بعد المصادقة على الدستور الجديد الذي تم اعتباره فاتحة الإصلاح السياسي بالمغرب، توقع الرأي العام أن تبادر السلطات العمومية إلى تنزيل الإصلاح ووضع تصور واضح للاستحقاقات الانتخابية، مع تقديم برنامج عمل واضح لما تبقى من عمر هذه الحكومة المشكوك في دستوريتها. وقبل أسابيع تم الحديث عن تواريخ الاستحقاقات الانتخابية، وثار جدال واسع حول تزامن الانتخابات البرلمانية مع موعد مناقشة القانون المالي بالبرلمان الحالي، وانخرط الرأي العام في مناقشة الحلول الدستورية الممكنة لتجنب إحراج الحكومة في تلك الظرفية الحساسة.
فتم اتخاذ قرار الدورة الاستثنائية للبرلمان كحل وسط يتم من خلاله تقديم مناقشة قانون المالية قبل موعد الانتخابية حتى تتجنب الإحراج وقت الحملة الانتخابية، لكن ما الذي وقع حتى يصل الوضع إلى هذا التخبط وهذا الارتباك الكبير في تدبير أهم المحطات السياسية والدستورية؟
فإذا كان المنطق السياسي يتطلب تنزيل الإصلاح وإقامة المؤسسات الدستورية الجديدة، فإن الحكومة الحالية منتهية الصلاحية أصبحت تبدو في وضع غريب وعملها وقراراتها أصبحت على درجة كبيرة من التخبط والارتجالية بشكل أقرب إلى العبث.
فقد وضعت جدول أعمال دورة استثنائية للبرلمان، وعادت لتغيره، ثم تراجعت عن التغيير وسحبت قانون المالية من البرلمان لتضع المرسوم التعديلي موضع التنافي مع الدستور؛
وحددت موعد الانتخابات البرلمانية السابقة لأوانها في 7 أكتوبر، ثم اتفقت على 11 نونبر، لتكتشف بعدها أنه يتزامن مع عيد الأضحى وتحدد 25 نونبر 2011، وبعد تنزيل المقتضيات القانونية يتبين أن الانتخابات يكاد يستحيل إجراؤها في هذا التاريخ بشكل طبيعي؛
ثم قامت بالمصادقة في المجلس الحكومي على مشروع قانون المالية وأودعته لدى البرلمان، لتقوم ساعات بعد ذلك بسحبه بشكل غريب ومريب ومخالف لصريح الدستور، دون أن تقدم ما يبرر هذا السحب ولتتضارب تصريحات الوزراء بخصوص الأسباب.
فماذا يحدث لهذه الحكومة، وما هي خلفيات هذا التخبط وهذه الفوضى السياسية التي تأتي بعيد المصادقة على الدستور الجديد وقبيل أول انتخابات برلمانية ستعطينا رئيسا للحكومة؟
الارتباك بخصوص الدورة الاستثنائية للبرلمان
على الرغم من الخرجات الإعلامية للحكومة من أجل طمأنة المواطنين حول انسجامها وتضامنها، فإن واقع الحال يؤكد العكس تماما، خاصة وأن بعض المكونات الرئيسية للتحالف الحكومي رفضت منح وزير المالية أية ضمانات بخصوص مناقشة قانون المالية والمصادقة عليه، خاصة وأن موعد المناقشة يتزامن مع الانتخابات التي ستعرف حربا ضارية بين زعماء الأغلبية حول تصدر نتائج الانتخابات.
وبعد الخلاف الواسع بين حزبي الأحرار والاستقلال حول موعد الانتخابات والقانون المالي، تم التوافق بين أحزاب الأغلبية حول المسارعة بتقديم القانون المالي قبل بداية الحراك الانتخابي حتى يتجنب صلاح الدين مزوار استغلال مناقشته لأهداف انتخابية.
وعلى هذا الأساس تم الاتفاق على دعوة البرلمان لدورة استثنائية للمصادقة على القوانين الانتخابية وقانون المالية، لكن في آخر لحظة برز الخلاف مجددا بين المكونات الرئيسية للتحالف الحكومي.
