يبلغ عدد الأمريكيين الناجين من الأمراض السرطانية نحو 12 مليونا، ويُعتقَد أن هذا الرقم سيزداد مع الوقت، بفضل تطور وسائل الرصد المبكر للأورام وطرق العلاج الجديدة وازدياد أعمار السكان. وبعد الإصابة بالمرض للمرة الأولى والمرور بكل فترات العلاج المضنية، يتحول الانتباه عادة نحو مسألة ما يمكن فعله لدرء إصابة ثانية. ويتناول نحو ثلث الناجين من السرطان حبوب (مكملات) الفيتامينات والمعادن. والسؤال الذي يطرح هنا هو هل عليهم تناولها؟ توصي جمعية السرطان بتجنب تناول جرعات كبيرة من حبوب المكملات واللجوء، بدلا من ذلك، إلى تناول حبوب الفيتامينات المتعددة، بهدف ملء الفجوة الموجودة في التغذية، وهي الفجوة التي قد تحدث بسبب عدم اتباع نظام غذائي صحي جيد. كما تبدي الجمعيات الأخرى، المهتمة بالسرطان، قلقها في هذا المجال. حبوب الفيتامينات في دراسة نشرت في مجلة «كلينيكال أنكولوجي»، المعنية بشؤون السرطان عام 2010، أجرى إدوارد جيوفانوشي وأندريو تي. تشان، الباحثان في جامعة هارفارد، مراجعة للدلائل المتوفرة حول تناول الناجين من السرطان حبوبَ الفيتامينات والمعادن. ولعل أكثر الأمور المدهشة التي أوردها الباحثان انتفاء وجود أي دراسات تتعلق بتناول الناجين من السرطان حبوب الفيتامينات والمعادن فور تشخيص إصابتهم بالسرطان، ولذلك فليست هناك «في واقع الأمر» أي دلائل مباشرة. وإلى حين حلول الوقت الذي تنطلق فيه بحوث مثل تلك، فإن علينا أن نتوجه إلى تحليل نتائج الدراسات المتعلقة بالاستعمال بعيد المدى للمكملات ومدى ترابط تناولها مع حالات الإصابة القاتلة بالسرطان. ولا تتيح هذه النتائج الأخيرة فصل تأثير المكملات على المرضى في مرحلة الإصابة بالسرطان قبل وبعد تشخيصه. إلا أنه، كما لاحظ الباحثان في جامعة هارفارد، فإن تلك المعطيات التي تفترض وجود زيادة في أعداد الوفيات أو ازدياد حدة السرطان، نتيجة تناول نوع معين من المكملات، تتطلب الاهتمام، على أقل تقدير. فيتامين «د» أكثر الجوانب المشجعة في الدراسة الجديدة هي أن تناول فيتامين «د» يمثل أحد معالم المستقبل في ما يخص تقليل عودة السرطان. ويتولد فيتامين «د» في الجلد عند تعرضه للأشعة فوق البنفسجية «ب UVB» من الطيف الشمسي، لذلك يعاني الناس القاطنون في أعالي الأرض، الذين يقل تعرضهم لهذا النوع من الأشعة فوق البنفسجية «ب» من الشمس، لمعدلات أعلى للإصابة بسرطانات قاتلة في القولون والثدي والمبيض. وإضافة إلى ما ذكر أعلاه حول فيتامين «د»، فإن تأثيراته تكون أقوى عند مقارنة معدلات الوفيات بالسرطان أو بسبب مشكلات أخرى، الأمر الذي يقود إلى افتراض أنه قد يكون لهذا الفيتامين تأثير متأخر على عمل المرض. وقد أشارت بعض جوانب التجارب إلى أن فيتامين «د» له نشاط مضاد للسرطان، كما أن بعض التجارب على الحيوانات تفترض، جزئيا، وجود تأثير قوي له على منع انتشار السرطان من جزء إلى آخر في الجسم. وتساعد الدراسات التي أجريت على المصابين بسرطان الرئة والثدي والقولون على دعم موقع فيتامين «د»، إذ ظهر أن وجود مستويات عالية من هذا الفيتامين في الدم ارتبط بانخفاض معدلات وفاة المصابين وبتقليل عودة السرطان. إلا أن الدراسات التي أجريت حتى الآن لا تبرهن على أن تناول حبوب فيتامين «د» سيؤدي إلى خفض عودة الإصابة بسرطان القولون. كما أن الفيتامينات قد أصابت الباحثين بالخيبة مرات ومرات، حيث