سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
أوعياش: يجب تدبير السياسة الفلاحية بنوع من المرونة التي تستحضر تقلبات الأسواق رئيس « كومادير» قال للمساء إن ما يخشاه هو أن يبني المغرب اقتصاده الفلاحي على التصدير
في ظل التقلبات التي تعرفها أسعار المنتوجات الفلاحية، خاصة الاستراتيجية منها في السوق الدولية، وعدم استقرار الإنتاج في المغرب، يطرح بإلحاح سؤال الأمن الغذائي، الذي يمكن أن يفضي عدم تحقيقه إلى كلفة كبيرة جراء الارتهان إلى السوق الخارجية. و في هذا الحوار مع أحمد أوعياش، رئيس الكونفدرالية المغربية للفلاحة والتنمية القروية، نحاول الإحاطة بشروط الأمن الغذائي وشروط تحقيق التوازن بين الاستجابة للطلب الداخلي والتصدير. - في ظل التقلبات التي تعرفها أسعار المنتوجات الفلاحية في السوق الدولية تطرح بإلحاح مسألة الأمن الغذائي في العديد من البلدان إلى درجة أن منظمة الأممالمتحدة للأغذية والزراعة أبدت تخوفات مما أسمته اللاأمن الغذائي. كيف تقاربون مسألة الأمن الغذائي في المغرب؟ الأمن الغذائي يعني توفير المنتوجات الغذائية بكمية كافية وبجودة عالية لتلبية حاجيات الساكنة، التي انتقل تعدادها منذ الاستقلال إلى اليوم من 10 ملايين إلى أكثر من 30 مليون نسمة. وأتصور أن الأمن الغذائي يفترض أن يتم التركيز على المواد الأساسية، التي تتمثل أساسا في الحبوب والحليب واللحوم الحمراء والزيوت والسكر، إضافة إلى بعض الخضر والفواكه. ونحن نرى أن المغرب اختار سبيل الفلاحة خلافا لبعض البلدان في شمال إفريقيا مثلا، وهذا توجه سار عليه منذ الاستقلال، وهذا ما تجلى عبر سياسة السدود والاستثمارات الكبيرة التي انصبت على البنيات التحتية الفلاحية والمخططات أبرزها مخطط الحليب ومخطط السكر، الذي أرادت من ورائه السلطات العمومية تلبية كامل الحاجيات الوطنية في نهاية الثمانينيات، ومخطط الحبوب الذي حدد مستويات الإنتاج التي يتوجب الوصول إليها، والتي حددت في 60 مليون قنطار. ويمكن أن نقول إننا نجحنا في بلوغ الأهداف وأخفقنا في تحقيق أخرى. - ما هي الأهداف التي تم الإخفاق في بلوغها؟ أعني بذلك تغطية ما يمكن تغطيته من الحاجيات من تلك المواد الأساسية، فنحن نلاحظ أنه على مستوى الحليب واللحوم الحمراء تم الوصول إلى تغطية الطلب، الذي يعبر عنه السوق، وهنا يجب أن ندرك أن تلبية الطلب تختلف عن تلبية الحاجيات، التي تستند على معايير منظمة الصحة العالمية التي تلح على ضرورة توفر كميات من البروتينات يوميا، غير أن القدرة الشرائية للناس لا تمكنهم من ذلك. ويمكن أن نقول كذلك إننا نغطي الطلب من الخضر والفواكه. غير أننا نعتقد أن الإخفاقات كانت واضحة على مستوى الحبوب، التي لم نستطع تغطية الطلب منها، و ما فتئ العجز على مستوى الموفورات منها يتفاقم سنة بعد أخرى. نفس الأمر يمكن أن يقال بالنسبة للمنتوجات السكرية. ويجد ذلك العجز على مستوى الحبوب تفسيره في التساقطات المطرية غير المنتظمة، بالإضافة إلى عوامل أخرى، أما المنتوجات السكرية فيمكن أن نعتبر أننا تأخرنا قليلا بسبب المشاكل التي عرفها القطاع في الموسمين الأخيرين، خاصة في الغرب وبعض المناطق الأخرى. ويتجلى المشكل أكثر بالنسبة لزيوت المائدة التي نستورد منها 75 في المائة من الحاجيات، ونحن عندما نتحدث عن الأمن