نقاش مفتوح مع الوزير مهدي بنسعيد في ضيافة مؤسسة الفقيه التطواني    التضخم: ارتفاع الرقم الاستدلالي للأثمان عند الاستهلاك بنسبة 0,9 في المائة خلال سنة 2024 (مندوبية)    الصين تطلق خمسة أقمار صناعية جديدة    المدافع البرازيلي فيتور رايش ينتقل لمانشستر سيتي    توقعات طقس اليوم الأربعاء بالمملكة المغربية    الشاي.. كيف تجاوز كونه مشروبًا ليصبح رمزًا ثقافيًا عميقًا يعكس قيم الضيافة، والتواصل، والوحدة في المغرب    الكنبوري يستعرض توازنات مدونة الأسرة بين الشريعة ومتطلبات العصر    "وزارة التعليم" تعلن تسوية بعض الوضعيات الإدارية والمالية للموظفين    مسؤول فرنسي رفيع المستوى .. الجزائر صنيعة فرنسا ووجودها منذ قرون غير صحيح    جريمة بيئية في الجديدة .. مجهولون يقطعون 36 شجرة من الصنوبر الحلبي    سقوط عشرات القتلى والجرحى جراء حريق في فندق بتركيا    "سبيس إكس" تطلق 21 قمرا صناعيا إلى الفضاء    "حماس": منفذ الطعن "مغربي بطل"    ماستر المهن القانونية والقضائية بطنجة ينظم دورة تكوينية لتعزيز منهجية البحث العلمي    الحاجب : تدابير استباقية للتخفيف من آثار موجة البرد (فيديو)    الكاف : المغرب أثبت دائما قدرته على تنظيم بطولات من مستوى عالمي    في ليلة كروية لا تُنسى.. برشلونة ينتزع فوزا دراميا من بنفيكا    ارتفاع عدد ليالي المبيت السياحي بالصويرة    كأس أمم إفريقيا 2025 .. "الكاف" يؤكد قدرة المغرب على تنظيم بطولات من مستوى عالمي    "البام" يدافع عن حصيلة المنصوري ويدعو إلى تفعيل ميثاق الأغلبية    المغرب يواجه وضعية "غير عادية" لانتشار داء الحصبة "بوحمرون"    التحضير لعملية "الحريك" يُطيح ب3 أشخاص في يد أمن الحسيمة    الحكومة: سعر السردين لا ينبغي أن يتجاوز 17 درهما ويجب التصدي لفوضى المضاربات    تركيا.. ارتفاع حصيلة ضحايا حريق منتجع للتزلج إلى 76 قتيلا وعشرات الجرحى    بورصة الدار البيضاء تنهي تداولاتها على وقع الانخفاض    تركيا.. يوم حداد وطني إثر حريق منتجع التزلج الذي أودى بحياة 66 شخصا    مطالب في مجلس المستشارين بتأجيل مناقشة مشروع قانون الإضراب    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الأربعاء    اتخاذ إجراءات صارمة لكشف ملابسات جنحة قطع غير قانوني ل 36 شجرة صنوبر حلبي بإقليم الجديدة    مجلس المنافسة يكشف ربح الشركات في المغرب عن كل لتر تبيعه من الوقود    الدفاع الجديدي ينفصل عن المدرب    توقيع اتفاق لإنجاز ميناء أكادير الجاف    اليوبي يؤكد انتقال داء "بوحمرون" إلى وباء    فضيل يصدر أغنيته الجديدة "فاتي" رفقة سكينة كلامور    افتتاح ملحقة للمعهد الوطني للفنون الجميلة بمدينة أكادير    المجلس الحكومي يتدارس مشروع قانون يتعلق بالتنظيم القضائي للمملكة    أنشيلوتي ينفي خبر مغادرته ريال مدريد في نهاية الموسم    ندوة بالدارالبيضاء حول الإرث العلمي والفكر الإصلاحي للعلامة المؤرخ محمد ابن الموقت المراكشي    