لا نعرف حتى الآن ماهية الرد الرسمي السوري على الخطة التي وضعتها الجامعة العربية وقدمتها إلى السيد وليد المعلم، وزير الخارجية السوري، أثناء مشاركته في اجتماع اللجنة العربية لمتابعة الملف السوري التي عقدت اجتماعها في الدوحة يوم أمس الأول (يقصد الأحد)، ولكننا نأمل أن يكون الرد بالإيجاب لقطع الطريق على الذين يريدون "تدويل" الأزمة السورية وإيجاد الذرائع للتدخل العسكري الأجنبي. فالبنود الواردة في هذه الخطة ليست على درجة كبيرة من الخطورة بحيث يتعذر تطبيقها أو الخوف منها، خاصة البندين المتعلق أحدهما بسحب الدبابات من المدن والشوارع وعودتها إلى ثكناتها، والثاني الذي يدعو إلى فتح حوار مع ممثلي المعارضة السورية. بات واضحا وبعد ثمانية أشهر أن المعارضة السلمية غير قادرة على إطاحة النظام، بينما بات من المستحيل أن يستمر هذا النظام في الحكم في ظل الحلول الأمنية وقتل مواطنيه، أو إنهاء الانتفاضة، ولذلك قد تشكل مبادرة الجامعة العربية، ورغم التحفظات العديدة على أسلوبها والنوايا المبيتة خلفها، مخرجا من هذا الطريق المسدود. الدول العربية التي دعمت الانتفاضة الشعبية السورية المشروعة منذ البداية، سياسيا وإعلاميا، اعتقادا بأنها ستطيح بالنظام في أسابيع معدودة على غرار ما حدث في مصر وتونس، باتت هي الأخرى في مأزق كبير تبحث جاهدة عن مخرج منه ينقذ ماء وجهها، خاصة بعد تردد حلف الناتو في التدخل عسكريا، مثلما حدث في ليبيا بسبب الكلفة المالية والبشرية العالية، مضافا إلى ذلك أن النتائج ربما تأتي معاكسة تماما مثلما حدث ويحدث للتدخل الأمريكي الغربي في أفغانستان والعراق، وهي تريد الآن من يقدم إليها السلم للنزول عن شجرتها. العنف في سورية يجب أن يتوقف فورا، سواء كان من قبل النظام وقواته أو من قبل الجماعات المسلحة المنشق بعضها عن الجيش، وإن كانت المقارنة بين الجهتين في غير مكانها، والدفاع عن النفس أمر مشروع، لأن ضحايا هذا العنف هم أبناء سورية، واستمراره يعني حربا أهلية طائفية طاحنة قد تؤدي إلى تدمير هذا البلد، صاحب الإرث الحضاري المشرّف. ندرك جيدا أن النظام السوري يتحفظ كثيرا على مسألة الحوار مع ممثلي المعارضة السورية، والذين يقيمون في الخارج على وجه الخصوص، لأن هؤلاء، أو بعضهم، طالب بالتدخل الأجنبي وفرض مناطق حظر جوي لحماية المحتجين المدنيين. وهذا التحفظ عائد إلى الكرامة الشخصية أولا، وعدم الرغبة في الرضوخ لإملاءات عربية أو خارجية ثانيا، ولعدم إيمانه بثقافة الحوار ثالثا؛ ولكن عندما يكون مستقبل البلاد مهددا وهناك مؤامرة خارجية تستهدفها، مثلما ظل النظام يردد لأشهر، فإن مصلحة سورية تتطلب التنازل والانحناء أمام العاصفة. يجب أن يتعود النظام، الذي يقول إنه يريد الإصلاح الديمقراطي، على ثقافة الحوار والتعاطي مع الآخر المختلف، حتى لو كان مرتبطا بجهات خارجية مثلما يؤكد، فهؤلاء سوريون في نهاية المطاف، ولا يمكن تجاهلهم والتغاضي عن مطالبهم أو إسقاط صفة المواطنة عنهم، فما كان يصلح قبل خمسين أو ستين عاما لم يعد يصلح اليوم، والزمن تغير ويتغير بسرعة، ولا يستطيع النظام أن يخلق معارضة وفق مقاساته وهو