تحتفل النقابة الوطنية للصحافة، اليوم، باليوم الوطني للإعلام. وللاحتفال بهذا الحدث «مذاق» خاص هذه السنة، يختلف عن السنوات الماضية، لعدة اعتبارات أساسية تمس في العمق واقع الإعلام المغربي، لاسيما في تمثله المكتوب. أول تجليات هذه الخصوصية تتأسس- بشكل مؤسف ومخيب للآمال- على أن الاحتفال باليوم الوطني للإعلام يأتي مع استمرار سجن الزميل رشيد نيني، على الرغم من المطالبات الشعبية والرسمية والحقوقية، وهي المطالب التي تقوم على الانتصار لقيم العدالة والحرية والحق في التعبير، وما قضية رشيد نيني إلا اختبارا حقيقيا لهذه القيم، على أساس أن الزميل كان ينطلق من مبدأ قدسية الخبر والحق في التعبير والحق في الاختلاف، لينطق بنبض الشارع المغربي، ويعكس رغبته في الإصلاح ومحاربة الفساد، إلا أن الحكم على رشيد نيني بسنة سجنا نافذا في المرحلة الابتدائية والاستئنافية عصف بكل حلم متعلق بحرية التعبير وقدسية مزعومة للفعل الصحفي، وأدخل الإعلام المغربي، مجددا، في نفق مظلم من الصعب أن ينعتق منه. وتبرز سلبية الاستمرار في سجن الزميل رشيد نيني، ثانيا، في أن سجن مدير نشر أول جريدة وصاحب أشهر عمود في المغرب يعطي إشارة غير صحية إلى واقع ومستقبل الإعلام المغربي، ويعكر صفو أي احتفال «وطني» حول الإعلام، فبأي نكهة يمكن أن ننخرط بشكل عاطفي ونفسي ومهني في احتفال يقام بمسرح أو مؤسسة، في الوقت الذي تحكم القضبان قبضتها الحديدية على جسد الزميل رشيد نيني، فالاحتفال في هذه الحالة لا يكون، في أحسن الأحوال، إلا ضربا صارخا من «الاستهتار» بحق الإعلام بحد ذاته. وثالث المؤرقات أن الاستمرار في سجن الزميل رشيد نيني، بالتزامن مع الرغبة في الاحتفال الفعلي والصادق بيوم وطني للإعلام، يأتي في سياق سياسي وتشريعي مغربي غير مسبوق، ويتمثل في صياغة دستور جديد والاستفتاء عليه وإدخاله إلى حيز التنفيذ، وهنا لابد من التذكير بأن الدستور الجديد نص، بشكل صريح ولا لبس فيه، على دسترة الحق في التعبير والرقي بالمواثيق الدولية التي تنتصر لقيم التعدد والحق في التعبير واستقلالية الإعلام، والحال، الآن، أن متابعة الزميل رشيد نيني بالقانون الجنائي والاستمرار في سجنه هو تعامل انتقائي مع روح الدستور المغربي، الذي وصف ب«المتقدم». ورابع ما يحزن في الاحتفال باليوم الوطني للإعلام، في خضم هذا الواقع الإعلامي المقلق، أن سجن الزميل رشيد نيني يأتي في سياق محاولة تكريس دينامية سياسية جديدة عبر انتخابات تعلن الجهات الوصية أنها ستكون شفافة وناطقة بخيار المواطن المغربي، والحال أن أي إصلاح سياسي فعلي لن يكون إلا عبر بوابة إعلام متعدد وحر، على اعتبار أن الإعلام الحر والمستقل هو أصدق من يعبر عن هواجس المواطن وأحلامه ورغبته في الإصلاح، وأن أي حديث عن إصلاح يلغي الإعلام من المعادلة لن تكون له أي نتائج على المستوى المتوسط والبعيد. وعلى هذا الأساس، وبصرف النظر عن موقفنا الذاتي كصحفيين وزملاء نعرف المنطلقات المهنية والوطنية الصادقة للزميل رشيد نيني في الإصلاح ونقل هواجس المواطن المغربي، إلا أن نظرتنا الموضوعية - في الوقت نفسه- إلى الإعلام المغربي تتأسس على الدفاع عن حرية الإعلام واستقلاليته والدفاع عن خلق ضمانات تقدس قانون الصحافة بعد تعديله، بما يلغي العقوبات السالبة، وتقطع الطريق على القفز على القانون المعدل وجعله المرجع في أي قضية أو محاكمة لها علاقة بالتحرير والنشر، ونظرتنا الموضوعية، كذلك، تقوم على أن حرية التعبير لا يمكن أن تتجزأ ولا يمكن أن نؤمن بهذه الحرية كأمر واقع ما لم يتم القبول بحرية الإعلام واستقلاليته، ولسان حال رشيد نيني وراء القضبان مقتبسا القولة التاريخية للمتنبي يقول: «بأيّةِ حالٍ عُدتَ يا عيدُ بمَا مَضَى أمْ بأمْرٍ فيكَ تجْديدُ...».