المبادلات التجارية بين المغرب والبرازيل تبلغ 2,77 مليار دولار في 2024    الغازوال والبنزين.. انخفاض رقم المعاملات إلى 20,16 مليار درهم في الربع الثالث من 2024    تشيكيا تستقبل رماد الكاتب الشهير الراحل "ميلان كونديرا"    المؤتمر الوطني للنقابة المغربية لمهنيي الفنون الدرامية: "خصوصية المهن الفنية أساس لهيكلة قطاعية عادلة"    في حلقة جديدة من برنامج "مدارات" بالاذاعة الوطنية : نظرات في الإبداع الشعري للأديب الراحل الدكتور عباس الجراري    ترامب يوقع أمرا ينص على انسحاب الولايات المتحدة من منظمة الصحة العالمية    إيلون ماسك يثير جدلا واسعا بتأدية "تحية هتلر" في حفل تنصيب ترامب    المغرب يدعو إلى احترام اتفاق وقف إطلاق النار في غزة    ترامب: "لست واثقا" من إمكانية صمود اتفاق وقف إطلاق النار في غزة    الإفراط في اللحوم الحمراء يزيد احتمال الإصابة بالخرف    وفاة الرايس الحسن بلمودن مايسترو "الرباب" الأمازيغي    ياسين بونو يتوج بجائزة أفضل تصد في الدوري السعودي    علماء يكشفون الصلة بين أمراض اللثة وأعراض الزهايمر    القارة العجوز ديموغرافيا ، هل تنتقل إلى العجز الحضاري مع رئاسة ترامب لأمريكا … ؟    المجلس العلمي المحلي لإقليم الناظور يواصل برامجه التكوينية للحجاج والمعتمرين    دراسة: التمارين الهوائية قد تقلل من خطر الإصابة بالزهايمر    ثمود هوليود: أنطولوجيا النار والتطهير    الأمازيغية :اللغة الأم….«أسكاس امباركي»    ملفات ساخنة لعام 2025    أخذنا على حين ′′غزة′′!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مدير (المركز المغربي للدراسات والأبحاث المعاصرة) يتحدث لالإسلاميون.نت: المراجعات ستضعف قدرة القاعدة على التجنيد بالمغرب وموريتانيا أو حتى داخل الجزائر
نشر في التجديد يوم 29 - 10 - 2009

لم تكد تمض سوى أيام قليلة على صدور مراجعات الجماعة الإسلامية المقاتلة في ليبيا حتى خرج الرجل الثاني في جبهة الإنقاذ الجزائرية علي بن حاج ليوجه سهام نقده للمراجعات، بينما وقف أبو حفص عبد الوهاب رفيقي من داخل سجنه بالمغرب ليرحب بالمراجعات ويثني على ما تطرحه من آراء فقهية معتدلة.
هذا الاهتمام المغاربي بمراجعات الجماعة المقاتلة كان دافعا لأن نجري هذا الحوار مع الباحث المغربي مصطفى الخلفي مدير مركز الدراسات والأبحاث المعاصرة بالمغرب ليتحدث عن صدى المراجعات في الدول المغاربية خاصة على تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي؛ حيث يرى أن الأثر الأهم للمراجعات سيكون في إضعافها قدرة القاعدة على استقطاب الشباب وتجنيدهم والدفع بهم إلى مناطق القتال الساخنة.
ويكشف الخلفي في الحوار عن مباحثات ليبية جزائرية من أجل استعادة الأعضاء الليبيين في تنظيم قاعدة المغرب الإسلامي للاستفادة من حالات العفو عن الجماعة المقاتلة داخل ليبيا، ويتناول الحوار قضايا أخرى تتعلق بتداعيات المراجعات وموقف الأنظمة الحاكمة حيالها.
