في كتابه «جرأة الأمل»، يشارك المرشح للرئاسة الأمريكية عن الحزب الديمقراطي باراك أوباما القارئ أفكاره عن كيفية معالجة الانقسامات الداخلية الأمريكية، حيث يطالب بنوع مختلف من السياسة ويعرض لعدم الاستقرار الاقتصادي المتزايد في الأسر الأمريكية والصراعات العرقية والدينية داخل المؤسسات السياسية والمخاطر الخارجية التي تهدد الولاياتالمتحدة من العنف إلى الأوبئة. لهذا اعتبر أوباما ما جاء في كتابه أفكارا للمطالبة بالحلم الأمريكي. في مجال الشؤون الدولية، من الخطورة بمكان استخلاص استنتاجات انطلاقا من تجارب بلد واحد. فتاريخ وجغرافيا وثقافة وصراعات كل شعب فريدة من نوعها. وحتى الآن، وفي نواح متعددة، تعتبر إندونيسيا بمثابة مثال مفيد عن العالم الخارجي الذي يوجد وراء حدودنا. إنها عالم حيث تتصادم باستمرار العولمة والأصالة. وتوفر إندونيسيا كذلك سجلا لسياسات الولاياتالمتحدةالأمريكية للسنوات الخمسين الأخيرة. داخل هذا السجل نجد دورنا في تحرير المستعمرات السابقة وإنشاء مؤسسات دولية للمساعدة في إدارة عالم ما بعد الحرب العالمية الثانية. نجد في هذا السجل ميلنا إلى رؤية الشعوب والصراعات من خلال منظور الحرب الباردة. لقد سجلت إندونيسيا نشرنا، الذي لا يمل ولا يكل، للرأسمالية على الطريقة الأمريكية والشركات متعددة الجنسيات، إضافة إلى أمريكا التسامح وفي أحيان أخرى الطغيان والفساد وتدهور البيئة، طالما أن ذلك يخدم مصالحنا. كما سجلت البلاد تفاؤلنا مباشرة بعد نهاية الحرب الباردة بأن ماكدونالد والأنترنت سيقودان إلى نهاية النزاعات التاريخية. وفي السجل أيضا تنامي القوة الاقتصادية الآسيوية وتزايد الاستياء من الولاياتالمتحدة بوصفها القوة العظمى الوحيدة في العالم. تاريخ إندونيسيا سجل إدراكنا أن الديمقراطية، في المدى القصير على الأقل، يمكن أن تزيح الستار عن الأحقاد العرقية والانقسامات الدينية، وأن العولمة يمكنها أيضا أن تسهل التقلبات الاقتصادية وانتشار الأوبئة والإرهاب. بمعنى آخر، فإن سجلنا مختلط، ليس فقط في إندونيسيا بل في جميع أنحاء العالم. في بعض الأحيان كانت السياسة الخارجية الأمريكية ذات بعد نظر، وكانت تخدم مصالحنا الوطنية وقيمنا ومصالح الشعوب الأخرى. وفي أحيان أخرى، كانت السياسة الأمريكية مضللة ومبنية على افتراضات خاطئة تتجاهل التطلعات المشروعة للشعوب الأخرى. هذه السياسات تقوض مصداقيتنا وتجعل من العالم مكانا أكثر خطورة. هذا الغموض لا ينبغي أن يثير الدهشة، فالسياسة الخارجية الأمريكية كانت دائما مزيجا من الدوافع المتحاربة. ففي الأيام الأولى من الاستقلال، كانت تسود سياسة انعزالية، وذلك حرصا على الحذر من المؤامرات الأجنبية التي كانت تحاك لدولة خارجة للتو من حرب الاستقلال. «لماذا؟»، سأل جورج واشنطن في خطاب وداعه الشهير، «ربط مصيرنا بمصير أي جزء من أوروبا، سيضع سلامنا وازدهارنا في موقف حرج لخدمة الطموح والمصالح الأوروبية؟». إن وجهة نظر واشنطن تعززت بما سماه «الوضعية المنفصلة والبعيدة» لأمريكا، وهي وضعيتها الجغرافية المنفصلة التي تمسح للأمة الجديدة بأن «تتحدى الضرر المادي من الإزعاج الخارجي». وعلاوة على ذلك، ففي الوقت الذي أدت فيه أصول أمريكا الثورية والشكل الجمهوري للحكومة إلى تعاطف كبير بين صفوف الباحثين عن الحرية في كل مكان، فإن قادة أمريكا الأوائل حذروا من محاولات تصدير أسلوب حياتنا، فحسب جون كوينسي آدمز، فإن أمريكا «لا يجب أن تذهب إلى الخارج للبحث عن وحوش لتدميرها»، كما أنه لا يجب «أن تصبح دكتاتورية العالم». لقد كلفت العناية الإلهية الولاياتالمتحدةالأمريكية بمهمة صنع عالم جديد وليس إصلاح العالم القديم. أمريكا المحمية بالمحيط والأراضي الشاسعة يمكن أن تقدم أفضل خدمة للحرية عبر التركيز على تنميتها المحلية، وبذلك ستصبح منارة للأمل للشعوب والأمم الأخرى في جميع أنحاء العالم. لكن إذا كان هناك اشتباه في تعقيد حمضنا النووي فلابد أنه غريزتنا في التوسع جغرافيا وتجاريا وفكريا. وقد أعرب عن ذلك توماس جفرسون في وقت مبكر، حيث قضى بحتمية التوسع خارج حدود الولايات الثلاث عشرة الأصلية، وقد تم الإسراع في هذه التوسعة مع رحلة لويس وكلارك ومع شراء لويزيانا. وفي الوقت الذي كان فيه الجنود الأمريكيون والمستوطنون يتحركون بشكل مطرد باتجاه الغرب والجنوب الغربي، كانت الحكومات المتعاقبة تصف ضم الأراضي بكونه «قدرنا المحتوم». وبالطبع فإن قدرنا المحتوم يعني كذلك الغزو العنيف والدموي لقبائل الأمريكيين الأصليين وطردهم قسرا من أراضيهم، إضافة إلى الجيش المكسيكي الذي كان يدافع عن أرضه. لقد كان غزوا، مثل العبودية، يتناقض مع المبادئ التي قامت عليها أمريكا، ويميل إلى أن يكون مبررا بالعنصرية. إنه غزو كان من الصعب على الأساطير الأمريكية استيعابه بشكل كامل، والذي أدركته الدول الأخرى على حقيقته، أي ممارسة السلطة بوحشية واقعية.