حضور خجول للمنتوجات الفلاحية الطرية ومنتوجات الصناعة الغذائية المغربية في سوق الولاياتالمتحدةالأمريكية، بعد أربع سنوات من تطبيق اتفاق التبادل الحر الذي يربط البلدين، فبالكاد استطاع حوالي خمسة عشر منتوجا أن يجد له مكانا في رفوف المتجر الرئيسي «فود إمبريوم» بقلب مانهاتن بنيويورك، لكن يبدو أنه في الأيام القليلة الماضية، تم الإعلان عن طموح كبير لعرض أكبر عدد من تلك المنتوجات في متاجر تلك السلسلة، فقد قامت هاته الأخيرة بتخصيص رواق في قلب متجرها الرئيسي لعرض 170 من المنتوجات الفلاحية الطرية والمنتوجات الغذائية الصناعية.. حيث بدا الحضور المغربي في تلك العملية الترويجية التي تمت بشراكة مع « مغرب تصدير» واعدا، عبر الكلمنتين والزعفران وزيت الزيتون والأركان والكسكس ومصبرات السردين... تلك منتوجات أدخلت السرور على قلب طباخ مغربي، كان يضطر كي يعد أطباقا مغربية إلى استعمال منتوجات آتية من بلدان أخرى. لكن ماهي الاستراتيجية التي ينتهجها المغرب في سعيه إلى إدخال المنتوجات الفلاحية الطرية ومنتوجات الصناعة الغذائية إلى السوق الأمريكية؟
البحث عن اقتحام السوق
يعتبر سعد بنعبد الله، مدير عام «مغرب تصدير» أنه يفترض بالنظر لطبيعة السوق الأمريكية، اعتماد استراتيجية شرسة لكسب ثقة شركات التوزيع التي تتميز بمعرفتها الدقيقة بتلك السوق التي تعرف منافسة شرسة، وذلك بالموازاة مع المشاركة في المعارض وتنظيم اللقاءات الثنائية، التي تمد الجسور بين المنتجين والمصدرين المغاربة والمستوردين الأمريكان، وتنظيم عمليات التواصل حول العرض المغربي.. لكن تجلى عبر الحضور المغربي في المعرض الدولي للمنتوجات الغذائية «فانسي فود» الذي شهدته نيويورك في يونيو الماضي، أن بعض الفاعلين المغاربة لم ينتظروا أن تنفتح شبكات التوزيع الأمريكية بشكل كبير، كما في العملية الأخيرة، على منتوجات الصناعة الغذائية المغربية، بل بادروا إلى البحث عن شراكات مع موزعين أمريكيين، كي يقتحموا السوق الأمريكية، فكريم كربيد، مدير عام شركة المصبرات والزيوت وحبوب الصناعة بمكناس، يشدد على أن شركته تصدر ما بين 2000 و3000 طن من زيت الزيتون إلى السوق الأمريكية التي تستهلك 300 ألف طن.. ويشدد على أنه خلافا للسوق الإسبانية والإيطالية التي تطلب الزيتون الخام، فإن السوق الأمريكية تستوعب الزيوت المحولة.. لكن كيف استطاعت الشركة ولوج السوق الأمريكية؟ يؤكد أن ذلك تأتى بفضل خلق قاعدة هناك مع شركة توزيع أمريكية، اقتنعت بجودة المنتوج المغربي وبأسعاره التنافسية.. لكن إذا كانت مجموعات تصديرية كبيرة تتوفر على القدرة للتعاطي، بشكل مباشر، مع السوق الأمريكية بإمكانياتها الخاصة في بعض الأحيان، فإن العديد من الشركات التي تمثل الصناعات الخاصة بتحويل المنتوجات الفلاحية والسمكية أبدت رغبتها في التصدير إلى الولاياتالمتحدة، غير أنه في سبيل بلوغ ذلك الهدف يتوجب عليها التغلب على بعض الصعوبات من أجل كسب ثقة المستورد الأمريكي، خاصة في الجانب المتصل بمعايير الجودة والسلامة. ويشكو المنتجون المغاربة من غياب الدعم الذي يفترض أن تخصهم به السلطات العمومية من أجل الولوج إلى السوق الأمريكية على غرار بلدان منافسة تستفيد شركاتها من الدعم الذي يخول لها خفض تكاليف دخول السوق، خاصة أن العديد من المصدرين يرون أن تكاليف النقل البحري والجوي مرتفعة، ناهيك عن تقلص هوامش الربح في ظل الارتهان لموزع محلي، فهامش «فود إمبريوم» من عرض المنتوجات المغربية يتراوح بين 40 و50 في المائة.
