إن كان هناك من تفسير لهذا السحب الغامض لمشروع قانون المالية من البرلمان فهو أن الحكومة الحالية، التي يقودها الاستقلالي عباس الفاسي، في حاجة إلى ترميم لكي تصل إلى نهاية ولايتها بسلام في انتظار أن تسلم زمام تسيير شؤون البلد إلى حكومة حقيقية تفرزها انتخابات ديمقراطية وشفافة لا تعيد إلينا أشباه الحكومات التي تتعثر كل مرة. سحب مشروع قانون المالية بهذه الكيفية المهينة لنواب الأمة معناه أن البلاد ليست لها استراتيجية وغير معنية بتداعيات مثل هذه القرارات المزاجية التي ترهن حاضر ومستقبل الوطن؛ سحب مشروع قانون المالية هو ترجمة حقيقية لحالة الارتباك التي تتخبط فيها الحكومة الحالية بمختلف مكوناتها. المشروع، المسحوب من طرف الوزير الأول عباس الفاسي، سبقته جولات من الدعاية والتبرير قامت بها الحكومة في مختلف الوسائل الإعلامية من أجل إقناع المواطنين بأنه (المشروع الجديد) مشروع اجتماعي بالدرجة الأولى ويهدف إلى تحقيق الإقلاع الاقتصادي والاجتماعي والانفتاح على الشرائح الفقيرة؛ ثم فجأة، نكتشف أن الحكومة كانت بحاجة إلى إقناع مكوناتها، أولا، بمضامين مشروع تم سحبه حتى دون عقد مجلس حكومي، وبناء فقط على رسائل توصل بها عدد من الوزراء، مع أن وزراء آخرين لم يتوصلوا بها. لكن المفاجأة الكبرى هي أن يصرح وزير المالية والاقتصاد في نفس الحكومة بأنه فوجئ بالقرار، مما يعني أنه لم يتم إخباره به من طرف قائد الفريق الحكومي، لنجد أنفسنا هنا أمام لوحة سوريالية حقيقية، فإذا كان الوزير الذي يتولى حقيبة المالية لا يعلم بقرار يهم قطاعه، فهذا يطرح تساؤلات عريضة. الحكومة تتحدث عن الإصلاح والتغيير والشفافية، لكن السؤال هو أين توجد الشفافية في هذا القرار المفاجئ؟ هل تم التداول بشأنه بين فرقاء الحكومة وشرح خلفياته للرأي العام؟ الواضح أن الحكومة لا تزال تسير بنفس المنطق القديم، منطق ما قبل الدستور الجديد، بينما كان عليها أن تكون أول من يلتقط إشارات التغيير.