سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
حذيفة أمزيان: تثمين الموارد وترشيد استعمالها هو الضامن لتحقيق الأهداف قال إنه سيتم إنشاء كلية الطب والصيدلة وكلية طب الأسنان في طنجة إضافة إلى المدرسة العليا للتكنولوجيا في العرائش
- تبدؤون الآن سنة جامعية جديدة، فما هو تقييمكم للسنة الجامعية الماضية؟ جامعة عبد المالك السعدي من الجامعات الفتية التي استطاعت أن تتموقع على الصعيد الوطني والدولي بفضل طابعها المنفتح والمتنوع. وخلال السنة الجامعية المنصرمة، حققنا النتائج المنتظَرة على المستوى الوطني والجهوي، إذ تمكّنّا من بلوغ الأهداف المرجوة في إطار البرنامج الاستعجالي والإصلاح الجامعي، سواء على مستوى نوعية وعدد المسالك المقترَحة، التي فاقت 170 مسلكا، وكذا من حيث عدد الشراكات العلمية المنجَزة، والتي تفوق 70 مشروعَ شراكة وطنيا ودوليا، وكذلك على مستوى الانفتاح على المحيط، بربط علاقات وطيدة ومتميزة مع هذا الأخير، وتشهد على ذلك نسبة النجاح المهمة وكفاءة خريجي الجامعة في سوق الشغل. -لكن، هناك بالتأكيد مشاكل تواجهونها في تطبيق البرنامج الاستعجالي على المستوى العلمي والبيداغوجي والتربوي؟ - لا يمكن أن تسلم كل المشاريع من بعض المشاكل العارضة، والتي سببها الطبيعة البشرية التي تُمكّن من تجاوز نِسب النجاح المقررة أحيانا، كما يمكن أن يبقى أحيانا أخرى دون الأهداف المقررة لمشروع معيّن، وذلك راجع أساسا إلى كثرة المتدخلين في البرنامج الاستعجالي وتنوع المؤشرات المتحكَّم فيها من أجهزة خارجة عن المنظومة التربوية، وأخُصّ بالذكر ما يتعلق بالاعتبارات المالية والتأخر الذي قد يواكب تنفيذ المشاريع، وبذلك يعيق السير العادي لتنفيذ البرنامج الاستعجالي. عدا ذلك، فإن جامعتنا تنخرط في مسلسل الدينامكية الوطنية للمشاريع الكبرى المهيكلة والقائمة على الرصد والتخطيط وتطبيق المقتضيات التي يتطلبها النجاح، وعلى اعتبار أن فلسفة البرنامج الاستعجالي ترتكز على فكرة بث نفَس جديد في إصلاح منظومة التربية والتعليم في بلادنا. ونظرا إلى أهمية الحركية التي نتجت عن هذا البرنامج من حيث الحكامة ودعم التمييز وتنويع العرض البيداغوجي وحفز البحث العلمي، فإن جامعتنا انخرطت، وبقوة، في هذه الأوراش من خلال تطوير آليات الحكامة والرفع من التكوينات الموجَّهة للأساتذة والإداريين والتقنيين ووضع واقتناء العديد من البرامج المعلوماتية لتدبير أنجع للموارد البشرية والمكتبات وتثمين البحث العلمي، إضافة إلى تعزيز شراكة جامعتنا مع المحيط السوسيو اقتصادي، من خلال وسائط حديثة ومتطورة. أما العرض البيداغوجي فقد تعزز من خلال اقتراح أكثر من 170 مسلكا لصالح الطلبة، جلُّها بشراكة مع المشغلين، في إطار الأهداف المسطَّرة على المستوى الوطني. -لكن الحكامة الجيدة داخل الجامعة تعترضها صعوبات قد تؤدي إلى فشلها؟ -لا يمكن اعتبار الصعوبات، مهما كانت درجتها، دليلا على الفشل ومانعا للتميّز، بل بالعكس فالصعوبات الموضوعية لا يخلو منها أي مشروع مهما كان حجمه، وأعتبرها شخصيا محفّزا للعمل الجاد والمنظم والمدروس، وهي أساس نبذ العمل بشكل مرتجل واعتباطي، لذلك نعمل، منذ إعداد مشروع تنمية جامعة عبد المالك السعدي، على رصد هذه الصعوبات وترتيبها وتصنيفها، حيث يتضح أن هناك صعوبات حقيقية وأخرى وهمية. ولتجاوز هذه الصعوبات، يجب معالجتها من خلال مقاربة تشاركية ينخرط فيها فريق العمل برئاسة الجامعة ورؤساء المؤسسات وكذلك الأساتذة بشكل مباشر، من خلال الهياكل القانونية من لجن ومجالس الجامعة والمؤسسات وفرق العمل، وفق فلسفة وتعاقد ضمني قائم على الشفافية والمشاركة والديمقراطية والوطنية. من جهة أخرى، هناك بعض الصعوبات المتعلقة بالإكراهات المالية، والتي نعمل على تجاوزها بقليل من الصبر والتعقل وكذلك بتطوير موارد مالية ذاتية عبر اقتراح تكوينات ودبلومات في إطار التكوين المستمر المؤدى عنه واعتماد مشاريع دولية ممولة. وتمكننا هذه العملية، إضافة إلى تعزيز قدراتنا المالية، من تطوير أساليب عملنا من خلال احتكاكنا المباشر بسوق العمل والاطلاع على مستجداته ومتطلباته الراهنة والمستقبلية وكذلك الاستفادة من الخبرة العلمية الدولية. -لا يمكن أن تتطور الجامعة دون انفتاح فاعل على محيطها، ما هي خياراتكم في هذا المجال؟ -تقوم الاختيارات الإستراتيجية لجامعة عبد الملك السعدي على أربعة محاور كبرى، نعمل على تطويرها انطلاقا من مجموعة من الأهداف والاستراتيجيات والخطط العملية. فالمحور الأول، المتعلق بالتكوين والتجديد البيداغوجي، يعتمد على إستراتيجية للتكوين قائمة على توجهات البرنامج الاستعجالي، وتقوم على خطط عمل يمكن إجمالها في تثمين وتطوير المسالك الممهننة وتمكين الطلبة من بيئة ملائمة للتميز وتعزيز الاعتماد المتبادَل بين المؤسسات الجامعية وتنمية تعلم اللغات الأجنبية وتعزيز نظام الإرشاد والتوجيه وتنمية التشبيك ما بين المسالك والمؤسسات وفتح التكوين المستمر في وجه أكبر قدر ممكن من المستفيدين، إضافة إلى إغناء وتقوية هياكل البحث العلمي حول محاور بحث دقيقة تسمح بتكوين «أقطاب كفاءات» متميزة. أما محور العمل الثاني فيتعلق بتثمين البحث والإشعاع العلمي، من خلال إبراز الخصوصية العلمية المجالية في إطار منطق التكامل من خلال خلق أقطاب للكفاءة، وتشجيع الاعتماد المتبادل، بين التخصصات وتشجيع الأساتذة على البحث التطبيقي ونشر البحوث في مجلات دولية مصنفة (Indexées) وكذا تعزيز وتسهيل ودعم نتائج البحوث، إضافة إلى تنظيم ودعم هياكل وأقطاب التميز وتنمية ثقافة التقييم والتقييم الذاتي. وفي ما يخص محور الشراكات والتعاون الدولي، فإننا نُركّز من خلاله على تشجيع مبادرات تبادل الطلبة والأساتذة في إطار مختلف برامج التعاون الدولي، وملائمة التكوينات الجديدة مع التوجهات الاقتصادية الدولية وتنمية البعد الدولي للبحث، إلى جانب تعزيز الدينامية التشاركية الداخلية وتقوية شراكات الجامعة مع محيطها السوسيو -اقتصادي من خلال التعاقد والالتزام. ولتحقيق هذه الأهداف، لا بد من التشبث بأسس الحكامة الجيدة والحركية التدبيرية والاعتماد على تثمين الثقافة التشاركية كآلية للحكامة الجيدة، بما يجسد فلسفة الانتماء المؤسساتي المشترك لجامعتنا، وتعميم منظومة قيم قائمة على الفعالية والنجاعة. فالحكامة الجيدة في اعتقادنا هي آلية محورية في تدبير الموارد البشرية وتدبير الرصيد العقاري والإشعاع الثقافي وبشكل