سهام إحولين أثار برنامج عن فلسطين، بثته القناة الفرنسية الثانية، مؤخرا، بعنوان «هل الدولة الفلسطينية ما زالت ممكنة؟» جدلا واسعا لدى الطائفة اليهودية الفرنسية، ذهبت إلى حد إرغام رئاسة القناة على مقابلة سفير إسرائيل في باريس وممثلي يهود فرنسا. وقال رئيس المجلس التمثيلي للهيآت اليهودية الفرنسية، ريشارد براسكيي، في رسالة مفتوحة إلى رئيس «فراس تلفزيون»، ريمي فليملان، إن هذا البرنامج «أثار غضب الجالية اليهودية ودهشة مريرة». واعتبر أن «فريق إعداد البرنامج قدّم نزاعا معقدا وصورة ساخرة وأحادية، مع تحريف الوقائع والاستهزاء بالخصم، مع إشارات من نوع نظريات المؤامرة المعادية للسامية». «إن أقل اعتذار سيُنظر إليه على أنه تنكّر لهيأة تحرير القناة وستكون نتائجه سيئة للغاية»، يحذر لوويك دو لا مورني، رئيس جمعية صحافيي «فرانس 2»، بعد خروجه من اجتماع عام، مؤكدا لمجلة «لوبوان»، الفرنسية، أنه «لم يتمَّ اقتراف أي خطأ يذكر في الوثائقي». وقد قدمت المجلة الوثائقية موضوع الجدل عددا من الأفلام الوثائقية مكرسة بالكامل للأراضي الفلسطينية، في الوقت الذي يعرف مجلس الأمن، التابع للأمم المتحدة، نقاشا بعد تقديم فلسطين طلباً للحصول على العضوية الكاملة في هذه المنظمة الأممية. ووفقا لرئيس تحرير البرنامج، باتريك بواتي، فإن الأمر يتعلق بتبيين العراقيل التي تحول دون الحصول على الاعتراف. وينقسم الفيلم الوثائقي إلى عدة أجزاء. وتتعلق القضية الأكثر حساسية فيه باللوبي المؤيد لإسرائيل في الولاياتالمتحدة. وفي هذا التحقيق، أظهر الصحافيان إستيل يوسوفا وكريستوف أوبير كيف أن المنظمات اليهودية والمسيحية المحافظة لها ثقل في السياسة الخارجية للولايات المتحدة، مما يسمح للدولة اليهودية أن تكون معفيّة من بعض قرارات الأممالمتحدة. أسبوعا بعد بث هذا الفيلم الوثائقي، قادت الجالية اليهودية الفرنسية حملة ضد القناة على شبكة الأنترنت وأنشأت مجموعة على الموقع الاجتماعي «فايسبوك» باسم «قاطعوا فرانس تلفزيون»، تطالب القناة ب«سحب هذا البرنامج وبتقديم اعتذار». متضمنة تهديدات لصحافيي برنامج «عين على هذا الكوكب»، الذي بث الوثائقي موضوع الجدل. وإضافة إلى رسائل من الشتائم والتهديدات الجسدية، تضيف مجلة «لوبوان»، تلقى المسؤولون عن «العين على هذا الكوكب» العديد من رسائل الدعم من عدد من اليهود الفرنسيين الذين يشددون على أن ما يقوم به المجلس التمثيلي للهيآت اليهودية الفرنسية (FIRC) يضرّ بهم وعلى كون هذه المنظمة لا تمثل إلا نفسها. ومن جانبه، تساءل رئيس جمعية صحافيي «فرانس 2» عن السبب الذي دفع المجلس التمثيلي للهيآت اليهودية الفرنسية (FIRC) وليس السفارة الإسرائيلية، للقيام برد الفعل في حين أن الموضوع يتعلق بفلسطين. «أنا الذي قمت برد الفعل، لأن العديد من الأشخاص في الجالية اليهودية أصيبوا بصدمة»، يجيب ريتشارد براسكيي، رئيس المجلس التمثيلي، مضيفا: «إن عرض برنامج مماثل هو أمر غير مسؤول، لأنه قد يؤدي إلى خطر قيام أعمال عنف ضد اليهود في فرنسا». ويشار إلى أنه يوجد في فرنسا لوبي قوي مناصر لإسرائيل، يمارس نفوذه وتأثيره في الدوائر الإعلامية خاصة. وقد بلغت القوة الإعلامية للوبي اليهودي في فرنسا إلى الحد الذي يستطيع معها أن يتلاعب بالرأي العامّ على «هواه» وحسب ما يتراءى له. وتُهيمن الصهيونية على غالبية متخذي القرار السياسيين في أجهزة الإعلام والتلفزيون والإذاعة والصحافة المكتوبة، سواء في الصحف اليومية أو الأسبوعية، وفي السينما، وخاصة مع غزو هوليوود لها، وحتى في دور النشر (عن طريق لجن القراءة، حيث يتسنى لها فرض الفيتو) وكذلك في قطاع الإعلانات، «الوصي» المالي على وسائط الإعلام. ولقد دأب اللوبي اليهودي على مهاجمة كل من تُسول له نفسه التشكيك في «العقائد» التي تضع إسرائيل «فوق» كل قانون دولي. جدير بالذكر أن عددا من الدول الأوربية والغربية، وعلى رأسها فرنسا وألمانيا إضافة إلى أستراليا، تُجرِّم من يشكك في المحرقة، بل وتتخذ إجراءات مُشدَّدة ضدهم، في الوقت الذي يسمحون بالتطاول على الأنبياء والرسل والأديان، وتحديدا الإسلام، تحت زعم حرية الرأي والتعبير. ومن جهة أخرى، أُعلِن، أول أمس الثلاثاء، أن رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس، يعتزم القيام بزيارة فرنسا، يوم الجمعة المقبل، لإجراء مباحثات مع الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي، تتناول طلب انضمام فلسطين إلى الأممالمتحدة. وذكرت مصادر دبلوماسية أنه من المقرر أن تتضمن المحادثات، أيضا، الجهود المبذولة لاستئناف محادثات السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين. وكان رئيس السلطة الفلسطينية قد تقدم رسميا، في شتنبر الأخير، بطلب حصول فلسطين على العضوية الكاملة في منظمة الأممالمتحدة، لكن الطلب لم يحصل، حتى الآن، على الأصوات التسعة اللازمة لطرحه للتصويت، إلا أن المصادر ألمحت إلى أن هذا الأمر بات قريبا. من جهتها، أعلنت الولاياتالمتحدةالأمريكية أنها ستستخدم حق النقض «الفيتو» في حال تم التصويت على الطلب الفلسطيني. وكان الرئيس الفرنسي قد حاول نزع فتيل الخلاف الذي يُلقي بظلاله في مجلس الأمن من خلال اقتراحه اللجوء إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة، الأمر الذي واجهته إسرائيل بالرفض. أما الرئيس عباس فقد ذكر أنه سيدرس الاقتراح الفرنسي أو يعتمد هذه الإستراتيجية بعد انتهاء مداولات مجلس الأمن. وتسعى فرنسا، أيضا، إلى بذل المزيد من الجهود لإعادة تنشيط وتوسيع محادثات السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين وإرجاعها إلى مسارها الصحيح، مُشكّكة، في الوقت نفسه، في قدرة اللجنة الرباعية حول الشرق الأوسط على «تحريك هذه المحادثات إلى الأمام».