فتأخر انعقاد الدورة الاستثنائية (الذي كان مقررا أول الأمر أواسط غشت الماضي) أعاد الإشكال إلى بدايته، خاصة وأن أسباب تهريب القانون المالي من دورة أكتوبر للبرلمان كان الهدف منه مناقشة القانون بعيدا عن الانتخابات.
وبالتالي كان تأخير الدورة الاستثنائية للبرلمان إلى أواخر شتنبر أثار نفس الإشكال الذي كان قائما، ويتعلق بالأساس بتخوف حزب الأحرار من استغلال المناقشة لضربه انتخابيا، وهو ما أثار الخلاف مجددا، واضطرت الحكومة لفتح دورة استثنائية للبرلمان بجدول أعمال خال من القانون المالي.
وبعد أسبوع من افتتاح الدورة الاستثنائية، اتفقت الحكومة مجددا على الخطوط العامة المتعلقة بالقانون المالي، وبالتالي قدمت ضمانات أولية لوزير المالية من أجل عدم ضربه سياسيا عبر قانون المالية، واجتمع المجلس الحكومي الثلاثاء الماضي للمصادقة على مرسوم تعديلي وعلى مشروع قانون المالية، وهنا تمت إثارة الجدل حول مدى دستورية هذا الإجراء.
فالدستور المغربي واضح بهذا الخصوص، وطبقا للفصل 66 من الدستور تمت دعوة البرلمان لعقد دورة استثنائية بجدول أعمال محدد تمت تلاوته أمام المجلسين وتم نشره بالجريدة الرسمية، ولا يسمح الدستور ولا النظام الداخلي للبرلمان بإصدار أي مرسوم تعديلي، ورغم ذلك حاولت الحكومة تجاوز هذا العائق الدستوري وأصرت على إصدار مرسوم تعديلي ضدا على القانون وتمت إحالته على البرلمان.
وفي آخر المطاف تراجعت الحكومة عن مناقشة قانون المالية الذي بسببه تم خرق الدستور وإصدار مرسوم تعديلي، فلا يوجد في الدستور أي مقتضى يسمح للحكومة بإصدار أي مرسوم تعديلي لعقد دورة استثنائية للبرلمان، والحكومة كانت ملزمة بتحديد جدول الأعمال بدقة قبل طلب الدورة الاستثنائية، وإذا أرادت عرض قوانين أخرى فما عليها إلا انتظار الدورة العادية بعد أسبوعين فقط، أو طلب دورة استثنائية أخرى عند الاقتضاء.
لكن رغم لجوئها لهذا الخرق الدستوري وهذا الإجراء الغريب والفريد من نوعه، فإنها استغنت عن أسباب اتخاذها لهذا الإجراء أياما قليلة بعد اتخاذه، وهو ما يؤكد الفوضى السياسية التي تعيشها هذه الحكومة والتخبط في عملها التشريعي.
فوضى في الإعداد للانتخابات البرلمانية
لم يعرف المغرب سابقا مثل هذه الفوضى السياسية المرتبطة بالإعداد للانتخابات، فالحكومة كمؤسسة دستورية هي المسؤولة مبدئيا عن تحديد مواعيد الاستحقاقات الانتخابية البرلمانية والجهوية والمحلية، كما تعد هي المختصة دستوريا بإدارة العمليات الانتخابية من الناحية القانونية والتنظيمية.
إلا أن ما نلاحظه بهذا الخصوص يفيد بهيمنة وزارة الداخلية، وبشكل حصري وسري، على هذا الإعداد بتفاصيله الرئيسية، وأصبح وزير الداخلية يقود المشاورات والنقاشات حول الأجندة الانتخابية ونمط الاقتراع والقوانين المؤطِرة لهذه الاستحقاقات.
فالحكومة كمؤسسة عوض أن تكون هي المبادِرة لهذا الإعداد نجدها غائبة بشكل تام عن هذا الإجراء السياسي الهام، بل إن مكوناتها الرئيسية أصبحت في صراع حقيقي عوض أن تكوِّن ائتلافا منسجما كما كانت تدعي من قبل، ونجد أحزابا رئيسية تحاول الإيقاع بأحزاب أخرى عبر الضرب تحت الحزام وانتظار قانون المالية للقيام بحملة انتخابية ضد حلفائها في الحكومة ذاتها.