الانفتاح على شبكات التوزيع
خلال معرض الفلاحة الدولي الأخير بمكناس، تصدى خبير أمريكي لتحديد بعض القنوات التي يمكن عبرها إيصال المنتوج المغربي إلى السوق الأمريكية، ضاربا المثل بتجارب بعض البلدان من قبيل الشيلي والتايلاند وتونس والأردن، التي تمكنت من التعامل مع انتظارات السوق الأمريكية والتجاوب مع أذواق الأمريكيين. وفي سبيل ربح حصص في السوق الأمريكية التي تعرف تنافسية شرسة، من قبل الشركات المغربية العاملة في مجال المنتوجات الغذائية، يتوجب، في تصور ذلك الخبير الأمريكي، الحرص على التعرف على أذواق المستهلكين الأمريكيين، والتركيز على التجديد، غير أنه شدد أكثر على ضرورة التعريف بمصدر المنتوجات وخصائصها ومميزاتها وحجمها ومذاقها. غير أن الخبير أوصى أكثر بضرورة الاستثمار في الإشهار في سوق يعرف تقلبات على مستوى هوامش أرباح، حيث يفترض استغلال جميع الفضاءات التي تخول تقريب المنتوج من المستهلك.. تقريب المنتوج من المستهلك ذلك مع رمت إليه التجربة الأخيرة التي خاضها «مغرب تصدير» مع «فود إمبريوم».. التي اقتنت المنتوجات المعروضة بحوالي 280 مليون دولار، وباعت 60 في المائة من المنتوجات المعروضة في الأيام الأولى في المتجر الرئيسي.. وهذا ما سيدفع السلسلة التي تتوفر على 450 متجرا عبر التراب الأمريكي إلى اختيار 70 في المائة من المنتوجات المعروضة في 16 من المتاجر التابعة لها بنيويورك كي تعرض بصفة دائمة في بقية متاجرها.. تلك عملية جاءت ثمرة اتفاق بين «مغرب تصدير» و«فود إمبريوم» على هامش مغرب «فانسي فود» العالمي ، حيث تأتى ذلك بعد مفاوضات أعقبها تنقل مسؤولي العلامة الأمريكية إلى المغرب من أجل الوقوف على الأساليب التي ينهجها المغاربة في الإنتاج وتوفير المنتوج للتصدير.. تلك عملية يعتبرها مسؤولو «مغرب تصدير» ناجحة، الشيء الذي أوحى إليهم بالدخول في مفاوضات مع شبكة توزيع أمريكية، وصلت إلى مراحل متقدمة، حيث يرتقب أن تفضي إلى عرض منتوجات مغربية في الساحل الغربي للولايات المتحدةالأمريكية.. تلك عملية تندرج ضمن الاستراتيجية التي ترى أنه نظرا لشساعة السوق الأمريكية، فإنه يفترض التركيز على أجزاء منها بشكل تدريجي، بغية كسب مستهلكين فيها.
