أبرزت ردود فعل المسؤولين في كثير من المحطات أنهم مستمرون في ممارسة سياسة الهروب إلى الأمام، فهم يصرون في كل محطة على التملص من الإجابة عن الأسئلة الحرجة، ويتعاملون مع المؤشرات والتقييمات والأرقام المقدمة من قبل منظمات وطنية ودولية بالتجاهل حينا، وبالإنكار حينا آخر. فعندما أصدرت اللجنة الوطنية للوقاية من حوادث السير تقريرا يفيد التزايد المهول لحوادث السير ولعدد الموتى الناتج عنها، أعادت الحكومة نفس المشجب، وهو أن الخلل ليس منها وإنما من المواطنين، فهم الذين لا يلتزمون بقانون السير. وعندما تعالت الأصوات ضد الأحكام الجائرة ضد بعض الصحف الوطنية، صرح وزير الاتصال الناطق الرسمي باسم الحكومة بأن الخطأ من الصحفيين المدانين ومن الجرائد المعنية، ونفى وجود أي انتكاسة في حرية الصحافة في المغرب، وادعى أنه لا خلاف في المغرب حول إدانة جريدة «المساء» في القضية التي حوكمت بشأنها. وعندما تسببت الفيضانات منذ سنتين في خسائر في الأرواح والممتلكات وألقت بمئات الأسر في العراء، ألقت الحكومة باللوم على «الطبيعة» التي أتت بأمطار غير مسبوقة وغير منتظرة، وعلى المواطنين الذين يخالفون القانون، وكأن هؤلاء المواطنين يتصرفون بعيدا عن أعين السلطات والمسؤولين. والجميع يعلم بأن البناء العشوائي يتم، في الغالب الأعم، بسماحٍ أو إغماضِ عينٍ على الأقل من أعوان السلطة أو رجالها، وفي كثير من الأحيان مقابل رشاوى. أما مؤشر ملامسة الرشوة الذي تصدره منظمة الشفافية الدولية فقد سجل بالنسبة إلى المغرب تراجعا من المرتبة 73 إلى المرتبة 80. وهنا، لجأت الحكومة إلى إلقاء اللوم على المنظمة وطريقة حسابها للمؤشر. وبالنسبة إلى الانتخابات، لجأ المسؤولون إلى إلقاء اللوم باستمرار على المواطنين الذين عزفوا عن الذهاب إلى صناديق الاقتراع، وعلى الأحزاب السياسية التي لا تقوم بدورها، ووجدوا في ذلك ما يعفيهم من إدخال الإصلاحات الضرورية على القوانين والمراسيم لتفادي البلقنة في المؤسسات والفساد الانتخابي. وها هم، اليوم، يرفضون إدخال التعديلات الضرورية لذلك بمناسبة الإعداد للانتخابات التشريعية، ثم سيصفون ما ينظمونه من انتخابات بالنزاهة والشفافية. وفي كل مرة، الخللُ ليس في الحكومة ولا في المسؤولين، وإنما في الآخرين أو في الأرقام المقدمة والمؤشرات المغلوطة؛ والكل بخير على الرغم من أننا نرجع إلى الوراء على أكثر من مستوى. نذكر بهذا المسلسل من التعامل المتملص من المسؤولية بمناسبة نشر تقرير التنمية البشرية 2011 الصادر عن برنامج الأممالمتحدة الإنمائي؛ فترتيب المغرب بين دول العالم في دليله يوضح أن الكثير مما يقدمه المسؤولون من إنجازات نسبيٌّ ومتواضعٌ جدا بالمقارنة مع دول العالم المماثلة.. لقد صنف المغرب في المرتبة 130 من بين 187 دولة، أي أنه في الثلث الأخير من دول المعمورة. وإذا استثنينا الدول العربية ذات الترتيب المرتفع، فإننا نجد أن مراتب الدول الأخرى هي: تونس 94 والأردن 95 والجزائر 96 ومصر 113 وفلسطين المحتلة 114 وسوريا 119. ولم يبق متخلفا عن مرتبة المغرب من دول الجامعة العربية إلا العراق (132) واليمن (154) وموريتانيا (159) وجزر القمر (163) وجيبوتي (165)، ثم السودان (169). واحتساب الترتيب في دليل التنمية البشرية يتم على أساس ثلاثة عوامل هي: متوسط العمر المتوقع عند الولادة، ومؤشرات التعليم، ونصيب الفرد من الدخل القومي الإجمالي؛ وبهذا فهو يفضح ضعف الإنجاز الوطني في مجالات محاربة الفقر والهشاشة، والتدهور البيئي، وجودة التعليم ونسبة ولوج التعليم العالي، والتقليل من وفيات المواليد وغيرها. واحتساب الترتيب في دليل التنمية البشرية يتم على أساس ثلاثة عوامل هي: متوسط العمر المتوقع عند الولادة، ومؤشرات التعليم، ونصيب الفرد من الدخل القومي الإجمالي؛ وبهذا فهو يفضح ضعف الإنجاز الوطني في مجالات محاربة الفقر والهشاشة، والتدهور البيئي، وجودة التعليم ونسبة ولوج التعليم العالي، والتقليل من وفيات المواليد وغيرها. ومرة أخرى، وكما وقع في سنوات سابقة، مارست الحكومة سياسة الهروب إلى الأمام، فانتقدت، على لسان وزير الاتصال الناطق الرسمي باسم الحكومة، المعايير المعتمدة في هذا التصنيف، ووصفتها بكونها «غير علمية»، وقالت إن المغرب «متشبث» بتغييرها. وباستعراض بعض من أهم توصيات التقرير، يتضح العجز الذي نعانيه؛ وهكذا نجد نقاطا ثلاثا هي: - الدعوة إلى اعتماد السياسات الاقتصادية التي تشجّع الأنماط المستدامة في الإنتاج والاستهلاك لجعل الاعتبارات البيئية جزءا من القرارات الاقتصادية اليومية، على اعتبار أن البيئة النظيفة والآمنة حقٌّ لا امتياز؛ - تعزيز مشاركة مختلف الجهات في الحكم وفي صنع السياسات، بحيث تشمل هذه العملية جميع الذين هم أكثر عرضة للمخاطر البيئية؛ - تلبية تطلّعات الفقراء لتحقيق التنمية من دون إلحاق أي ضرر بالبيئة. فعلى هذه المستويات الثلاث يقدم المغرب وعودا لا برامج، شعارات لا إنجازات. وإن كان المسؤولون يظنون أنهم يبذلون جهودا ويتقدمون، فإن التحدي هو أن العالم من حولنا يتقدم بسرعة أكبر، والحصيلة أننا نتراجع. في الدول الديمقراطية، عندما تفشل الحكومة تقدم استقالتها أو تقال بانتخابات نزيهة؛ وعندنا، يبدو أن الحكومة تعتبر نفسها هي الثابت، والخطأ في ما يقع هو من الشعب، فهل تريدنا أن نأتي لها بشعب آخر؟