وعوض أن يقوم عباس الفاسي بإدارة العملية السياسية في ظل الدستور الجديد، نجده يجتمع مع باقي الفاعلين تحت رئاسة وزير الداخلية وفي مقرها، وهذا شكل غريب ويتناقض كليا مع أبجديات الممارسات الدستورية، وعوض أن يجمع عباس الفاسي شمل الأحزاب مع الحكومة تحت إشرافه ورئاسته، أصبحنا نجده قادما للاجتماع تحت رئاسة وزيره في الداخلية.
وعوض أن تحدد الحكومة منظومة انتخابية تبدأ من التنزيل القانوني وتصل إلى الأجندة الانتخابية، نجد الوزير الأول آخر من يعلم، ونراه يتحفظ أمام وزيره في الداخلية بشأن بعض الترتيبات وبعض التفاصيل المتعلقة بالعتبة والتقطيع الانتخابي واللائحة الوطنية.
بل إن الحكومة عاشت انقساما حادا بخصوص تاريخ الانتخابات في حد ذاته، فرئيس التجمع الوطني للأحرار رفض تاريخ 25 نونبر نظرا لتزامنه مع مناقشة القانون المالي بالبرلمان، ولم يكن ليبدي احتجاجه لولا علمه اليقين بأن حلفاؤه بالحكومة يتحينون الفرصة لانتقاد تدبيره للشأن العمومي وشن حملة سياسية عليه واعتباره مسؤولا عن المشاكل الكبرى التي يعيشها الاقتصاد الوطني.
وحتى داخل البرلمان، لا يبدو أن الحكومة تتوفر على أغلبية واضحة، ولا يظهر من التحالفات الحزبية إلا التناقض المتزايد والفوضى السياسية التي تميزه، فالتجمع الوطني للأحرار والحركة الشعبية يصطفان مع حزبين في المعارضة وهما البام والدستوري، والكتلة الديمقراطية لا تزال تعلن دعمها للحكومة رغم تخوف وزير المالية من مواقفها العدائية تجاه حزبه وتجاه قانون المالية الذي يعده.
فهذه التناقضات وهذا التخبط الذي تعيشه الحكومة منتهية الصلاحية تؤشر على حدة الفوضى السياسية التي يعيشها المغرب، بدءا من تخبط الحكومة في الإعداد للانتخابات، وصولا إلى التناقض الحاد في المواقف من مضامين القانون المالي ومن حصيلة العمل الحكومي برمته.
فالقانون المالي يعتبر حدثا سنويا رئيسيا ومناسبة لتقييم السياسة الحكومة ولمناقشة الإشكالات الكبرى التي يعاني منها المغرب، غير أن تزامنه هذه السنة مع الانتخابات البرلمانية تسبب في حشره في النقاش حول تاريخ الانتخابات البرلمانية وعلى التحالفات الحزبية، وهو ما يزيد من التناقض داخل هذه الحكومة منتهية الصلاحية والمشكوك في دستوريتها.
القانون المالي أمام تصدع الحكومة
يعتبر القانون المالي محطة سنوية أساسية في حياة الدول الديمقراطية، ويعد مناسبة سنوية لتقييم السياسات العمومية المعتمدة من قبل الحكومة ومتابعة مدى احترام التوجهات العامة للتنمية الاقتصادية وللحكامة المالية ولطرق تدبير الشأن العام.
كما يجسد القانون المالي السنوي الإطار القانوني والإجرائي لتنزيل البرنامج الحكومي على المستوى المالي والميزانياتي، بمعنى أن الحكومة بكل أطيافها وتحت رئاسة الوزير الأول تعد القانون المالي وتنفذه، وهي كمؤسسة تعتبر مسؤولة عما يتضمنه وعما يُسفر عنه تطبيقه.