الذي يؤكد أنه يعمل من أجل الإصلاح. نتفق مع الرئيس السوري في تحذيراته من أن أي تدخل غربي في الأزمة السورية سيؤدي إلى زلزال يحرق المنطقة بأسرها، لأن سورية ليست ليبيا، وهي مدعومة من إيران وحزب الله وحركة المقاومة الإسلامية "حماس"، وفوق هذا وذاك روسيا والصين، ولكن أول ضحايا هذا الحريق سيكون الشعب السوري، بل وسورية نفسها، وهذا ما لا نريده أو نتمناه كعرب ومسلمين لسورية، أو أي دولة عربية أخرى، فخيار شمشون خطير وغير مقبول، وليس حلا على أي حال. النظام السوري ما زال يتمتع بتأييد بعض القطاعات الشعبية، وخاصة في دمشق وحلب اللتين تمثلان نصف الشعب السوري تقريبا؛ وإذا كان النظام قادرا على إنزال الملايين في شوارع المدينتين، فلماذا يخاف أو يخشى الحوار مع مجموعة من المعارضين يختلفون في ما بينهم في بعض الأحيان أكثر مما يختلفون مع النظام نفسه؟ الرئيس بشار الأسد اعترف، في حديثه إلى صحيفة "الصنداي تلغراف" البريطانية، بارتكاب قوات الأمن التي تصدت للمظاهرات السلمية أخطاء كبيرة، ونتمنى عليه أن يدرك أن نفس الذين أصدروا الأوامر لهذه القوات بإطلاق النار على هؤلاء المتظاهرين السلميين المطالبين بالإصلاح هم الذين يشيرون عليه الآن بالتشدد ورفض المبادرة العربية، أو أي مبادرة أخرى بوقف العنف ضد أبناء وطنه. السلطات السورية، التي تنفي صفة العناد وتدعي المرونة، تبني كل سياساتها حتى الآن على العناد. وهذا، في تقديرنا، تصرف غير سياسي ربما يؤدي إلى نتائج غير محمودة، خاصة في وقت الملمات والأزمات التي تحصل الآن ونتابع فصولها قتلا وتدميرا في المشهد السوري على مدى ثمانية أشهر. المرونة مطلوبة، وعندما تقدم هذه السلطات تنازلا فإنها تتنازل للشعب السوري الذي اعترفت ببعض المظالم التي يعاني منها؛ ولا يعيب صاحب القرار السوري أن يتنازل لشعبه أو حتى لبعض القوى التي يعتقد أنها تتآمر عليه، إذا كان هذا التنازل يجنب البلاد الانهيار والدمار. لقد أحسنت السلطات السورية صنعا عندما أرسلت السيد وليد المعلم، شيخ الدبلوماسية السورية، إلى الدوحة للمشاركة في اجتماع اللجنة العربية، فسورية التي جربت الحلول الأمنية والتي نرى نتائجها الخاطئة حاليا، عليها أن تجرب الحلول الدبلوماسية. نعرف جيدا أن السلطات السورية تتحسس من الحوار مع المعارضة، والمجلس الوطني على وجه الخصوص في القاهرة، ولكن عليها أن تتذكر أن قاهرة اليوم ليست قاهرة حسني مبارك، وهي قاهرة وطنية نعتقد، بل نكاد نجزم، بأنها تريد الخير والاستقرار لسورية وشعبها. الدعم الصيني والروسي مهم لا شك في ذلك، ولكن على الرئيس السوري أن يتذكر أن هؤلاء خذلوا الرئيس العراقي صدام حسين، مثلما خذلوا العقيد معمر القذافي وتركوهما للمصير الدموي المؤلم الذي واجهاه، وشاهدناه عبر شاشات التلفزة. ما يحمي الرئيس الأسد وسورية هو الحكمة والعقل والتصالح مع شعبه وأمته، أما العناد ورفض المبادرات على سوئها فقد يعطي نتائج عكسية تماما. رئيس الوزراء الروسي فلاديمير بوتين قال إن على الرئيس بشار أن يمارس الإصلاح أو يرحل، والصين قالت بالأمس (يقصد الاثنين) إن موقفها المساند لسورية ليس بنهايات مفتوحة.