تكتسي الحملة أو الدعاية الانتخابية أهمية كبرى في المسلسل الانتخابي، وتشكل فرصة للأحزاب السياسية للتواصل مع الهيئة الناخبة وللتعريف بمرشحيها وببرامجها الانتخابية. وقد حدد المشرع، في القانون التنظيمي رقم 11. 27 المتعلق بمجلس النواب، إطارها القانوني وكيفياتها والحدود التي لا ينبغي تجاوزها تحت طائلة التعرض للعقوبات الزجرية المنصوص عليها في الباب السادس من هذا القانون. ويراقب قاضي الانتخاب مدى احترام المقتضيات القانونية المتعلقة بالدعاية الانتخابية من قبل المرشحين والأحزاب السياسية، ولا يتردد في إلغاء الانتخاب، جزئيا أو كليا، كلما ثبت له وجود خرق لهذه المقتضيات وكان لذلك تأثير واضح على نتيجة الاقتراع. وفي مجال مراقبة تمويل الحملة الانتخابية، وضع المشرع بعض القواعد التي لا يجوز المحيد عنها أو مخالفتها، وهكذا نصت المادة الرابعة من المرسوم رقم 2.11.608، الصادر في 25 أكتوبر 2011 في شأن مساهمة الدولة في تمويل الحملات الانتخابية التي تقوم بها الأحزاب السياسية المشاركة في الانتخابات العامة لانتخاب أعضاء مجلس النواب، على أن وزير الداخلية يوجه إلى الرئيس الأول للمجلس الأعلى للحسابات بيانا بالمبالغ التي منحت لكل حزب سياسي فور صرف المبلغ الكلي لمساهمة الدولة في تمويل الحملات الانتخابية. كما اشترط المشرع على الأحزاب السياسية، التي تلقت مساهمة الدولة في تمويل الحملة الانتخابية، أن تدلي بالوثائق التي تثبت استعمالها للغايات التي منحت من أجلها، وذلك في شكل فاتورات واتفاقيات أو بيانات أتعاب أو أي مستندات أخرى من مستندات الإثبات المماثلة مشفوعة بالمخالصات ومؤرخة وموقعة من قبل الموردين ومقدمي الخدمات ومشهود بصحتها من لدن ممثلي الأحزاب السياسية المعينين لهذا الغرض. ويجب على كل حزب سياسي يعنيه الأمر أن يوجه مستندات الإثبات المشار إليها أعلاه إلى الرئيس الأول للمجلس الأعلى للحسابات داخل أجل لا يزيد على ثلاثة أشهر من تاريخ صرف مساهمة الدولة. هذا، وقد تضمن القانون التنظيمي رقم 27.11 المتعلق بمجلس النواب تعديلات مهمة من شأنها أن تقوي الرقابة التي يقوم بها المجلس الأعلى للحسابات على تمويل الحملات الانتخابية أدرجها المشرع في الباب الحادي عشر المتعلق بتمويل الحملات الانتخابية للمترشحين بمناسبة الانتخابات التشريعية. وهكذا، فقد أوجب على المترشحين للانتخابات التشريعية أن يلتزموا بسقف المصاريف الانتخابية الذي حدده المرسوم رقم 2.11.607، الصادر بتاريخ 19 أكتوبر 2011، في 350.000 درهم لكل مترشح أو مترشحة. وقد عمل المشرع في هذا المرسوم على تحديد المقصود بالمصاريف الانتخابية، حيث أوضح أنها هي النفقات التي ينجزها المترشحون بمناسبة الانتخابات العامة والجزئية لانتخاب أعضاء مجلس النواب للقيام بما يلي: - تغطية مصاريف طبع الإعلانات والوثائق الانتخابية وتعليقها وتوزيعها؛ - عقد الاجتماعات الانتخابية ودفع الأجور المستحقة لمقدمي الخدمات التي تستلزمها الاجتماعات المذكورة وجميع اللوازم المرتبطة بهذه الاجتماعات، بما في ذلك مصاريف التنقل؛ - تغطية المصاريف الأخرى المرتبطة باقتناء لوازم الدعاية الانتخابية. وألزم المشرع وكيل كل لائحة أو كل مترشح ب: - أن يضع بيانا مفصلا لمصادر تمويل حملته الانتخابية؛ - أن يضع جردا للمبالغ التي صرفها أثناء حملته الانتخابية؛ - أن يرفق الجرد المشار إليه أعلاه بجميع الوثائق التي تثبت صرف المبالغ المذكورة. ويودع كل ذلك داخل أجل شهر، انطلاقا من تاريخ الإعلان عن نتائج الاقتراع، لدى المجلس الأعلى للحسابات الذي يتولى بحث جرد مصاريف المترشحين للانتخابات التشريعية الخاصة بحملتهم الانتخابية والوثائق المثبتة