والآجال الدستورية لتقديمه والمصادقة عليه واضحة ومحددة ولا مجال لتجاوزها أو الالتفاف عليها، وبالتالي لا يعقل أن يصبح مشروع القانون المالي المقبل وسيلة لتملص الحكومة من مسؤولياتها ومن التزاماتها، ولا يعقل أن نصل إلى هذا التخبط في وضع المشروع وفي تقديمه أمام البرلمان ثم سحبه ساعات قليلة بعد ذلك دون مبرر واضح.
فالدستور يحدد الإجراءات العامة لإعداد مشروع قانون المالية ولتقديمه أمام البرلمان، والحكومة بعد تضارب مكوناتها حول تاريخ الانتخابات بدأت صراعا داخليا قبل أسابيع حول الخطوط العريضة لمضامين القانون وللإجراءات المالية والاقتصادية التي ستقدمها، وتم تقديم الخطوط العريضة الأساسية للمشروع أمام الملك في المجلس الوزاري، وبعدها تمت المصادقة على المشروع داخل المجلس الحكومي بعد الاتفاق بين أحزاب الأغلبية على إدراجه في الدورة الاستثنائية للبرلمان، فماذا حدث بعد ذلك ليتم سحب المشروع بهذه السرعة الغريبة وبدون سابق إنذار.
فبالرجوع إلى تصريحات أعضاء الحكومة يتبين التناقض الكبير بين مكوناتها الحزبية، فوزير المالية أعطى إشارات واضحة لوجود تخوف حقيقي من انقلاب أحزاب الأغلبية عليه واستغلال القانون المالي لشن هجوم عليه، في حين أن وزير الاتصال نفى وجود أي صراع حزبي وأرجع السبب لضرورة مزيد من التشاور حول تزامن القانون المالي مع الانتخابات.
أما صلاح الدين مزوار وزير المالية ورئيس التجمع الوطني للأحرار فقد أرجع سحب المشروع لما أسماه "بروز أراء متعددة تناقش الجدوى من تقديم الحكومة لقانون المذكور وهي في نهاية ولايتها، موضحا أنه لا ينبغي الزام الحكومة المقبلة بقانون مالي لم تعده، مضيفا أنه يجب أن تكون هناك مسافة بين لحظة الانتخابات ولحظة مناقشة والمصادقة على القانون المالي".
وهذا كلام واضح يبين عمق الصراع الذي توجد فيه أحزاب الأغلبية الحكومية، كما يؤكد الجدل القائم بين من يدعو داخل الحكومة إلى مناقشة القانون المالي حالا، وهو الرأي الذي كان وراء تعديل جدول أعمال الدورة الاستثنائية للبرلمان، وبين تيار وزير المالية الذي يفضل ترك القانون المالي لما بعد الانتخابات وتخويل الحكومة المقبلة.
وهو الأمر الذي نستغرب بشدة من حدوثه، فما جدوى اجتماع الوزراء بالمجلس الحكومي واتفاقهم جميعا على المرسوم التعديلي وعلى القانون المالي، ثم بعد يومين نجد بعضهم ينقلب على الاتفاق ويتبنى مواقف معارضة لأحزاب أخرى خوفا من الصراع الانتخابي.
أما قمة الفوضى السياسية فتتجلى هنا في وضع وسحب مشروع القانون المالي في نفس اليوم والحديث بعدها عن ترك المشروع للدورة العادية للبرلمان التي ستُفتتح خلال أكتوبر القادم، مقابل كلام وزير المالية الذي يوحي بترك المشروع لتناقشه الحكومة القادمة بعد الانتخابات.
فالدستور واضح هنا، وهو يضع الأجل الأقصى لتقديم مشروع القانون المالي (70 يوما قبل بداية السنة بما يصادف 19 أكتوبر)، والانتخابات البرلمانية فستجرى يوم 25 نونبر والحملة الانتخابية ستبدأ يوم 12 نونبر، أما تشكيل الحكومة المقبلة فلن يتم عمليا قبل بداية السنة المقبلة، والدستور لا يسمح بتأخير المناقشة والمصادقة على قانون المالية لهذا التاريخ.