أفقي التدبير الإستراتيجي للجامعة. أما بالنسبة إلى السياسية الثقافية للجامعة، فسنعمل في المستقبل القريب على إنشاء مركز للخدمات الثقافية والتنشيط وتهيئة الظروف الملائمة لبرمجة ثقافية وممارسة فنية ذات جودة عالية، من قبيل المهرجانات والملتقيات والمسابقات، إضافة إلى خلق خلية اجتماعية جامعية مكلفة بالإشراف على الأعمال التطوعية ذات التوجه الاجتماعي والوطني. وتماشيا مع الأهداف الكبرى لمنظومة التربية والتكوين، فسنعمل خلال هذه الولاية كل ما في وسعنا، وبدعم من السلطات العمومية، على إنشاء كلية الطب والصيدلة وكلية طب الأسنان في الجهة، إضافة إلى المدرسة العليا للتكنولوجيا في العرائش وعدة مشاريع أخرى ذات طابع أكاديمي وتربوي. هذه بعض المحاور الأساسية التي سنعمل على تثمينها وإيجاد الأسس لتطبيقها وفق نظرة متفائلة بمستقبل أفضل، مستقبل قائم على اعتبار الطالب محورَ أي مبادرة. وفي هذا السياق، يتم العمل على تثمين الملتقيات والمهرجانات العلمية والثقافية والاجتماعية المنظمة من طرف الأساتذة وطلبة المؤسسات الجامعية والعمل على دعم الهياكل الجمعوية والرفع من مستوى شراكاتها مع محيط الجامعة، إضافة إلى تعزيز فعالياتها من خلال توفير فضاءات صقل المواهب الفنية والثقافة والرياضية، من خلال بناء وتجهيز قاعات متخصصة وملاعب رياضية مثل المركب الرياضي والثقافي في «الزياتن» في طنجة. -تحدثت عن مشاريع كثيرة، لكن هل هناك أطر تربوية كافية ومؤهلة؟ الإشكال الكبير الذي يطرح على مستوى تدبير المنظمات، سواء كانت خاصة أو عامة، هو تثمين الموارد وترشيد استعمالها وكذا توفير الظروف الملائمة لمساهمة فعالة للأطر التربوية والإدارية والتقنية على تحقيق الأهداف المسطرة. وأعتقد أن الكفاءات موجودة في جامعتنا ومؤهلة بشكل جيد، وأشُد بحرارة على أيدي كافة الأطر التربوية والإدارية والتقنية، التي أبلت البلاء الحسن في بناء جامعتنا، غير أن النقص يطال بعض التخصصات الدقيقة والنادرة، لذلك نعمل على تجاوز هذا المشكل من خلال عملية التوظيف وكذا من خلال الأساتذة العرضيين أو المتعاونين من عالم المهنيين والمقاولين. كما لا يفوتني التذكير بأن البرنامج الاستعجالي رصد ميزانية مهمة للتكوين وإعادة التكوين، مع إجبارية التكوين في البيداغوجيا (علوم التربية) بالنسبة إلى الأساتذة الجدد من ناحية تكوين الأساتذة. - هناك ظاهرة مقلقة وهي الاكتظاظ داخل جامعة عبد المالك السعدي، هل هناك إستراتيجية محددة لمواجهة ذلك؟ -يزداد عدد الحاصلين على الباكلوريا سنويا بنسبة تفوق 30 في المائة، وهذا يعني أننا ملزَمون بإعداد المقاعد الكافية ويبتوفير التعليم الجيد لكل من يرغب في الالتحاق بجامعتنا. هذا أمر ليس باليسير، لأن هناك إكراهات وصعوبات عديدة تعرفها جامعتنا من حيث البنيات التحتية. فبعض المؤسسات التي تكوّن النواة الأولى لجامعة عبد المالك السعدي تقادمت وأصبح إصلاحها وإعادة هيكلتها أمرا ضروريا. هذا واحد من أسباب الاكتظاظ الذي تشكو منه بعض الكليات. وهناك سبب آخر لا يقل أهمية، وهو أن مؤسساتنا الجامعية نوعان، فهي إما مؤسسات ذات استقطاب مفتوح، ككليات الآداب والحقوق والعلوم، وهذه الكليات تقبل الحاصلين على الباكلوريا