الاستعانة بخدمات جماعات الضغط
لكن يبدو أن المغرب لن يكتفي بالتركيز على شركات التوزيع، بل يحاول استثمار الأسلوب الأكثر نجاعة في الولاياتالمتحدة المتمثل في التأثير، الذي يتم عبر جماعات الضغط التي لا يمكن الالتفاف عليها في الولاياتالمتحدةالأمريكية من أجل كسب رهان الجمهور.. هذا ما ترمي إليه الاتفاقية التي أبرمها «مغرب تصدير» مع جماعة الضغط الأمريكية «NAFST» َالتي تضم ثلاثة آلاف عضو في صفوفها، حيث تتوفر على موطئ قدم في المحلات التجارية الصغيرة والفضاءات التجارية الكبيرة على حد سواء.. وتستند الجماعة في دفاعها عن المنتوجات الغذائية المغربية على قاعدة معطيات دقيقة، تخول لها توجيه المحلات التجارية إلى السوق المغربية عندما تستجيب منتوجاتها لحاجياتها.. ذلك توجه يندرج ضمن استراتيجية تروم دخول السوق الأمريكية بقوة، وهو الأمر الذي لا يمكن أن يتم دون جماعات ضغط، التي تتجاوز في بعض الأحيان مضامين الاتفاقات.. فالأمريكيون مثلا ما فتئوا، يطالبون المغرب، عندما يطالب بتذليل الصعوبات أمام صادرات المنتوجات الفلاحية ومنتوجات الصناعة الغذائية، باستيراد القمح الأمريكي، علما أن المهنيين يؤكدون أنه بموجب اتفاق التبادل الحر لا يوجد أي مقتضي يفرض على التجار المغاربة شراء القمح الأمريكي، حيث تركت للتجار حرية الاستيراد من ذلك السوق، بعد أن يعبر المكتب الوطني للحبوب والقطاني عن طلب عروض حول الحصة المطلوب شراؤها من القمح الأمريكي، الذي يؤكد مهنيون أنه يتميز بارتفاع سعره وعدم استجابته للمواصفات المغربية.. مما يعني أن الأمريكيين يسعون إلى تسويق القمح عبر التأثير الذي تمارسه جماعات الضغط، التي يعتبر أحمد أوعياش، رئيس الكونفدرالية المغربية للفلاحة والتنمية القروية، أنه لا غنى عنها من أجل ولوج السوق الأمريكية التي تشهد منافسة شرسة بين الجماعات التي تستعمل جميع الوسائل المعلنة والسرية من أجل بلوغ أهدافها.
لوجستيك ومعايير
في الأسبوع الماضي، دعا وزير الفلاحة والصيد البحري، عزيز أخنوش، المستثمرين الأمريكيين الخواص للانخراط في مخطط المغرب الأخضر وانتهاز «الفرص الهائلة» التي يوفرها حاليا القطاع الفلاحي المغربي. زيارة الوزير للولايات المتحدة تزامنت مع عرض منتوجات الصناعة الغذائية في متاجر «فود أمبريوم»، لكن في نفس الأسبوع نظمت غرفة التجارة الأمريكية بالمغرب، ندوة حول نقل السلع بين الولاياتالمتحدة والمغرب.. فبينما يؤكد مسؤولون في وزارة الفلاحة والصيد البحري، أن شركاء في اللوجستيك الدولي، مستعدون لفتح خطوط في اتجاه الولاياتالمتحدةالأمريكية، يشددون على أن الفاعلين يجب أن يتوفروا على رؤية واضحة على مستوى الصادرات، وهذا ما يفترض أن تتم معالجته على مستوى قدرات الإنتاج، الذي تؤكد الوزارة على أنها منكبة على تنميته، عبر المخطط الأخضر، في سبيل بلوغ حجم يستجيب لانتظارات السوق الأمريكية.. غير أنه في انتظار تحقق ذلك، يشكو المهنيون من غياب خطوط مباشرة مع موانئ الولاياتالمتحدةالأمريكية، بسبب ضعف الكميات المتبادلة وموسمية سلع الصناعة الغذائية، مما يجعل متعذرا على الناقلين تخصيص خطوط مباشرة يمكن أن يتكبدوا بسببها خسائر كبيرة.. زيادة على ذلك يفترض في المصدرين المغاربة أن يسجلوا أنفسهم لدى إدارة الأدوية والأغذية الأمريكية التي يمكنها أن تسمح أو تمنع تسويق المنتوجات في السوق الأمريكية..ناهيك عن مجموعة من الإجراءات الدقيقة ذات الصلة بالمعايير الصحية..لكن في الوقت الذي يعتبر البعض أن تكاليف دخول السوق الأمريكية مرتفعة، يشير آخرون إلى أن الأمر له صلة بالتواصل الذي يفترض أن يقرب من المصدرين المغاربة التشريعات الأمريكية.