في رأيكم ما هي القيمة والدلالات الفكرية والحركية لمراجعات الجماعة الإسلامية المقاتلة، خاصة أنها أعدت تحت إشراف قادة الجماعة ولقيت استحسان علماء كبار في الداخل والخارج الليبي؟
تكتسب مراجعات الجماعة المقاتلة ثلاث دلالات خاصة بالمقارنة بمراجعات الجماعة الإسلامية المصرية، أو بالمراجعات الجزئية للدكتور فضل فقيه تنظيم الجهاد المصري:
فهي أولا تأتي بعد حوالي عامين من الإعلان عن انضمامها وارتباطها العضوي بتنظيم القاعدة على المستوى العالمي.
كما أنها تأتي ثانيا في سياق تحولات عميقة في الساحة المغاربية، وهي تحولات انطلقت منذ تغيير اسم الجماعة السلفية للدعوة والقتال إلى تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي ,2007 وما رافقه من توسيع في المجال الجغرافي لاشتغال التنظيم من جهة، ومن إعادة ترتيب أولوياته وأهدافه بحسب ما يقتضيه الارتباط بتنظيم القاعدة؛ مما هيأ شروط توثيق الصلة بين كل من الجماعة المقاتلة والتنظيم المغاربي بعد التوتر الذي حصل أواسط التسعينيات مع الجماعة الإسلامية المسلحة بالجزائر، وأدى إلى اختفاء شباب من المقاتلة التحقوا بالجماعة الجزائرية من السودان، المهم أن ذلك هيأ شروطا حاول خلالها أعضاء من المقاتلة حينها الالتحاق بالساحة الجزائرية للعمل في صفوف التنظيم، وهو ما يعطي لهذه المراجعات أثرا عمليا على ممارسة لا تزال قائمة، يجعلها مغايرة لمراجعات الجماعة الإسلامية في مصر؛ التي أعلنتها بعد مبادرة لوقف العنف عام ,1997 مما ستكون له آثار عملية تسهم في وقف النزيف القائم، والتأسيس لدورة جديدة على المستوى الجهادي المغاربي تدفعه إلى الانكفاء عن التمدد نحو الساحة اللبيبة على وجه التحديد.
ثم ثالثا: نجد أن هذه المراجعات جاءت في سياق حوار مع قيادات إسلامية علمية معتدلة من التيار الإسلامي الوسطي، بما يساعد على تعزيز موقع هذا التيار، وإعادة تأسيس جسور التواصل والحوار، وهو أمر لم يسبق أن حصل في المراجعات السابقة، وأدى إلى الانفتاح على رؤى هذه القيادات العلمية، وبالتالي رفع مستوى الإشعاع العام للمراجعات النقدية.
المراجعات وقاعدة المغرب الإسلامي
تناولت المراجعات قضايا هامة كالجهاد، والخروج على الحاكم، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهي قضايا شائكة في أوساط الجماعات المسلحة.. فهل يمكن أن يمتد تأثير المراجعات إلى تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، وإلى أي مدى؟
من السابق لأوانه الحديث عن تأثير مباشر للمراجعات على تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، فهذا الأخير لا يعيش حالة جزر وتراجع ميداني تدفعه إلى مراجعة استراتيجيته، فضلا عن كونه لا يعرف وجود انتكاسات ميدانية تعمق من التوتر بينه وبين محيطه المجتمعي، مما يحد من قوة الضغط المجتمعي والإعلامي والسياسي عليه، لاسيما وأن مختلف تجارب المراجعة للتنظيمات المسلحة تزامنت مع حالات جزر وتراجع ميداني واستنكار مجتمعي، فرض عليها إعادة التفكير في مقولاتها العملياتية، وكذا أسسها النظرية الفقهية.
يمكن القول هنا إن المراجعات لها عدة مستويات، أولها ميداني ذو طابع سياسي وحركي وينقسم هذا المستوى إلى مراجعات ذات طابع تكتيكي وأخرى ذات طابع استراتيجي تتعلق بالأهداف والتقنيات والأولويات والتحالفات.
وثانيها مراجعات نظرية تتعلق بنظرية التغيير والموقف من الفاعلين والقوى الموجودة في الساحة، سواء التي اختارت النهج المسلح العنفي أو التي اختارت النهج السلمي، مثل موقف الالتحاق بالقاعدة من عدمه؛ فضلا عن القراءة للوضع الدولي ولتحولات السياسات العالمية.