الغذائي، لا نعني بذلك الإنتاج فقط، بل توفير حاجيات المواطنين بالكمية والجودة الواجبة مع مراعاة قدرتهم الشرائية. هاته الوضعية الحرجة، التي نعيشها في ظل التقلبات المناخية، سوف تدفعنا، للأسف، للجوء أكثر إلى الأسواق الخارجية التي تتميز بالتقلبات الكبيرة التي تعرفها الأسعار. - هناك من يعتبر أن سبب المشاكل التي قد يعاني منها المغرب على مستوى أمنه الغذائي يكمن في اعتماده على سياسة للعرض على مستوى المنتوجات الأساسية دون أن يراعي تطورات الطلب في المستقبل؟ الطلب في المغرب، كما في بلدان أخرى، جد متطور. والطلب رهين بالقدرة الشرائية ودخل المستهلك. ونحن نلاحظ أنه في بعض البلدان يتم خلق ما يسمى خلايا لليقظة تتولى رصد وضعية الطلب من أجل مواكبته على مستوى الإنتاج. ويجب أن نشير إلى أنه عندما تتطور العادات الاستهلاكية للناس وتتحسن دخولهم يسعون إلى المنتوجات التي تتوفر على جودة عالية، وهذا ما يتجلى على مستوى مشتقات الحليب والدقيق. وأتصور أن الخلل بين العرض والطلب لا يجب أن يظل مستقرا، خاصة على مستوى المنتوجات الأساسية. وبالتحديد فيما يتعلق بالحبوب والسكر. - يبدو أن المغرب عول كثيرا على السوق الخارجي من أجل تلبية جزء من الطلب الداخلي على المنتوجات الأساسية، غير أنه مع الارتفاع الذي عرفته أسعار بعض المنتوجات في السوق الدولية، بما لذلك على ميزان الأداءات، تجلى، حسب بعض التحليلات، أن الثقة في السوق الدولية لم تكن في محلها تختلف وجهات النظر حسب المدارس، غير أن الخطأ قد يكمن في التفاؤل الأعمى في التعاطي مع بعض الأمور، فالكل يلاحظ التغيرات التي تطال الأسواق والاستهلاك والاقتصاد بشكل عام. ففي البداية كانت للفلاحة وظيفة تقليدية تتمثل في توفير الغذاء، أما اليوم فقد ّأصبحت مصدرا للطاقة المتجددة من بعض المنتوجات الفلاحية، وهو توجه مافتئ يتأكد مع ارتفاع سعر البترول في السوق الدولية. وهذا ما يفضي إلى نوع من التوتر في الأسواق. وثمة تأثير آخر، مرتبط بصناديق الاستثمار، خاصة الأمريكية، التي يقوم تدخلها على المضاربة. وهذا يفضي إلى ارتفاع مهول في الأسعار. وثمة بعض الأشياء التي لا يتحكم فيها المغرب، مثل الكوارث الطبيعية والأحداث السياسية التي تؤثر على أداء سوق المنتوجات الفلاحية في العالم. نحن نرى أن المغرب قام بطلب عروض من أجل استيراد القمح الأمريكي لم يستجب له. وهذا يدفعني إلى الاعتقاد بضرورة مراجعة السياسة المنتهجة، واستحضار التطورات والتقلبات التي عرفناها في السنوات الأخيرة. - في العديد من المناطق يلاحظ أن المغرب يتحول إلى الزراعات البديلة على حساب بعض الزراعات المعاشية التي ترتبط بالقوت اليومي. أعتبر أنه يجب التحكم في السياسة الفلاحية في المغرب، وأتصور أن الحبوب إذا تم التعاطي معها بطرق علمية وتقنية وكان الإنتاج وفيرا. يمكن أن نقول إنها ذات مردودية، وهذا هو الهدف الذي نسعى إليه. وما أخشاه هو أن نبني الاقتصاد الفلاحي على التصدير لأن المشاكل تلوح في الأفق. لنأخذ زيت الزيتون الذي تجاوزنا أهداف المخطط الخاص به، حتى قبل أن يبدأ، غير أن العديد من المنتجين لم يجدوا أسواقا لمنتوجاتهم لأن العرض في الأسواق كبير والمنافسة شرسة، وأنا عندما أقول هذا الكلام لا أريد أن أثني الناس عن الاستثمار في ذلك القطاع أو غيره من القطاعات، بل يجب أن نواصل ما شرعنا فيه، فالحرب شرسة وقد نخسرها حتى في بلدنا وفي الخارج إذا لم نكن حذرين. ولنأخذ مثال البرتقال الذي نصدر حوالي 60 في المائة لبلد واحد، ما الذي سيحدث إذا توقف الاستيراد إلى ذلك البلد؟ نحن نرى أن الاتفاق الفلاحي مع الاتحاد الأوروبي يواجه معارضة من قبل بعض الأوساط الأوروبية لاعتبارات سياسية، ناهيك عن الصعوبات التي يواجهها اتفاق التبادل الحر مع الولاياتالمتحدة.وأنا ألح على ضرورة الحفاظ على التوازن بين المواد المنتجة للسوق الداخلي والتصدير، ويجب تدبير السياسة الفلاحية بنوع من المرونة التي تستحضر تقلبات الأسواق والنزوع الاستهلاكي للناس، وهذا ما يستدعي نوعا من الشراكة بين الخواض والسلطات العمومية التي لا يمكن أن تتخذ القرارات دون إشراك المهنيين. ويجب أن يسترشد الجميع برؤية واضحة قابلة للتطور تبعا للتغيرات التي يعرفها القطاع الفلاحي. - تحدثتم عن القدرة الشرائية في ظل ارتفاع أسعار بعض المواد، التي أصبحت توجه للتصدير مثل زيت الزيتون. إلى أي حد يمكن أن توجه هذه المواد للتصدير دون أن تكف عن تلبية الطلب الداخلي بأسعار مناسبة؟ الثمن هو نتيجة العرض والطلب. كي نستجيب لهاجس التوازن بين التصدير وتلبية السوق الداخلي، يفترض الاشتغال على مستويين: تقوية الاستهلاك والإنتاج ودعم المستهلك من خلال الأداة الضريبية، عبر العمل مثلا بالضريبة على القيمة المضافة الاجتماعية بالنسبة لبعض المواد ومساعدة المنتج حتى يتمكن من توفير مادة بوفرة وبأسعار قارة ومجزية، وهذا يمكن الوصول إليه إذا ما توفرت الإرادة السياسية وتم التخلص من التردد الذي يميز التعاطي مع بعض الإصلاحات. فنحن نلاحظ أن أسعار بعض المواد لم تتحسن أسعارها منذ سنوات مثل الخبز والسكر. إن من ينتجون الدقيق والسكر هم الفلاحون الصغار، وهم الذين يوفرون لنا القوت اليومي، حيث إن تحسين دخل الفلاح الصغير يوجد في صلب الأمن الغذائي، فنسبة 80 في المائة من الحليب تأتي من الضيعات الصغيرة، و90 في المائة من الضيعات التي توفر لنا السكر لا تتجاوز مساحتها هكتارا ونصف هكتار. لا بد من سياسة شجاعة تحسن دخل الفلاح وتنمي العالم القروي، عبر إعادة النظر في أسعار بعض المواد، والعمل على الاستجابة لحاجيات المستهلك من المنتوجات ذات الفوائد العالية على مستوى التغذية. - تتحدثون عن عائق الأسعار، لكن ثمة من يتحدث عن دور المضاربين والوسطاء. لنأخذ الدقيق أو الحبوب لا يمكن أن ينكر أحد أنها تعرف بعض المشاكل عند التسويق. وحتى المطاحن التي يشار إليها في بعض الأحيان بالأصابع، تؤكد على أنه يجب الابتعاد عن الدقيق الوطني المدعم وإسناد تدبيره لجهاز آخر. يجب أن تكون هناك مراجعة جذرية لطريقة تدبير هاته المادة ولا يمكن لشخص واحد أن يتولى هذا الأمر، بل لا بد من إشراك المهنيين. وأنت ترى أنه تقرر ألا تفتح الحدود أمام استيراد الحبوب إلا في نهاية دجنبر، نتيجة ارتفاع المحصول من تلك المادة، غير أنه بدون إشراك المهنيين فتح الباب أمام الاستيراد، ونحن اطلعنا على هذا الخبر عبر وسائل الإعلام. ولا نعرف ما الذي سيحدث بعد نهاية دجنبر، ونحن لا نعلم الإجراءات التي تواكب الاستيراد في السوق الدولية.