لها، ويضمِّن نتيجة بحثه في تقرير يشير إلى أسماء المترشحين الذين لم يودعوا جرد المصاريف الخاصة بحملاتهم الانتخابية أو لم يبينوا مصادر تمويل هذه الحملات أو لم يرفقوا الجرد المذكور بوثائق الإثبات المطلوبة أو تجاوزوا السقف المحدد للمصاريف الانتخابية أو لم يبرروا المصاريف المذكورة. واستنادا إلى التقرير المذكور، يقوم الرئيس الأول للمجلس الأعلى للحسابات بإعذار كل نائب معني قصد الإدلاء بالوثائق المطلوبة داخل أجل تسعين يوما، ابتداء من تاريخ الإعذار. وإذا تخلف عن إيداع جرد مصاريفه الانتخابية داخل هذا الأجل أو لم يرفق الجرد المذكور بالوثائق المثبتة للمصاريف الانتخابية ولم يستجب للإعذار الموجه إليه في شأنهما من قبل الرئيس الأول للمجلس الأعلى للحسابات، يجرد من العضوية في مجلس النواب. كما يجرد من هذه العضوية كل نائب تجاوز السقف المحدد للمصاريف الانتخابية أو لم يبين مصادر تمويل حملته الانتخابية أو لم يقم بتبرير المصاريف المذكورة. وفي كل هذه الحالات، يحيل الرئيس الأول للمجلس الأعلى للحسابات الأمر على المحكمة الدستورية لإعلان تجريد النائب المعني من عضوية مجلس النواب. ونشير أيضا في هذا الموضوع إلى ما تقرره المادة الخامسة من المرسوم رقم 2.11.609 المتعلق بتحديد الآجال والشكليات المتعلقة باستعمال مساهمة الدولة في تمويل الحملات الانتخابية التي تقوم بها الأحزاب السياسية المشاركة في الانتخابات العامة لانتخاب أعضاء مجلس النواب، وهو أن الرئيس الأول للمجلس الأعلى للحسابات يقوم بإطلاع وزير العدل على جميع الإخلالات الملاحظة في الالتزام باستعمال مساهمة الدولة للغايات التي منحت من أجلها، وذلك لاتخاذ الإجراءات التي يقتضيها القانون. وتجدر الإشارة إلى أن هذه المقتضيات في مجال تمويل الحملات الانتخابية التشريعية، التي جاء بها القانون التنظيمي رقم 27.11 المتعلق بمجلس النواب، تأتي بعد فشل تجربة اللجنة التي أشار إليها القانون رقم 97. 9 المتعلق بمدونة الانتخابات والذي عهد إليها ببحث جرد المصاريف والوثائق المثبتة لها والمتعلقة بمصاريف المرشحين للانتخابات التشريعية خلال الحملات الانتخابية، في تفعيل رقابة حقيقية على مصاريف المرشحين بمناسبة الحملة الانتخابية. وكانت هذه اللجنة تتألف من قاض بالمجلس الأعلى للحسابات رئيسا وقاض بالمجلس الأعلى يعينه وزير العدل وممثل لوزير الداخلية ومفتش للمالية يعينه وزير المالية. وعلاوة على هذه الرقابة المالية التي يقوم بها المجلس الأعلى للحسابات كهيئة عليا للمراقبة المالية العمومية، والمنصوص عليه في الباب العاشر من الدستور، هناك رقابة أخرى قضائية دستورية تقوم بها المحكمة الدستورية التي تبت، وفقا للفصل 132 من الدستور، في صحة انتخاب أعضاء البرلمان. د- مكتب التصويت: نظم المشرع جوانب كثيرة في تشكيل مكتب التصويت باعتباره عملية تحضيرية أولية للقيام بعملية التصويت، ووسيلة لإشراك الناخبين في مراقبة العمليات الانتخابية، وأيضا ضمانة لسلامة العملية الانتخابية ومصداقيتها، بل إن مكتب التصويت ذاته يمكن اعتباره آلية رقابية مهمة لعملية التصويت، إذ أناط المشرع برئيس مكتب التصويت مهمة المراقبة وحفظ النظام داخل مكتب التصويت، واشترط في جميع أعضاء مكتب التصويت أن تتوفر فيهم شروط الحياد والنزاهة حتى تسري العملية الانتخابية في جو تطبعه المشروعية والشفافية، وبذلك يمنع على أعضاء مكتب التصويت القيام بأي عمل قد يعرقل أو يوجه الانتخاب في هذا الاتجاه أو ذاك، لذلك كان على قاضي الانتخاب أن يعتبر كل إخلال بهذا الحياد وبهذه النزاهة سببا موجبا لإبطال العملية الانتخابية. المكي السراجي - أستاذ في كلية الحقوق بسلا