انحسرت مشاعر الحماس تجاهها. ومع هذا، وكما لاحظ باحثا هارفارد، فإن هناك ما يكفي من الأدلة التي تدفع في اتجاه إجراء تجارب مصممة للبحث في هذا الأمر. تأثير محدود للفيتامينات في ما يخص الفيتامينات الأخرى، يبدو الوعاء نصف فارغ -بل وأسوأ من ذلك- إذ لا يبدو أن هناك تأثيرات واسعة للفيتامينات المضادة للأكسدة- مثل فيتاميني «سي» (C) و«إي» (E)، على السرطان، كما يبدو أن «البيتاكارونين» (beta carotene)، وهو أحد أشكال فيتامين «أ» (A)، يزيد من خطر الإصابة بسرطان الرئة لدى المدخنين. إلا أن الباحثيْن في جامعة هارفارد أثارا الأمل بشأن فيتامين «أ»، الذي يخفّض خطر سرطان البروستاتا المتقدم أو القاتل لدى المدخنين. أما الفوليت (folate) فربما يتسم ب»شخصية مزدوجة»، فمن جهة فهو يُخفّض من نسبة حدوث أورام الأغشية المخاطية (polyps) في القولون، وهي أورام ما قبل سرطانية، إلا -وفي حالة وجود أورام الأغشية المخاطية تلك- يزيد من خطر تحولها إلى أورام سرطانية كاملة! وقال باحثا جامعة هارفارد إنه سيكون «أمرا ناجعا» للناجين من السرطان تفادي تناول «الفوليت». وهذه النصيحة مخالفة لما تحبذه جمعية السرطان الأمريكية بشأن تناول حبوب الفيتامينات المتعددة، التي يحتوي الكثير من أنواعها على جرعات يومية لازمة من «الفوليت». كما يؤدي تناول «الفوليت» من حبوب الفيتامينات وفي منتجات الطحين ورقائق الحبوب المدعمة بحمض الفوليك (وهو مركب صناعي للفوليت)، إلى زيادة كمياته اليومية. قدرات الأسبرين على النقيض من انحسار الحماس المعهود بشأن ضرورة تناول حبوب الفيتامينات -عدا فيتامين «د»- فإن الجميع ينظرون بثقة إلى قدرات الأسبرين العالية، وفقا لباحثَيْ جامعة هارفارد. ويصف جيوفانوشي وتشان الدلائل على أن الأسبرين يخفض من خطر عودة سرطان القولون بأنها «دلائل مفحمة» وبشيران إلى نتائج تجارب عشوائية أظهرت أن جرعة يومية من 325 ملغ. من الأسبرين خفضت عودة السرطان بنسبة 35 % لدى 500 من المصابين الذين عولجوا في مراحل مبكرة من سرطان القولون. ويأتي الجانب الإيجابي الآخر للأسبرين من نتائج دراسة أجريت عام 2009، أشرف عليها الباحث تشان ربطت بين عادة تناول الأسبرين العادي لدى الأشخاص الذين شُخِّصت لديهم إصابة بسرطان القولون المبكر وبين انخفاض خطر الوفاة لديهم بسبب المرض. كما يظهر أن أنواع السرطان الأخرى تبدو حساسة أيضا تجاه تأثير الأسبرين. وقد أشارت مجموعات أخرى من باحثي هارفارد في دراسات لهم عام 2010 إلى دوره الواقي المفترض ضد سرطان الثدي وكذلك ضد سرطان الرئة. والآن، نطرح التساؤل التالي: كيف يتأتى لمثل هذه الحبة المتواضعة من الأسبرين أن تبعد شبح السرطان؟ إن الأسبرين يثبط إنزيم «كوكس 2» (COX- 2) وهذا الإنزيم، إضافة إلى كونه عاملا مساعدا في حدوث عمليات الالتهاب التي تشكل جزءا من الألم، يلعب دوره في عمليات أخرى تؤثر على نمو الخلايا، ومن ثم على نشوء السرطان. ولأنه يمنع عمل «كوكس -2» فإن الأسبرين، ربما، يمتلك القدرة على إبعاد الخلايا من طريق التحول إلى خلايا سرطانية، وهكذا وإذا كانت هذه النتائج صحيحة، فإن الأسبرين قد يكون مفيدا لبعض الناجين من السرطان. ويتوقع جيوفانوشي وتشان أن نصل يوما ما إلى القدرة على فحص الأورام السرطانية بهدف التعرف على حالة إنزيم «كوكس -2» فيها، وعندها سيعرف الأطباء والمرضى أهمية تناول الأسبرين!...