وثالثها مراجعات تتعلق بالمستوى التأصيلي الفقهي والعقدي في بعض الحالات، وتبدأ من الأصول الفقهية التي حكمت الممارسة العملية مثل شرعية العمليات التفجيرية أو استهداف الأجانب أو السماح بقتل المسلمين باعتبارهم ترسا يحول أمام استهداف الأجانب، وغير ذلك من الأحكام التي تخص المعاهدين والمستأمنين، وتنهي من الأصول التي تحكم الموقف من المجتمع والدولة عموما؛ مثل أحكام التكفير والخروج وغيرها والبدائل التي يطرحها التنظيم.
ومراجعات الجماعة المقاتلة شملت المستويات الثلاثة، مما أكسبها الطابع الشمولي، وهذا ما يرفع من قدرتها على التأثير في محيطها الجغرافي المغاربي، لكن درجة التأثير وحجمه ومداه سيكون مختلفا؛ حيث يمكن اعتبار أن التأثير الأول سيشمل القدرة الاستقطابية لقاعدة المغرب الإسلامي؛ حيث سيحد من فعاليتها في الحشد وتجنيد الشباب، خاصة في كل من موريتانيا والمغرب، وهذا سيبقى مرتبطا بمدى القدرة على تسويق مراجعات الجماعة الليبية.
أما التأثير الثاني والذي هو تأثير محدود فيخص تخلي أعضاء المقاتلة الموجودين في صفوف القاعدة بالجزائر عن النهج المسلح وعودتهم إلى ليبيا، وهو ما بدأنا نرى بعض إرهاصاته في الحديث الإعلامي عن كون المخابرات الليبية تجري محادثات بمساعدة نظيرتها الجزائرية مع شخصيات متاح لها الاتصال بقواعد تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي من أجل عودة الليبيين الموجودين هناك للاستفادة من العفو الذي منح لأعضاء جماعتهم، وهو ما يعني أن المراجعات ستؤثر أيضا على قدرة القاعدة على الامتداد إلى دول مغاربية أخرى؛ حيث سيتعمق عجزها عن الامتداد نحو المغرب، أو إلى الداخل التونسي، أما عملياتها في موريتانيا فستبقى ضعيفة، بما يبقي فعالية التنظيم رهينة بالمجال الصحراوي خاصة والجزائر عامة.
لكن خارج هذين الأمرين فإن التأثير المتوقع على الساحة الجزائرية يبقى محدودا، لاسيما بعد خروج الرجل الثاني في الجبهة الإسلامية للإنقاذ علي بن حاج لينتقد مراجعات الجماعة المقاتلة، مما سيعيق توفر شروط تشكل دينامية حركية داخل قاعدة المغرب الإسلامي بالجزائر لإطلاق صيرورة التفكير في المراجعات.
كما يشكل فشل سياسات الإدماج الاجتماعي للذين تم العفو عنهم بعد المصالحة وقانون الوئام المدني بدءا من سنة 1999 بالجزائر، عاملا ثانيا وراء إعاقة تبلور دينامية خاصة بالمراجعات، في المقابل هناك مناخ اجتماعي مشجع في ليبيا.
مصير المقاتلة في الساحة الجزائرية
متى بدأ انتقال أعضاء من الجماعة المقاتلة إلى العمل في الساحة الجزائرية؟
لقد سبق لأحد القيادات السابقة في الجماعة الليبية أن تحدثت عن التحاق بعض الأفراد في النصف الثاني من التسعينيات بالجماعة الإسلامية المسلحة، وذلك بعد التطورات التي عرفها السودان واشتداد الضغط الدولي والإقليمي بخصوص موضوع احتضانه للجماعات المسلحة، وكانت نهاية الانتقال نهاية مؤسفة؛ حيث اختفى البعض وانكشف أن الخلافات العقائدية والسياسية أدت إلى عمليات تطهير مؤلمة، دفعت الجماعة المقاتلة إلى إعادة النظر جذريا في موقفها الإيجابي من الجماعة المسلحة الجزائرية. ثم يبدو أن عمليات التحاق فردية حصلت وبشكل محدود لأعضاء من الجماعة المقاتلة للساحة الجزائرية بعد التقارب الذي سجل بين تنظيم القاعدة والجماعة السلفية للدعوة والقتال، خاصة في المواقف الذي بدأت تصدر تأييدا لما يقع في العراق، ثم تطور ذلك بالإعلان عن تأسيس تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، وبعده الإعلان عن التحاق الجماعة المقاتلة بالقاعدة، مما وفر أرضية سياسية وعقائدية وعملياتية تشجع على الانتقال في ظل وجود الصحراء الكبرى التي تتيح التنقل والحركة.
