إنه رجل غريب جدا.. وتبدأ معالم الغرابة فيه حين تكتشف أن هذا الشخص القادم من أمريكا يتحدث العربية بطلاقة وفصاحة كبيرتين ودون تلعثم أو أخطاء في النحو، الإمام خالد بلانكشيت أستاذ جامعي أمريكي وإمام مسجد حاصل على شهادة الإجازة في التاريخ، من جامعة واشنطن سنة 1973، وشهادة الماجستير في تدريس اللغة الإنجليزية كلغة أجنبية، من الجامعة الأمريكيةبالقاهرة، سنة 1975 وشهادة الماجستير في التاريخ الإسلامي، جامعة القاهرة سنة 1983 ثم شهادة الدكتوراه في التاريخ، جامعة واشنطن، سنة 1988. - أجرت بعض مراكز الاستطلاعات الأمريكية مؤخرا العديد من البحوث تؤكد أن نسبا مهمة من الشعوب العربية تكره أمريكا. ما هو تعليقك؟ < أعتقد أن هذا الأمر مبالغ فيه، وعلى العكس من ذلك أنا اطلعت على استطلاعات أخرى أقرب إلى الحقيقة تبين عكس هذا الأمر، وأظن أن هذا النوع من الاستطلاعات مبالغ فيه. لا أعلم إن كان هذا الاستطلاع قد ظهر أخيرا، ولكن على المتتبع أن يضع في الحسبان أن هذا النوع من الدراسات يمارس نوعا من الدعاية المغرضة وليست بالموضوعية. - لكن حتى وإن سلمنا بكون هذه الدراسات هي نوع من الدعاية فلا أحد يمكنه أن ينفي تراكم الحنق على أمريكا في العالم العربي؟ < طبعا الأكيد أن العديد من الناس في البلدان العربية لا يوافقون على أفعال السياسة الأمريكية خاصة الحروب، بدعة أمريكا، لأن الشعوب العربية محليا تعرف أن المبررات الأمريكية ليست دائما صحيحة، ولكنهم يفهمون أيضا أن هذه السياسات لا يمارسها الشعب الأمريكي، أي أن الشعوب تفرق بين الناس العاديين والساسة، فمثلا عندما توجهت إلى سوريا سنة 1970 وحذرني بعض الأشخاص في «بيت الشباب» بأثينا من الذهاب إلى هنا وقالوا: «سوف يقتلونك.. إن السوريين يكرهون الأمريكيين»، ورغم ذلك ذهبت إلى سوريا ووجدت الناس مضيافين وكرماء، وفي الحقيقة أول ما جذب انتباهي إلى المسلمين هو حسن الضيافة هذا.. وكانت هذه هي بداية الطريق إلى الإسلام بالنسبة إلي، لكن في سوريا أيضا كان الناس يفاجؤون عندما يعرفون أنني أمريكي ويقولون: «لا يمكن أن تكون أمريكيا لأن الأمريكيين قوم سيئون» وبالتالي فالمفاجأة كانت متبادلة بيني وبين السوريين: «أنا الأمريكي المكروه وهم الشعب المكروه» وهذا غير حقيقي.. أما في ما يخص واقع الحال اليوم في أمريكا فيمكنني أن أقول إن الأمريكيين معزولون عن العالم، وهم جد منعزلين بسبب الموقع الجغرافي أساسا، وهم لا يعرفون أي شيء عن العالم الخارجي إضافة إلى أن أغلب الأمريكيين لا يعرفون لغات أخرى غير اللغة الإنجليزية، لكن الأكيد هو أنه ليس لديهم أي غل في نفوسهم تجاه المسلمين، هذا يحدث فقط بسبب حملات دعائية تدعمها جهة معينة في أمريكا وفي الصحافة الأمريكية بالضبط، ويمكنني أن أقول إن هذه المحاولات لإثارة الكراهية العنصرية ضد العرب والمسلمين في أمريكا قد أخفقت. - هل معنى ما تقوله أن هناك مشكل حوار وسوء فهم بين الطرفين وليس شيئا آخر؟ < بالتأكيد والأمريكيون لسوء الحظ لم يقتنعوا بعد بضرورة فهم الآخر، وأقصد هنا أن كل العالم يعرف الأمريكيين عن طريق التلفزيون والأفلام، رغم أن هذا يعطي صورة مشوهة نوعا ما عن أمريكا، لكن الأمريكيين لا يعرفون أي شيء عن الآخرين.. صحيح أن هناك سياحا أمريكيين يتجولون في البلاد الإسلامية وفي غيرها ويتعلمون لغات الآخرين لكنهم أقلية، فالسواد الأعظم من الأمريكيين لا يعرفون شيئا، وبالتالي عليهم أن يبدأوا في معرفة الآخر وأن يستمعوا إلى الغير، لأنه دائما تنقصهم هذه الخصلة وهي الإصغاء للآخر، وهذا أيضا يمس الخطاب الذي يشبه الخطاب الديني، حيث إن كل من يتبع ديانة من الديانات يقول إن خطابه الديني هو الصحيح وهو الذي ينبغي أن يتبع، وهذا غير صحيح، وهو ما يفسر وجود خطابات أخرى تشبه الخطاب الديني من غير أن تكون هي نفسها الخطاب الديني.. وكل الشعوب وفي كل البلدان هناك ما يسمى «إطار الأفكار المقبولة» وداخل هذا الإطار يناقشون كل التفاصيل، لكن خارجه فهم يرفضون أي نقاش ويعتبرون أي شخص يتكلم خارج «إطار الأفكار المقبولة» غير صالح لأن يستمعوا إليه.. . - لكن الأكيد اليوم أن هناك الكثير من النمطية في التعامل الأمريكي مع الإسلام والمسلمين، والذي يتخذ شعارات خطيرة تصب كلها فيما أصبح يسمى ب«الإرهاب»؟ < أنا بالتأكيد واع بذلك حتى إنني أدرسه في فصلي بالجامعة، أنا أدرس فصلين جامعيين، فصل في الاتصال وفصل في «مقدمة في الإسلام»، وهذا الأخير هو فصل عام عن الإسلام، وقد درست فيه حصة واحدة قبل أن أحضر إلى المغرب هذه المرة، وقلت نفس هذا الكلام بطريقة أخرى وهي أن: «الإسلام ليس حركة سياسية ولكنه دين» هدف الإسلام ليس سياسيا، والسياسة في الإسلام هي مسألة ثانوية وفرعية ومتشعبة، وبالتالي فأنا وأمثالي نعلم أن هناك انتقادا لمثل هذا التصور، ولذلك فالمحافظون الجدد يحاربون الأساتذة وهيئات التدريس وأقسام الدراسات الإسلامية عامة في جميع الجامعات وينظمون محافل للضغط على الأساتذة وتهديدهم لكي لا يدرسوا بهذه الطريقة. رغم أن المحافظين الجدد ليس لهم أدنى نفوذ أو تأثير في الجامعات الأمريكية، ورغم أن النسبة الأكبر من الأساتذة في الجامعات هم من اليهود، لكن ليس هناك أي تأييد مطلقا للمحافظين الجدد. ومؤخرا أصدر أحد الأساتذة، الذي أصفه بالشرير، وهو دافيد هواردس، كتابا بعنوان «الأساتذة» وسرد فيه ما يقارب اسم 100أستاذ ممن اعتبرهم تهديدا للأمن القومي الأمريكي، لكن مثل هذه الدعايات المغرضة تفشل دائما. نحن نعتبر المحافظين الجدد «أعداء أشرار». في الحقيقة أتمنى أن يرمى بالقوانين الأمنية التي فرضوها على عهد بوش على وجوههم وأن يتم الزج بصناعها في معتقل غوانتانمو ويسجنوا بسبب العدوان الذي يوجد بدواخلهم. والناس يجب أن يعلموا أن هؤلاء لا يمثلون أمريكا إنهم فقط شرذمة صغيرة. - أنت كأستاذ أمريكي مسلم وإمام مسجد كيف تنظر إلى مستقبل مسلمي أمريكا في هذا السياق العالمي الذي تحكمه تيمة «الإرهاب»؟ < اليوم ينبغي مساعدة الناس في أمريكا، لأن المسلمين هناك في حاجة إلى خدمات دينية في وقت تنهار فيه المؤسسات الاجتماعية الأساسية القديمة، نحن نحاول مساعدة الناس ونقدم لهم نموذجا دينيا مبسطا يكون فيه الدين الإسلامي دين السهولة والوضوح، لأنه ليست هناك عقائد معقدة.. نحن نحاول الاستفادة من أي شيء يفيد في ما نقوم به.