نعتقد أن تدبير هذا الملف يستدعي مراعاة أمرين اثنين: حماية الإنتاج الوطني من الحبوب وأن تكون للمهنيين رؤية واضحة حول نوايا السلطات العمومية، خاصة في ظل التقلبات التي تعرفها الأسعار في السوق الدولية، فأنت ترى أن أسعار الحبوب تراجعت في الآونة الأخيرة في السوق الدولية، لكنها يمكن أن ترتفع في أي لحظة. - ما هي الإصلاحات التي يفترض فيها إعادة تصويب السياسة الفلاحية في المغرب من أجل الوصول إلى الأمن الغذائي؟ كل مشروع يراد تطبيقه بشكل سليم يجب أن تواكبه دراسات وخلايا للتفكير من أجل إعادة تصويب بعض السياسات، لأن لا أحد يمكنه أن يزعم أنه مستودع للرؤية الواضحة والرأي السديد. فلا أحد كان يتوقع الهزات التي عرفها الاقتصاد العالمي في السنوات الأخيرة، بل إن الأزمة ما فتئت تتفاقم، وطالت بلدان كنا نعتقد أنها بمنأى عنها. صحيح أن العديد من الثغرات شرع في سدها مع المخطط، لكن يفترض مراجعة التدبير. لنعد إلى الحبوب التي تطرح بقوة، تتمثل المعادلة في أن 75 في المائة من الحبوب ينتجها الفلاحون الصغار والمناطق المهمشة، لذلك نتخوف من فتح الحدود بطريقة عشوائية، كما حدث في سنة 1996، مما سيفضي إلى إفلاس البعض وإثارة العديد من المشاكل الاقتصادية والسياسية. ومهنيو القطاع يتعهدون بشراء المنتوج الوطني، مما يفرض أن تبحث السلطات العمومية مع المهنيين الطريقة التي يمكن بها تفعيل ذلك، حيث إنه إذا اتضح مسار التسويق عبر القنوات الرسمية، يمكن فتح الحدود أمام الاستيراد، خاصة أنه لا يمكن للمغرب أن يغطي حاجياته بالمحصول المحلي. بالإضافة إلى ذلك يجب ألا يظل سعر بعض المنتوجات، مثل الخبز، محددا لعقود. وفي إطار الدستور الجديد، يفترض البحث عن نوع من التوازنات الاقتصادية والاجتماعية، فأنا أعتبر أن من يجني الأرباح يجب أن يؤدي ضرائب، أيا كانت طبيعة نشاطه، ولا يعقل أن يبذل الغني والفقير نفس السعر من أجل الخبز المدعم. كما أن التماسك الاجتماعي لا يمكن أن يتحقق بالتهرب من المسؤولية. - يُفترض أن يشرع القطاع الفلاحي في الوفاء بالضريبة على المداخيل الفلاحية في 2013. هل الفلاحون مستعدون لذلك؟ موقفي الشخصي هو أنه في إطار التضامن الاجتماعي والعدالة، يتوجب على كل من يجني أموالا من نشاط ما أن يؤدي الضريبة، والجميع يعلم أن تعليق شمول القطاع الفلاحي بالضريبة جاء في ظروف خاصة في الثمانينيات، وسيستمر العمل به إلى غاية 2013. غير أن الخطاب الملكي، الذي حدد سنة 2013 أفقا لمساهمة القطاع الفلاحي المجهود الجبائي، كان قد ألح على وضع منظومة للجبايات تدرس فيها الضريبة الفلاحية والإعانات التي ستواكب ذلك مع الحفاظ على تنافسية الفلاحة المغربية في الأسواق الخارجية. وأتصور أنه من يجني أموالا من الفلاحة يتوجب عليه أن يؤدي الضريبة، خاصة أن جزءا من الأموال التي تكون مصدرها أنشطة فلاحية لا تعود إلى البوادي، بل تستثمر في المدن. يجب أن تكون ثمة ضريبة تستحضر مطلب تنافسية القطاع ومردودية بعض الفلاحات ولا تستبعد البعد الجهوي. لنفترض أنه طبقت المعايير الحالية، التي تسري على المقاولات الصغيرة في القطاعات الأخرى في المغرب، فلن تخضع سوى ما بين 5و7 في المائة للضريبة. في نفس الوقت نحن لا نعارض اقتراب الحد الأدنى للأجر في القطاع الفلاحي من الحد الأدنى العادي، لكن يجب استحضار الجهود المضنية التي يبذلها العامل في القطاع الفلاحي، ويفترض في الدولة أن تستحضر كذلك موسمية العمل في القطاع.