إمارة الصحراء الأكثر نشاطا في الساحة الجزائرية
المعروف أنه كانت هناك خلافات قوية بين الجماعة الإسلامية المقاتلة وتنظيمات الجزائر بشكل عام، فكيف تطورت هذه الخلافات إلى التعاون والعمل سويا تحت راية واحدة؟
صحيح أنه كانت هناك خلافات، وأضيف أن أحد قيادات الجماعة المقاتلة تحدث عن وجود تصفيات جسدية كما قلت بعد التحاق أعضاء من جماعته بالجماعة الإسلامية المسلحة بالجزائر، لكن تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي يختلف عن الجماعة المسلحة، ففي نهاية التسعينيات حدث انشقاق في صفوف الجماعة المسلحة أدى إلى نشوء الجماعة السلفية للدعوة والقتال، والتي أصدرت فتاوى وبيانات شديدة اللهجة في مواجهة الجماعة الإسلامية المسلحة الجيا.
وأثناء قيادة أبو مصعب الزرقاوي لتنظيم القاعدة في بلاد الرافدين شهد خطاب الجماعة السلفية للدعوة والقتال تقاربا مع خطاب القاعدة، إلى أن تطور الأمر إلى الإعلان عن القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي ليصبح هو التنظيم الجهوي للقاعدة على المستوى المغاربي، وأدى هذا إلى توسيع مجال اشتغال التنظيم ليشمل باقي الدول المغاربية.
حدث هذا التطور في إطار تحول استراتيجي على مستوى المنطقة بإعلان الولايات المتحدة الأمريكية عن مبادرة الساحل وشمال إفريقيا لمكافحة الإرهاب وتخصيص 350 مليون دولار كميزانية للحيلولة دون تشكل ملاذ آمن للقاعدة في الصحراء، والإعلان عن تشكيل قيادة عسكرية الأفريكوم لتنسيق مختلف عمليات التدخل الأمريكي في القارة.
في ظل هذا المناخ الدولي والتحول الداخلي، وبالإعلان عن تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، تشكل المناخ الجديد لإمكانية التحاق أعضاء من الجماعة المقاتلة بالقاعدة، وهو التحاق من الناحية الأدبية محدود ورمزي لكنه بالنسبة إليهم ضروري ليعكس البعد المغاربي للتنظيم.
تحدثت عن الحوار بين أعضاء الجماعة المقاتلة بالجزائر والمخابرات الليبية... فهل من جديد بهذا الشأن؟
في شهر غشت 2009 أكدت تقارير أن ليبيا تسعى إلى إمكانية شمول العفو الليبي للأعضاء الموجودين في الجزائر، وهي خطوة استباقية لأن بقاءهم في الجزائر قد يحد من أثر المراجعات، وبموازاة ذلك أعلن بالجزائر عن محاولات ومفاوضات أولية مع قيادات إمارة الصحراء في تنظيم القاعدة من أجل إمكانية الحوار والمصالحة والتخلي عن السلاح، ومن الضرورة أن نشير إلى أن إمارة الصحراء بالقاعدة هي إمارة فعالة ونشطة جدا، وتقوم بتنفيذ عمليات مؤثرة.
