في مبادرة جديدة تحمل أكثر من دلالة، انطلقت يوم الاثنين 18 يناير 2010 بالعاصمة الموريتانية نواكشوط أولى جولات الحوار بين السلطات الموريتانية والمعتقلين السلفيين المحسوبين على تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، وهي التجربة الثالثة من نوعها بعد تجربتي مصر وليبيا وسياسة الوئام المدني في الجزائر. ويقود الحوار في موريتانيا نحو 19 عالما، يرأسهم الشيخ محمد ولد الددو، انتدبتهم السلطات الموريتانية، بعد موافقة الرئيس محمد ولد عبد العزيز على ذلك، فيما انتدب السجناء نحو 12 نقيبا عنهم لحضور جلسة الافتتاح التي احتضنها السجن المدني بنواكشوط، وحضر معهم عشرات آخرون من السجناء، حيث تعتقل موريتانيا 67 شخصا أدينوا بارتكاب أعمال إرهابية، وتأمل موريتانيا طي الملف والخروج من أزمة لم تعرفها من قبل . وتأتي التجربة الموريتانية الجديدة مع بداية سنة ,2010 بعدما شهدت 2009 حدثا مماثلا بليبيا، حيث تخلت الجماعة الإسلامية المقاتلة الليبية عن خيار العنف، وتبنت منهج السلم والدعوة بالتي هي أحسن، حيث تم الإفراج عن أزيد من 200 عضو في سنة ,2009 بعد 20 شهرا من الحوار داخل السجون، أسهم في نجاحها سيف الإسلام القذافي، وقادها المفكر الإسلامي الليبي الشيخ علي الصلابي، إلى جانب علماء آخرين، ودونت تجربة المراجعة الليبية تلك في وثيقة هامة تحمل اسم دراسات تصحيحية في فهم الجهاد. وسبقت التجربة الليبية تجربة مصرية، إذ أعلنت الجماعة الإسلامية في مصر، في سنة ،1997 عن مراجعات فكرية تخلت بموجبها عن العنف ضد الدولة، تبعتها كذلك جماعة الجهاد في سنة ،2007 وذلك في مقابل خروج الآلاف من أعضاء مثل هذه الجماعات من السجون. نجاح التجربة في مصر، أغرى أنظمة ومتشددين بتكرارها، خصوصا بعد أحداث الحادي عشر من شتنبر ،2001 ثم حدوث تفجيرات مماثلة في عدد من الدول العربية، منها المغرب في سنة ،2003 وهي الأحداث التي أعطت مشروعية لملاحقة التيار المسمى بالسلفية الجهادية، باعتقال رموزه وأعضائه، وإيداعهم السجن حتى بدون محاكمات أحيانا. وتطرح تجربة الجار الجنوبي للمغرب تحديا جديدا على السلطات التي ظلت تمانع في إجراء حوار مع تيار السلفية في السجون المغربية، استجابة لدعوة سابقة وجهها علماء ومفكرون وهيئات حقوقية ومدنية، تقصد إلى طي ملف حصلت فيه الكثير من التجاوزات القانونية. وأمام رفض السلطات في أكثر من مرة لذلك، انطلقت مراجعات فردية، مثل تلك التي قام الشيخ محمد عبد الوهاب رفيقي (أبو حفص)، ثم تلتها بيانات من داخل السجن تدعو إلى الحوار وتؤيده، وبالرغم من ذلك، لا زالت السلطات المغربية تتردد في إعلان حوار صريح يؤدي إلى مخرج نهائي للمشكلة.