يعتبر أحمد أوعياش، رئيس الكونفدرالية المغربية للفلاحة والتنمية القروية « كومادير» أن السوق الأمريكية تمثل المستقبل بالنسبة للمنتوجات الفلاحية الطرية و منتوجات الصناعة الغذائية المغربية، ويدعو، في هذا الحوار، إلى التعاطي مع تلك السوق بشكل يختلف عن السوق الأوروبية، إذ يؤكد أنه لا يمكن دخولها سوى عبرالالتزام بالتزويد القار و الدائم لها وبتوفير كميات في مستوى الطلب الذي تعبر عنه، و بالاستناد على اللوبيات التي لا يمكن الالتفاف عليها في الولاياتالمتحدةالأمريكية. - السيد أحمد أوعياش، في البداية نود أن تحدثنا عن قراءتكم لحصيلة تطبيق اتفاق التبادل الحر بين المغرب والولاياتالمتحدةالأمريكية، في الشق المتعلق بصادرات المنتوجات الفلاحية ومنتوجات الصناعة الغذائية، هل كانت النتائج المتوصل إليها في مستوى الانتظارات؟ يجب أن ننبه إلى أن هذا الاتفاق مازال حديثا، فقد وقع في 2004 ودخل حيز التنفيذ في 2006. لكن إذا أردنا القيام بتقييم أولي، يمكننا أن نقول إن الحصيلة كانت أقل من الانتظارات في الجانب الخاص بالمنتوجات الفلاحية الصناعية أو منتوجات الصناعة الغذائية، إذ يتضح أن المستفيد الأكبر من الاتفاق على هذا المستوى هو الولاياتالمتحدة، فنحن استوردنا منها ما قيمته في المتوسط ستة ملايير درهم من المنتوجات الفلاحية، بينما لا تتعدى صادراتنا إليها نصف مليار درهم. بطبيعة الحال لهذه الوضعية أسباب، فقد دفع الجفاف المغرب إلى استيراد القمح من ذلك البلد، بالإضافة إلى منتوجات أخرى، غير أنه يجب أن نعترف أن صادراتنا إلى تلك السوق كانت دون التوقعات، بالنظر للصعوبات التي تعتري عملية ولوجها، فهي تفرض مجموعة من القواعد والمعايير تختلف بشكل كبير عن تلك التي ألفناها في السوق الأوروبية الشريك الرئيسي والتقليدي للمغرب. هذا يجعل حضور المنتوجات الفلاحية المغربية خجولا في تلك السوق، مما أفضى إلى خلل في الميزان التجاري بين البلدين. - ما هي في تصوركم أسباب هذا الخلل، هل تنحصر فقط في ما أشرت إليه من صرامة على مستوى القواعد ومعايير الولوج؟ في تصوري هناك مشكل اللغة، فالعديد من الفاعلين لا يتقنون اللغة الأمريكية، واللغة هي وعاء للثقافة الأمريكية، التي تختلف عن الثقافة الأوروبية، وخاصة الفرنسية، التي ارتبطنا بها كثيرا، والثقافة في معناها الواسع تتيح لك إدراك أذواق الناس وميولاتهم. بالإضافة إلى ذلك، هناك ما أشرت إليه من حرص على احترام المعايير الصارمة، خاصة الصحية منها. ولابد أن نستحضر عند التعاطي مع السوق الأمريكية أنها سوق كبيرة جدا، مما يعني أن المستوردين فيها، يحرصون على الحصول على ضمانات بأن المنتوج الملتزم بتصديره سوف يتم توفيره بالكميات المطلوبة وبصفة دائمة. وهذا لا يمكن أن يتم، في تقديري، إلا عبر تكتلات للمصدرين الكبار الذين يمكنهم اقتحام السوق الأمريكية. علما أن هاته الأخيرة ليس من السهل العمل فيها، على اعتبار أن ثمة لوبيات قوية، أمريكية وأجنبية، والتي تتحكم في الاستيراد، وتستعمل جميع الأسلحة من أجل التحكم في السوق، بل إن تلك اللوبيات لجأت إلى بلدان أخرى، حيث استثمرت فيها كي توفر المنتوجات التي تحتاجها السوق الأمريكية - لكن هناك من يعتبر أن العرض المغربي غير متوفر بالحجم الذي يلبي انتظارات السوق الأمريكية، فهم يرون أن المشكل يكمن، كذلك، في عدم تنويع العرض من المنتوجات التي يصدرها المغرب..؟ بخلاف السوق الأوروبية التي يمكن التعامل فيها مع فاعلين بشكل مباشر، يحرص الأمريكيون على أن يتم تزويد سوقهم بالمنتوجات بصفة دائمة وقارة، وفي الحالة الراهنة نحن غير قادرين على التعاطي مع انتظارات السوق الأمريكية، لكن هذا لا يجب أن يثنينا عن السعي نحو اقتحامها، وهذا ما يفترض أن يتحقق خلال عشر سنوات، علما أننا نصدر المنتوجات الطرية، في ظل ضعف المتوفر من المنتوجات المحولة، التي يمكن أن يتعود عليها المستهلك الأمريكي. وما يجب أن يتفاداه المغرب، هو ذلك السلوك الذي يجعل التوجه إلى الولاياتالمتحدة كسوق تعويضية بسبب ضيق المنافذ في السوق الأوروبية التي اشتدت فيها المنافسة. وأنا أعتبر أن اقتحام السوق الأمريكية يجب أن يتم عبر التعاطي مع لوبيات وخلق خلية يقظة تعنى بتلك السوق، فنحن لا نتوفر على دراسة دقيقة حول تلك السوق، وهي دراسة يجب أن تكون دينامية وترصد بشكل دائم مع تحولات السوق. فمثل تلك الدراسات سوف يوفر لنا رؤية واضحة عن انتظارات تلك السوق وميولات وأذواق المستهلكين فيها. - هناك مصدرون مغاربة يلجون السوق الأمريكية عبر شركات توزيع، لكن ثمة من المصدرين من يعتبر أن شركات التوزيع تلك تطلب هوامش ربح كبيرة.. في ظل ارتفاع تكلفة اللوجستيك؟ اعتدت التردد على الولاياتالمتحدةالأمريكية منذ خمس سنوات، حيث أقضي بها شهرا في السنة، وقد لاحظت غياب المنتوجات المغربية الفلاحية الطرية والمحولة، بل إن المنتوجات الأوروبية ذاتها غير متوفرة بشكل كبير في تلك السوق، فأنت لا تصادف سوى المنتوجات القادمة من أمريكا الجنوبية.. أنا أعتبر أن التغلب على هوامش الربح يتم عبر توفير المنتوج بكميات كبيرة، وبذلك تتمكن من الحفاظ على مكانتك في السوق، رغم تقلص هوامش الربح.. لكن الأساسي في تقديري يتمثل في العمل على ربط صلات مع فاعلين أمريكيين في القطاع الفلاحي، لأنني أومن بأن الأمريكيين هم الذين يمكنهم إدخال المنتوج المغربي إلى بلدهم، فالقاطرة يجب أن تكون أمريكية.. غير أننا يجب أن نكون في مستوى التزويد المستمر والقار للسوق حتى لا نفقدها. - وزير الفلاحة قدم المخطط الأخضر في الأسبوع الفارط بالولاياتالمتحدة، ودعا المستثمرين الأمريكيين إلى الاستثمار في المغرب. ما هي في تصوركم شروط ذلك؟ لابد أن أشير إلى أن الجولات التي يقوم بها وزير الفلاحة والصيد البحري مهمة، وقد سبق لي أن رافقته إلى أمريكا اللاتينية وأستراليا، حيث كانت النتائج أكبر من التوقعات. وهو لا يجانب الصواب عندما يدعو الأمريكيين إلى الاستثمار في بلدنا، ولا يعني الاستثمار فقط توفير الأراضي للمستثمرين، بل يمكن أن يتخذ شكل مساعدة المغرب على فتح الأسواق الصعبة وتجاوز حاجز اللغة والثقافة والمعايير الصارمة، سيما وأن المغرب يوفر منتوجات ذات جودة عالية. إذن زيارة وزير الفلاحة مهمة، ويجب أن تعقبها زيارات أخرى، لكن ما يجب التركيز عليه أكثر هو تكوين خلية يقظة، تشتغل كما لو كانت مكتبا، تعنى فقط بالسوق الأمريكية، التي تمثل المستقبل بالنسبة لنا، خاصة أن الأزمة الأخيرة في أوروبا دفعت المستهلك المنحدر من تلك المنطقة إلى تغيير وتعديل عاداته الاستهلاكية، وبالتالي قد يولي وجهه عن المنتوج المغربي. - لكن العديد من المهنيين يلحون على ضرورة توفير الدعم لمن يسعون إلى فتح السوق الأمريكية، على غرار ما تقوم به بلدان منافسة.. يجب أن يلتحق المهنيون بالركب، لكن الدولة لا تدعم بالشكل التي يتوقع المهنيون، خصوصا إذا كان ذاك الدعم ذا تأثير إيجابي، بسبب ضعف الموارد التي تتوفر عليها، وأنا أتصور أن الدعم يجب أن يكون مقننا، مبنيا على دراسات تراعي الجدوى. ويجب أن نشير إلى أن المخطط الأخضر، وفر الكثير من الإمكانيات للصناعات الغذائية، خاصة أن البحث عن قيمة مضافة للمنتوج في التصور الجديد يأتي عبر التحويل، الذي يخول التوفر على علامة تميزه، مما يسهل التسويق. - هناك من الخبراء الأمريكان من يشدد على أنه يفترض من أجل ولوج السوق الأمريكية الاستثمار أكثر في الإشهار والترويج. كيف تقيمون دور « مغرب تصدير» في الترويج للمنتوج المغربي في تلك السوق، علما أن « مغرب تصدير» قاد مؤخرا عملية لعرض المنتوج المغربي في سلسلة متاجر أمريكية كبيرة وعقد اتفاقا مع جماعة ضغط أمريكية من أجل الدفاع عن المنتوج المغربي؟ هناك تحسن على مستوى الترويج والإشهار، غير أن ذلك غير كاف، إذ يجب الاستناد على لوبيات قوية، فبدون ذلك، تكون كل عملية إشهار أو ترويج غير ذات جدوى، وأتصور أنه يفترض في « مغرب تصدير» أن يسترشد في مجال الإشهار والترويج بشركات متخصصة في السوق الأمريكية التي لا تشبه السوق الأوروبية.. وأنا أعتبر أن هاته العملية تتجاوز إمكانيات « مغرب تصدير» لوحده بسبب كبر السوق الأمريكية، مما يقتضي انخراط المهنيين فيها. وعموما يجب عند الرغبة في ولوج السوق الأمريكية استغلال كل القنوات المتاحة، بما في ذلك العلاقات الشخصية المؤثرة وبعض التظاهرات الرياضية والسياحية. - على مستوى الكونفدرالية المغربية للفلاحة والتنمية القروية التي تتولون رئاستها، هل لديكم استراتيجية تجاه السوق الأمريكية؟ نحن نعمل كمجموعة من الفيدراليات، لدينا تنظيم محكم في جميع القطاعات، لكن القطاع الأقل تنظيما هو ذاك الذي يعنى بالخضر والفواكه، وهذا مؤسف، لأنه قطاع تخترقه بعض الخلافات الشخصية وتضارب المصالح، ففيدرالية هذا القطاع هي الوحيدة التي بذلنا الكثير من الجهد من أجل إخراجها إلى الوجود، لكننا لم نفلح. وقد سعت معنا وزارة الفلاحة والصيد البحري إلى تنظيم هذه السلسلة، لكننا نجد أنفسنا في مواجهة لوبيات قوية، فالكثيرون لهم مصلحة في عدم تحقق هدف تنظيم تلك السلسلة، حتى يظل الفلاح الصغير صغيرا، ويستمر المضاربون عبر أربع أو خمس مجموعات في التحكم في السوق. وهذا جد مؤسف.