مخاطر القراءة السياسية للمراجعات
هل ترى أن تدخل الدولة الليبية وإشرافها على ملف المراجعات يقلل من قيمتها؟ خاصة أن هناك من يقول إن هذه المراجعات هي الثمن لقبول الدولة للتصالح مع الجماعة؟.
أولا قادة الجماعة أصدروا هذه المراجعات وانخرطوا فيها قبل إعلان العفو وليس بعده، وهذا يضعف من أن تكون نتاج إملاءات وضغوط أو استجابة لعفو.
وثانيا ينبغي النظر إلى دلالة هذه المراجعات، وليس فقط إلى ما يترتب عنها من مواقفها، وأخشى من أن تؤدي هيمنة القراءة السياسية التآمرية إلى اختزال المراجعات في مجرد تخل عن السلاح، فقادة المقاتلة تواصلوا مع قيادات علمية ومرجعية في العالم الإسلامي؛ مما يعزز من قيمتها العلمية والنظرية والتأصيلية وقوتها الاستدلالية، وبالتالي يجعلها تتجاوز المجال الليبي.
لقد كانت المراجعات الليبية من الناحية الاستدلالية قوية؛ لأنها انطلقت في ظل وجود تراكم من المراجعات في مصر وشبه المراجعة في الأردن، كما استوعب قادة الجماعة الانتقادات وردود الفعل التي صدرت حول المراجعات التي سبقتهم، وهذا أتاح لهم خوض التجربة وهم محكومون بضرورة تعميق مراجعاتهم كي لا تكون استنساخا أو مجرد إعادة صياغة لمراجعات سابقة.
الأمر الأخير هو أن استجابة الجماعة المقاتلة لما طرحته الدولة ينبغي النظر إليه بشكل إيجابي، فالأمة مطالبة حاليا بأن توقف حالة النزيف والاحتراب، وعمليات الإضعاف الداخلي بين الأنظمة والتيارات الإسلامية، وتفاعلهم مع سعي الدولة الليبية لإغلاق الملف مطلوب وتعبير عن نضج ومسئولية عاليين.
والقول بأن المراجعات الليبية ثمن أو قربان قدمته الجماعة للدولة على طبق من ذهب للإفراج والعفو تجن كبير يغفل الجهد العلمي والتأصيلي العميق للمراجعات. كما يجب أن ينظر إلى التحول في موقف الدولة الليبية تجاه المصالحة بشكل إيجابي، فعندما يتحول موقف الدولة تكون قيادات الجماعة مطالبة بتغيير مواقفها؛ لأن هذا جزء من فقه الواقع واستيعاب تحولاته، ولهذا أقدر النضج الذي اتسمت به قيادات المقاتلة، وقد شهد بهذا رموز علمية غير مطعون في استقلاليتها، وهذا منح المراجعات قوة وقبولا في الداخل الليبي على خلاف المراجعات المصرية التي واجهت نقدا من قبل تنظيم الجهاد ونخب مثقفة مصرية.
الحركة الإسلامية ودينامية المراجعة
هل تصب مراجعات الجماعات الإسلامية المسلحة في صالح تطور الحركات الإسلامية أم إنها تعتبر المسمار الأخير في نعش هذه الجماعات؟ وما هو دور الأنظمة حيال المراجعات؟
يصعب أن نقول إنها مسمار أخير في نعش الجماعات المسلحة، فالمراجعات دينامية تنطلق داخل الجماعة المعنية، لكن في الحالة الليبية يمكن القول إنها أنهت خيار العمل المسلح، وستفتح إمكانية للعمل والإصلاح في إطار مؤسساتي، وهذا مرتبط بالتطور العام للحالة الليبية نحو خيارات الانفتاح والتعددية السياسية... إلخ. ولا شك في أن هذه المراجعات تسهم في تطور الحركات الإسلامية في علاقتها بالواقع، وأضيف هنا أن نشوء تنظيمات مسلحة يكون نتاج عدة عناصر: أولها دولي يرتبط بسياسات دولية، وثانيها محلي يرتبط بتضييق الخناق على العمل الإسلامي المعتدل، وثالثها يرتبط بوجود بنية جهادية مسلحة تشكل مناخا إيجابيا يشجع وينشر مثل هذه القناعات ويبحث لها عن مبررات فقهية متطرفة لتبرير اشتغالها في المجتمعات الإسلامية.