وحتى لو تم تشكيل الحكومة قبل نهاية السنة وهو أمر مستبعد، فلن يكون لديها الوقت لإعداد برنامجها الحكومي وتقديمه أمام البرلمان لتحوز الثقة وتباشر أعمالها وبعدها تنظر في مشروع قانون المالية وتُدخل عليه التغييرات الأساسية اللازمة لتناقش كل هذا الأمر أمام البرلمان.
فهذه الإجراءات تتطلب أشهرا وليس أياما، وترك مشروع قانون المالية للحكومة المقبلة أمر غير دستوري وغير واقعي، والدستور نفسه لا يسمح بتأخير المصادقة على مشروع قانون المالية قبل بداية السنة إلا في حالة واحدة وهي إحالته على المحكمة الدستورية بعد التصويت عليه من قبل البرلمان بغرفتيه.
وعلى هذا الأساس يدخل التخبط في إطار الفوضى والارتباك العام الذي تعاني منه الحكومة، خاصة أمام عدم جاهزيتها لإجراء انتخابات برلمانية حقيقية، ولتخوفها من تأكد فشلها في تدبير الشأن العام بمناسبة مناقشة القانون المالي، وأن يصبح وسيلة تقييم أداء الحكومة خلال السنوات السابقة وأداة لمحاكمتها على الاختلالات الكبرى وعلى ما أوصلت إليه المغرب من وضعية مالية واقتصادية كارثية تهدده بأزمة غير مسبوقة.
ولعل المحاور الكبرى التي جاء بها تقرير بنك المغرب بخصوص وضعية البلد مؤشر واضح على العجز الحكومي، وقد يكون هذا التقرير السبب الأساسي وراء سحب مشروع قانون المالية من البرلمان، على اعتبار أن محاوره الأساسية تتناقض مع الوضع الحقيقي للاقتصاد الوطني وإجراءاته ستؤدي لتعميق الأزمة عوض أن تساهم في حلها.
إن تخوف الحكومة من فضح فشلها في تدبير الشأن العام ومن صراع أحزابها هو ما دفعها أول الأمر إلى المسارعة بإعداد مشروع قانون المالية لعرضه أمام البرلمان، ثم عدم إدراجه في جدول أعمال الدورة الاستثنائية للبرلمان نتيجة الصراع داخل مكوناتها، وبعدها لإعادة إدراجه وتقديمه لمجلس النواب، ثم لتقوم ساعات بعدها بسحبه وتركه لما بعد اتفاقها على محاوره وفقا للوضعية التي يوجد بها المغرب.
فهذا يعني أنها ستقدم القانون المالي أمام البرلمان يوم 20 أكتوبر وتذهب لتنظيم انتخابات سابقة لأوانها، وعندما يتم تشكيل الحكومة الجديدة تتم مناقشة القانون المالي من قبل برلمان جديد وحكومة جديدة لا علاقة لهما به، وبالتالي لا يمكن أن نحاسب أحدا لا على المشروع المقدم ولا على كوارث التدبير العمومي وفشل السياسات العمومية.
إن هذا الوضع ينم على تخبط كبير لدى الحكومة، سواء فيما يخص منهجية اشتغالها (هيمنة وزارة الداخلية على التنزيل القانوني والمؤسساتي) أو في غياب أية رؤية سياسية لما تتطلبه المرحلة من دقة في التدبير وفي وضع التصورات العامة والإجراءات الأساسية لتنزيل الإصلاح الدستوري قانونيا وسياسيا وديمقراطيا.
والتناقض الحاد بين الأحزاب المكونة للحكومة بخصوص الانتخابات البرلمانية المقبلة أدى إلى إعادة اصطفاف الأحزاب بين الكتلة والوفاق القديم، وتخوف الأحرار من ضربهم سياسيا بمناسبة مناقشة مشروع القانون المالي دفعهم للمطالبة بتأخير المناقشة لما بعد الانتخابات، وهذا الوضع عمَّق من التناقض بين أحزاب الأغلبية، وتسبب في فوضى سياسية غير مسبوقة في مغرب ما بعد دستور 2011.