فقد جرى التركيز أكثر على المنطقة المحيطة بوجدة لممارسة نشاطها. وقد تمكن المشرف على الشبكة من أن يجند إلى جانبه عددا من قدماء المغاربة الأفغان الذين شاركوا في الحرب الأفغانية ضد الاتحاد السوفياتي، خاصة من أعضاء حركة الشبيبة الإسلامية المغربية مثل عبد الإله زياد الملقب برشيد (تمت إدانته من طرف القضاء الفرنسي ويقيم حاليا بباريس) ومحمد زين الدين الملقب بسعيد الذي اختفى أثره بعد صيف 1994. وقد كانت مهمة هؤلاء المغاربة خلال الفترة الممتدة من سنتي 1993 و1994، هي تجنيد الإسلاميين الفرنسيين من أصول جزائرية أو مغربية والذين كانوا يعانون من التهميش في الحياة اليومية، من أجل نقل الأسلحة من أوربا إلى المغرب قبل أن تتكلف عناصر مغربية بإيصالها إلى الحدود الجزائرية. وقد تم تفكيك هذه الشبكة من طرف السلطات المغربية بعد قيامها سنة 1994 بالهجوم على فندق «أطلس أسني» بمراكش، وهي العملية التي أدت إلى مقتل سائحين أجانب. وخلال الأشهر الموالية باشرت أجهزة الأمن الأوربية عمليات شملت تفكيك شبكة جمال لونيسي بكل من إيطاليا وبلجيكا وفرنسا. لكن ارتباط النشطاء الجزائريين بنظرائهم المغاربة على مستوى الدعم اللوجستيكي لعناصر الجماعات الإسلامية المسلحة وتزويدهم بالأسلحة لم يتوقف، حيث ألقت عناصر الدرك الملكي في أكتوبر 1995 بمدينة وجدة القبض على شبكة تتكون من 16 شخصا من بينهم 12 مغربيا و4 جزائريين كانوا يتولون نقل الأسلحة، بينها مدافع رشاشة، نحو الجزائر تم إرسالها من أوربا عبر إسبانيا. وإذا كانت الضربات الأمنية التي تلقتها هذه الشبكات قد فكت الارتباط بين الجزائريين والمغاربة على هذا المستوى في نهاية التسعينات، فإن إشراف الليبيين على تجنيد المغاربة في أفغانستان سرعان ما سيتراجع لفائدة الجزائريين من جديد بعد الاجتياح الأمريكي لأفغانستان عقب هجمات 11 شتنبر. فبعد أن سيطرت الجماعة السلفية للدعوة والقتال على الساحة الجزائرية، وجدت نفسها، من خلال عناصرها التي كانت مقيمة بأفغانستان، في واجهة القيام باستقطاب مقاتلين للعراق، وهو أول ملف جعل المغاربة ينخرطون مجددا في الشبكات الجزائرية، قبل أن تتحول أهداف الاستقطاب من دعم الجبهة العراقية إلى تأسيس تنظيم إقليمي للقاعدة بمنطقة المغرب العربي ودول الساحل. ويرى محمد ضريف – المتخصص في الجماعات الإسلامية وقضايا الإرهاب - أن التحولات التي طالت التنظيمات السلفية الجهادية المغاربية خاصة «الجماعة السلفية للدعوة والقتال» قد تزامنت مع الاستراتيجيا الجديدة التي بلورها تنظيم القاعدة نهاية سنة 2003 بعد احتلال العراق من قبل الولاياتالمتحدةالأمريكية, وقد جسد هذا الاحتلال « ولادة جديدة» لتنظيم أسامة بن لادن و أيمن الظواهري, وأصبحت الاستراتيجيا الجديدة تتأسس على كون إقامة الدولة الإسلامية في العالم العربي تمر ضرورة عبر إقامة دولة إسلامية في العراق, و عليه فإن كسب الحرب في بلاد الرافدين أضحى رهانا مركزيا, و لكسب هذا الرهان سعت «القاعدة» إلى البحث عن «مقاتلين» , وغدت منطقة المغرب العربي في منظور الاستراتيجيا الجديدة خزانا بشريا لتغذية الحرب في العراق. إن التفاعل بين التحولات التي عاشتها الجماعة السلفية للدعوة والقتال و رغبتها في إعادة بناء هياكلها بعد الضربات الموجعة التي تلقتها و التحولات التي طالت استراتيجية تنظيم القاعدة بعد احتلال العراق ورغبته في بناء تنظيم « مغاربي» يساعد على عملية استقطاب المقاتلين هو الذي ساهم إلى حد كبير في تأسيس «قاعدة الجهاد في بلاد المغرب الإسلامي». لا تنفصل أولويات تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي المسطرة في المرحلة الراهنة عن سياقات تأسيسه بحيث يمكن الحديث عن ثلاث أولويات, تتعلق الأولوية الأولى بالسعي إلى إثبات الوجود, وترتبط الأولوية الثانية بالرغبة في إضفاء المشروعية على البعد «الإقليمي» الذي أصبح يرمز إليه الاسم الجديد للتنظيم. فأبو مصعب عبد الودود يرفض أن يعتبر تنظيمه الجديد مجرد استبدال الاسم «الجماعة السلفية للدعوة و القتال» بل يعتبره إطارا تنظيميا جديدا يروم تجميع السلفيين الجهاديين المغاربيين, ولإضفاء المشروعية على البعد الإقليمي, حرص تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي أن يضم إلى مجلس الشورى التابع له أسماء أشخاص مغاربيين غير جزائريين هذا من جهة, و من جهة أخرى عمل على توسيع دائرة نشاطه لتشمل دولا مغاربية أخرى و خاصة موريتانيا, أما الأولوية الثالثة فتتحدد في الانخراط المباشر في ترجمة الاستراتيجية الجديدة لتنظيم القاعدة والمتمثلة في العمل على استقطاب المقاتلين المغاربيين و إرسالهم إلى بلاد الرافدين. وهو ما جعل الشبكات التابعة للقاعدة بالمغرب تعرف توسعا بسبب الدعاية الإعلامية الكبيرة التي تعرفها الجبهة العراقية, لكن خطر استخدامها في اتجاه زعزعة استقرار المملكة هو الذي جعل الأجهزة الأمنية تشن حملات واسعة ضد عناصر هذه الشبكات , التي يتم الإعلان عن تفكيكها بمعدل شبكة كل 3 أو 4 أشهر.