فموجة التنظيمات الجهادية التي ظهرت في التسعينيات ارتبطت بالمناخ الجهادي بعد رحيل المجاهدين العرب إلى كابول وعودتهم محملين بأفكار جهادية، وارتبطت أيضا بالتوتر بين أمريكا والعالم الإسلامي بعد حرب العراق الثانية، إضافة إلى انقلاب بعض الدول على العمل السياسي للحركات الإسلامية المعتدلة كالجزائر وتونس ومصر.
وفي بداية الألفية الثالثة ارتبط ظهور هذه التنظيمات باحتلال العراق وأفغانستان والانقلاب ضد العمل الإسلامي المعتدل ومحاصرته في عدد من الدول، هذا إلى جانب التغير في الإستراتيجية الأمريكية بعد 11 شتنبر.
ولهذا أعتقد أن لجوء الأنظمة إلى خيار المصالحة مع التيارات الإسلامية المسلحة وإتاحة مناخ للعمل السياسي سيمنع الشباب من الالتحاق بالتنظيمات المسلحة والمتطرفة.
أبو حفص والمراجعات الليبية
صرح أبو حفص المغربي منذ أيام بالثناء على مراجعات الجماعة المقاتلة، مؤكدا قبولها من قبل عدد من معتقلي السلفية الجهادية.. فهل نتوقع تأثيرا للمراجعات على الشباب السلفي في السجون، وأيضا على الشباب المتحمس لتيار السلفية الجهادية؟
ما فعله السيد أبو حفص رفيقي كان متوقعا، فقد سبق أن أدان تفجيرات مارس ,2007 والتي حدثت في الدار البيضاء بالمغرب، وتحدث عن أخطاء في العمل الدعوي، وأصدر بيانا ثانيا شديد اللهجة للرد على كل تأويل تآمري لذلك الموقف المناهض للعنف، وهذا التفاعل الإيجابي يفسر القول بأن هذه المراجعات ستضعف قدرة القاعدة في بلاد المغرب على التجنيد بالمغرب وموريتانيا أو حتى داخل الجزائر، على اعتبار أن المراجعات تنتقد مقولات تشكل الأساس المعتمد في تبرير التفجيرات داخل البلدان الإسلامية بشكل خاص وفي العالم بشكل عام.
وبخلاف ذلك يصعب أن نتوقع أثر مباشرا لها في بنية قاعدة المغرب الإسلامي عموما، لكن ينبغي التنبيه إلى أن هذا التنظيم لم يتمكن من إيجاد بنية محلية له داخل المغرب، والذي صدر عن الشيخ أبي حفص يضعف من احتمال نشوء فرع أو امتداد داخل المغرب، وهذا شيء ينبغي تقديره بشكل كبير.
الخلايا التي تم تفكيكها بالمغرب مرتبطة بأهداف خارجية
من الواضح أن المغرب العربي لا يزال يسهم في عمليات التدفق البشري لتنظيم القاعدة.. فما هي عوامل الدفع التي تغري هؤلاء الشباب بالانضمام والتطوع والمشاركة في الجهاد العالمي، وأين تأثير تيار المراجعات؟
حسب الخطاب الأمني الرسمي فإن كافة الخلايا الجديدة التي يتم تفكيكها بالمغرب مرتبطة بأهداف خارجية، واستمرار الاحتلال الأمريكي في العراق وأفغانستان، أو دعم السياسات الصهيونية في فلسطين وحصار غزة؛ حيث يخلق كل ذلك مناخا من التوتر بين أمريكا والعالم الإسلامي، يوظف من قبل شبكات التجنيد في استقطاب الشباب.
