باشرت عناصر الفرقة الرابعة للأبحاث التابعة للمصلحة الولائية للشرطة القضائية البحث وتوصلت إلى لغز القضية، ذلك أن المشتكى به زوج الفتاة، متزوج وأب لخمسة أطفال وتم الزواج في غياب الزوجة الأولى. فكيف تم ذلك؟ هل كان الزواج بعلم الزوجة الأولى؟ وهل أعطت موافقتها؟ وهل كانت هناك شروط؟ كانت رشيدة تستقل كل صباح سيارة أجرة لِتُقلَّها إلى إحدى الثانويات بوسط مدينة وجدة. كانت الفتاة الشابة ذات الثمانية عشر ربيعا تشع حيوية ونشاطا, ولم تكن لتمر دون أن يلفت جمالها انتباه المارة من الشبان وحتى الشابات. كان يحيى، سائق سيارة أجرة، راجعا ذات صباح من نفس الطريق، عندما وقع نظره على الفتاة التلميذة وهي واقفة تنتظر سيارة الأجرة فأوقف سيارته وفتح الباب لها داعيا إياها إلى الصعود بعد أن تذكر أنها في حاجة إلى من يوصلها إلى الثانوية قبل أن تصل متأخرة. كانت الفتاة في سن ابنته حيث كان يبلغ من العمر 44 سنة . علاقة حب رغم فارق السن... ركبت رشيدة إلى جانب يحيى وتبادلا التحيات وسألها عن وجهتها. كانت الخمس دقائق الأولى من الحديث كافية لتوليد أحاسيس غريبة، ولم يدر أي منهما ماذا تحرك بدواخله. وقفت السيارة الحمراء عند باب الثانوية وشرعت رشيدة في فتح حافظتها بحثا عن النقود لأداء الواجب قبل أن تتخلى عن ذلك بعد أن أقسم لها يحيى بالرفض معللا ذلك بكونه كان عائدا بغيرها. لم تستطع الفتاة التركيز ذلك اليوم على الدروس وانشغلت كما انشغل يحيى وملأت صورتها مخيلته ورفضت مغادرتها إلى أن غاب عن الطريق وأصحاب الطريق لولا صفير منبه سيارة كاد يصطدم بها. حينها استفاق وقرر أخذ فنجان قهوة قبل أن يستمر في عمله طيلة صبيحة ذلك اليوم. لم يدر يحيى كيف وجد نفسه بسيارته، صبيحة ذلك اليوم، في نفس الوقت وفي نفس المكان، ولم يدر كيف قامت رشيدة بفتح باب السيارة التي توقفت بجانبها كأنها كانت تنتظرها وركبت بجانب سائقها كأنها تعرفه منذ زمن. تبادلا التحية وهذه المرة عبر الوجنات. توطدت العلاقة بين رشيدة ويحيى وأصبح العشيقان لا يفترقان عن بعضهما البعض. فكان لزاما على يحيى أن ينتظر رشيدة كل صباح ليوصلها إلى الثانوية, بل كان يتجول بها عبر المدينة، ويتبادلان خلال ذلك الهمس واللمس، العناق والقبلات. كان يحيى لا يرفض لرشيدة طلبا وهي كذلك بحيث صارت زوجة له دون عقد واستمر الحال لمدة سنتين حيث أصبحت الفتاة راشدة وبلغت ال20 ربيعا ولم تعد تذهب إلى الثانوية وتجاوز هو كذلك ال46 سنة. طلب ورفض تهيأ يحيى للخطبة واشترى لوازم العشاء واختارا خاتمي الزواج. تقدم إلى والد رشيدة لطلب يدها والأمل يحذوه بالقبول وإكمال الفرحة. كانت ضربات قلبه تدق بسرعة ولم تكن تساير وقع الحديث الذي دار بينهما. كان رفض الوالد قاطعا وألقى بكل برودة في وجه العريس كلمات قاسية تقبلها على مضض. «كيفاش؟ واش البنت راها سَايْبَة حتى تتزوج واحد في سِنْ ابَّاها؟» كانت كل كلمة تخترق جسد رشيدة كضربات خنجر وتمنت أن تأخذ يد عريسها في تلك الليلة وتهرب به نكالا بذلك الوالد الذي لم يُعِرْ شعورها أي اهتمام. «كيف لا يفهم أن الأمر يعنيها؟ وكيف لا يعي أن ليس للحب سِنٌّ ولا حدود؟» «أنا سيدة نفسي وحرة في قراري ومن حقي أن أمارس حقوقي» قالتها رشيدة بكل شجاعة ومسؤولية وأومأت لعريسها أن ينتظر الغد الذي ليس لمثله نظير، وبوعدها أوفت وبفارسها تزوجت. تحقيق واكتشاف تزوير استشاط الوالد غضبا ورأى في زواج ابنته تحديا له وللأعراف المتعامل بها. لكن لم يكن ليُجَرِّم ابنته ذات ال20 سنة التي اعتبرها ضحية الغاصب الكهل سائق السيارة صاحب ال46 سنة، وأقسم أن يحول حياته إلى جحيم. «كيف تجرأت ابنته على أن تتزوج دون رضاه؟ كيف خطف هذا الغريب منه ابنته وحَوَّلَه ُإلى حثالة بين الناس؟». تقدم الأب بشكاية إلى مصالح الأمن بولاية أمن وجدة ضد الزوج من أجل التغرير بابنته. باشرت عناصر الفرقة الرابعة للأبحاث التابعة للمصلحة الولائية للشرطة القضائية، البحث وتوصلت إلى لغز القضية، ذلك أن المشتكى به زوج الفتاة، متزوج وأب لخمسة أطفال وتم الزواج في غياب الزوجة الأولى. فكيف تم ذلك؟ هل كان الزواج بعلم الزوجة الأولى؟ وهل أعطت موافقتها؟ وهل كانت هناك شروط؟ كان على الفرقة الرابعة أن تبدأ من البداية وتنطلق من ملف عقد الزواج، حيث اتضح أنه يضم شهادتين للعزوبة خاصتين بالفتاة العروس والمتزوج العريس، الشهادتان مسلمتان من المقاطعة الحضرية الثانية. هذه الوضعية تطلبت انتقال العناصر إلى عين المكان بالمؤسسة الرسمية المذكورة لتعميق البحث واستكمال التحريات. وبعد فحص السجلات الرسمية، تبين أن الرقمين الممنوحين للشهادتين وهميان ولا يطابقان التواريخ المدونة بالسجل، فتم على الفور إخبار رئيس قسم الموظفين بالإدارة المذكورة الذي طالب بمواصلة البحث وزود رجال المباحث بعنوان منزل الموظف المسؤول عن تحرير الوثائق موضوع البحث. وفعلا انتقلت عناصر الفرقة إلى بيت الموظف المذكور حيث تم إيقافه قبل الشروع في تفتيش المنزل، إذ تم العثور على مجموعة من شواهد العزوبة وعقود الازدياد وبطاقات شخصية وشواهد السكنى وشواهد مطابقة الاسم وكل الوثائق التي تسلم إلى المواطنين من المقاطعات الحضرية، بما في ذلك دفتر الحالة المدنية وجميعها على بياض وتحمل أختام المقاطعة والطوابع لمن لهم صلاحية التوقيع بالإضافة إلى خمسة أختام وخاتم التواريخ. شركاء في التزوير بعد مباشرة التحقيق مع الموظف، أدلى باسم شريك له في تلك الأعمال الإجرامية، ويتعلق الأمر بكاتب عمومي استفاد من مبلغ 1.500 درهم لشهادتي العزوبة اللتين سلمتا للمعنيين بموضوع الزواج. وأحيل الأربعة، العريس والعروسة والموظف الجماعي والكاتب العمومي الوسيط، على العدالة بمحكمة الاستئناف، من أجل تزوير شواهد إدارية واستعمال أختام الدولة بدون موجب حق واستعمال وثائق إدارية مزورة والمشاركة في التزوير والحصول على شهادة إدارية بدون موجب حق والارتشاء.