بعد حدوث الإصابة بالمرض للمرة الأولى والمرور بكل فترات العلاج المضنية، يتحول الانتباه، عادة، نحو مسألة ما يمكن فعله لدرء حدوث إصابة ثانية به. ويشرع نحو ثلث الناجين من السرطان في تناول حبوب (مكملات) الفيتامينات والمعادن. فهل أن عليهم تناولها؟ توصي جمعية السرطان بتجنب تناول جرعات كبيرة من حبوب المكملات وباللجوء، بدل ذلك، إلى تناول حبوب الفيتامينات المتعددة بهدف ملء الفجوة الموجودة في التغذية، وهي الفجوة التي قد تحدث بسبب عدم اتباع نظام غذائي صحّي جيّد. كما تُبدي الجمعيات الأخرى المهتمة بالسرطان قلقَها في هذا المجال. حبوب الفيتامينات في دراسة نشرت في مجلة «كلينيكال أونكولوجي»، المهتمّة بشؤون السرطان، في العام الماضي، أجرى إدوارد جيوفانوشي وأندريو تي. تشان، الباحثان في جامعة هارفارد، مراجعة للدلائل المتوفرة حول تناول الناجين من السرطان حبوبَ الفيتامينات والمعادن. ولعل أكثر الأمور المدهشة التي أوردها الباحثان انتفاءُ وجود أي دراسات تتعلق بتناول الناجين من السرطان حبوبَ الفيتامينات والمعادن فور تشخيص إصابتهم بالسرطان، ولذلك فلا توجد، «في واقع الأمر»، أي دلائل مباشرة. وإلى حين حلول الوقت الذي تنطلق فيها بحوث مثل تلك، فإن علينا أن نتوجه إلى تحليل نتائج الدراسات المتعلقة بالاستعمال بعيد المدى للمكملات ومدى ترابط تناولها مع حالات الإصابة القاتلة بالسرطان. ولا تتيح هذه النتائج الأخيرة فصل تأثير المكمّلات على المرضى في مرحلة الإصابة بالسرطان قبل وبعد تشخيصه. إلا أنه، كما لاحظ الباحثان في جامعة هارفارد ،فإن تلك المعطيات التي تفترض وجود زيادة في أعداد الوفيات أو ازدياد حدة السرطان نتيجة تناول نوع معين من المكملات، تتطلب الاهتمام، على أقل تقدير. فيتامين «D» أكثر الجوانب المشجّعة في الدراسة الجديدة هي أن تناول فيتامين «د» يمثل أحد معالم المستقبل في ما يخص تقليل عودة السرطان. ويتولد فيتامين «د» في الجلد عند تعرضه للأشعة فوق البنفسجية «ب UVB من الطيف الشمسي، لذلك يعاني الناس القاطنون في أعالي الأرض الذين يقل تعرضهم لهذا النوع من الأشعة فوق البنفسجية «ب» من الشمس لمعدلات أعلى للإصابة بسرطان قاتلة في القولون والثدي والمبيض. وإضافة إلى ما ذُكِر أعلاه حول فيتامين «د» فإن تأثيراته تكون أقوى عند مقارنة معدلات الوفيات بالسرطان أو بسبب مشاكلَ أخرى، الأمر الذي يقود إلى افتراض أنه قد يكون لهذا الفيتامين تأثير متأخر على تطور المرض. وقد أشارت بعض جوانب التجارب إلى أن لفيتامين «د» نشاطا مضادا للسرطان، كما أن بعض التجارب على الحيوانات تفترض، جزئيا، وجود تأثير قوي له على منع انتشار السرطان من جزء إلى آخر في الجسم. وتساعد الدراسات التي أجريت على المصابين بسرطان الرئة والثدي والقولون على دعم موقع فيتامين «د»، إذ ظهر أن وجود مستويات عالية من هذا الفيتامين في الدم يرتبط بانخفاض معدلات وفاة المصابين وتقليل عودة السرطان. تأثير محدود للفيتامينات في ما يخص الفيتامينات الأخرى، يبدو الوعاء نصف فارغ -بل وأسوأ من ذلك- إذ لا يبدو أن هناك تأثيرات واسعة للفيتامينات المضادة للأكسدة (مثل فيتاميني «سي» (C) و«أو» (E)، على السرطان. كما يبدو أن «البيتاكارونين» (beta carotene)، وهو أحد أشكال فيتامين «أ» (A) يزيد من خطر الإصابة بسرطان الرئة لدى المدخنين. إلا أن الباحثين في جامعة هارفارد بعثا الأمل بشأن فيتامين «أو»، الذي يخفض خطر سرطان البروستاتا المتقدم أو القاتل لدى المدخنين. أما «الفوليت» (folate) فربما يتسم ب»شخصية مزدوجة»، فمن جهة، يقلّل من حدوث أورام الأغشية المخاطية (polyps) في القولون، وهي أورام ما قبل سرطانية، إلا أنه -وفي حالة وجود أورام الأغشية المخاطية تلك- يزيد من خطر تحولها إلى أورام سرطانية كاملة. وقال باحثا جامعة هارفارد إنه سيكون «تصرفا حكيما» للناجين من السرطان تفادي تناول «الفوليت». وهذه النصيحة مخالِفة لما تُحبّذه جمعية السرطان الأمريكية بشأن تناول حبوب الفيتامينات المتعددة، التي يحتوي الكثير من أنواعها على جرعات يومية لازمة من» الفوليت». كما يؤدي تناول «الفوليت» من حبوب الفيتامينات مع تناول كمياته الموجودة داخل منتجات الطحين ورقائق الحبوب المدعمة بحمض «الفوليك» (وهو مركب صناعي للفوليت) إلى زيادة كمياته اليومية. قدرات الأسبرين على النقيض من انحسار الحماس المعهود بشأن ضرورة تناول حبوب الفيتامينات -عدا فيتامين «د»- فإن الجميع ينظرون بثقة إلى قدرات الأسبرين العالية، وفقا لباحثي هارفارد. ويصف جيوفانوشي وتشان الدلائل على أن الأسبرين يخفض من خطر عودة سرطان القولون بأنها «دلائل مفحمة» وبشيران إلى نتائج تجارب عشوائية أظهرت أن جرعة يومية من 325 مليغرام من الأسبرين خفّضت عودة السرطان بنسبة 35 % لدى 500 من المصابين الذين عولجوا من مراحل مبكرة من سرطان القولون. ويأتي الجانب المضيء الآخر للأسبرين من نتائج دراسة أُجريت عام 2009، أشرف عليها الباحث تشان، ربطت بين عادة تناول الأسبرين العادي لدى الأشخاص، الذين شُخِّص لديهم سرطان القولون المبكر وبين انخفاض خطر الوفاة لديهم بسبب المرض. كما يظهر أن أنواع السرطان الأخرى تبدو حساسة، أيضا، تجاه تأثير الأسبرين. وقد أشارت مجموعات أخرى من باحثي هارفارد في دراسات لهم عام 2010 إلى دوره الواقي المفترَض ضد سرطان الثدي وكذلك ضد سرطان الرئة.