لكن الاستقطاب من أجل ماذا؟ هنا يقع الفرق، ففي السابق كان الاستقطاب من أجل تنفيذ عمليات داخل العالم الإسلامي، وقد أضعفت المراجعات القدرة على التبرير والتأصيل الفقهي للتفجيرات، في نفس الوقت تظل فعالية القدرة الاستقطابية قائمة لمصلحة مناطق تعيش في وضع الاحتلال؛ نظرا لاستمرار وجود بنيات تدعي مقاومته، وبدون انتهاء التوتر بين الغرب والعالم الإسلامي سيكون من الوهم أن نقول بأن هذه المراجعات ستكون آخر مسمار في نعش هذه الجماعات.
أيضا هناك مسئولية الأنظمة وضرورة أن تتوازى المراجعات الفقهية مع مراجعات سياسية واستراتيجية تتجاوز الدائرة القطرية إلى دائرة أشمل، ومن ذلك تعميق خيار الإدماج السياسي للحركات الإسلامية المعتدلة، والانفتاح الاجتماعي عليها، وبدون ذلك سنجد أن جزءا من طاقات الشباب المتدين الذي يتألم مما يقع للمسلمين سيكون مهيئا كأرضية خصبة لشبكات التجنيد.
المراجعات في مواجهة القاعدة
هل يمكن القول كما ذهب بعض الباحثين بأن مراجعات الجماعة المقاتلة تشكل ضربة لتنظيم القاعدة، وأنها تؤكد انفراط عقد الجماعات المسلحة على مستوى العالم؟ وهل يمكن أن تشكل المراجعات حالة إقليمية أو عالمية مقابلة للمسار الحالي لتنظيم القاعدة وتفكيك مقولاتها الأيديولوجية؟.
ينبغي علينا إدراك التحول الذي يحدث في تنظيم القاعدة لتقدير حجم أثر المراجعات الليبية، وهو تحول برز في ثلاثة مستويات:
الأول: سياسي يظهر في خطاب التسجيلات الصوتية والمرئية، والتي يقدم التنظيم من خلالها نفسه كقيادة معبرة عن العالم الإسلامي في مواجهة السياسات الغربية.
والثاني: ميداني يتمثل في محاولة بناء تنظيم شبكي له امتداد في مختلف مناطق التوتر الأساسية، ولهذا سمعنا عن تنظيم القاعدة في بلاد المغرب وفي بلاد الرافدين وفي جزيرة العرب، وهي فروع لها استقلالية واسعة تعمل ضمن الاستراتيجية العامة للتنظيم والقائمة على إبقاء خط المواجهة مفتوحا مع أمريكا وحلفائها.
ثم الثالث: دعائي موجه للعالم الإسلامي وللتنظيمات المحلية؛ وذلك للتعبير عن مواقف القاعدة إزاء تجارب العالم الإسلامي، وفي هذا الإطار جاء الرد القوي من قبل الرجل الثاني في القاعدة د.الظواهري على مراجعات الدكتور فضل، وذلك لاحتواء أثرها على ما تعتبره القاعدة فكرا جهاديا متناميا، ولهذا فإن مراجعات الدكتور فضل كانت أقوى أثرا على القاعدة من المراجعات الليبية، وهذا التطور يجعل القاعدة تنظيما هلاميا أكثر منه تنظيما بما تحمله الكلمة من دلالات مباشرة.
في تقديري فإن تأثير المراجعات يكون في المستوى الثاني أي المستوى الميداني الحركي عبر إضعاف إمكانية التحاق تنظيمات جديدة بها أو قدرة التنظيمات المؤسسة حديثا على الاستقطاب والتوسع، ثم تؤثر بدرجة أقل على المستوى الثالث أي الدعائي الاستقطابي العام للفكر الجهادي، كما تقدمه القاعدة وتعبر عنه وتفسر من خلالها آياته في القرآن والسنة، فالمراجعات تحد من الفكر الجهادي على مستوى تطبيقاته وتجلياته العملية في التنظيمات الفرعية، كما تؤثر على القدرة الاستقطابية لها، لكن تأثيرها في المستوى الأول يبقى محدودا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.