دون قيد أو شرط، مما يؤدي إلى حدوث نوع من الاكتظاظ في بعض التكوينات، وهذا الاكتظاظ يؤثر سلبا على جودة التعليم، أو مؤسسات ذات استقطاب محدود، مثل المدرسة الوطنية للتجارة والتسيير والمدرسة الوطنية للعلوم التطبيقية والمدرسة العليا للأساتذة ومدرسة الملك فهد العليا للترجمة، وهذه المؤسسات يكون فيها التعليم جيدا، لأنها تتحكم في عدد الملتحقين، من خلال آلية الاستحقاق، التي توفر مقاعد للمتفوقين لا غير، ومن تم فإن جودة التعليم عالية. إن الأنظمة الجامعية في العالم المتقدم ترتكز على الانتقاء، وهذا أمر ما يزال عندنا من الطابوهات المسكوت عنها. فنحن عندما نقبل الطلبة من دون توجيه أو انتقاء نكون قد أسأنا إليهم وإلى أهلهم ولا نقدم لهم خدمة إيجابية ،ومع ذلك فقد عملنا على الرفع من القدرة الاستيعابية للمؤسسات الجامعية بما يستجيب للأعداد المتزايدة من الحاصلين على الباكلوريا والذين وضعوا ثقتهم في مؤسساتنا، ليس فقط لأنها قريبة منهم ولكنْ، أساسا، لأنها أصبحت توفر تكوينا عصريا متماشيا مع المعايير الدولية. -لماذا ظل الإصلاح مقتصرا على البنيات والهياكل الكبرى دون أن يشمل بشكل مباشر الجامعة والطالب على وجه التحديد؟ -من يقوم بقراءة مفصلة لمختلف مشاريع البرنامج الاستعجالي، يجد أنه يركز، بالأساس، على الموارد البشرية وعلى الطالب بالدرجة الأولى، باعتباره النواة الأساسية للمنظومة التعليمية، ومن تم نحاول أن نجعل الطالب على رأس اهتماماتنا، من خلال بلورة منظومة جامعية مبنيّة على نظام الوحدات والأسدسات والاهتمام أكثر بالتواصل واللغات والمعلوميات، رغبة في تجاوز مَواطن النقص التي كان يعاني منها الطالب في الجامعة المغربية، وعليه فلا حديث عن جامعة بدون طالب وبدون مراعاة احتياجاته التعليمية والاجتماعية والثقافية. -ألا تلاحظ أن المستفيد الأكبر من اتفاقيات الشراكة الدولية التي تبرمونها هي المؤسسات الأجنبية، رغم ما توفره هذه الأخيرة من اعتمادات مالية و تقنية مهمة؟ - نعتبر تنميةُ العلاقات الدولية في جامعتنا من الأولويات، فقد حصلت جامعتنا على مركز متقدم جدا من خلال البرامج الأوربية «TEMPUS» و «ERASMUS» مثلا خلال العشرية الأخيرة، ويَكفينا فخرا، هذه السنة، أن تكون جامعتُنا ممثلةً في المشاريع «TEMPUS» الثلاثة التي أحرزها المغرب. نفس الشيء بالنسبة إلى مشاريع «إرسموس»، حيث نتواجد في المشروعين اللذين أحرزهما المغرب برسم سنة 2011. في ما يخص كون هذه المشاريع تَخدُم الأجندات التربوية الأجنبية، فهذا غير صحيح، بل على العكس، إذ يمكن أن أجزم أن أطر وطلبة جامعتنا هي المستفيدة أساساً من هذه المشاريع، وخير مثال على ذلك البرامج الأكاديمية التي تربطنا مع مجموعة من الجامعات الإسبانية، كالجامعة الدولية الأندلسية، التي ننظم سنويا بشراكة معها الدروسَ الصيفية الموجهة لطلبتنا ولإداريي الجامعة والمجتمع المدني، بتأطير من أساتذة نِصفُهم من جامعتنا. أضف إلى هذا أن ما يزيد على 40 أستاذا وطالبا يستفيدون سنويا من الحركية في إطار برامج «إرسموس» و«مندوس» و«ابن رشد» و«الإدريسي». لذا، يمكن للمرء أن يرى أن المستفيد من هذه البرامج التربوية والشراكة العلمية، في آخر المطاف، هم بالخصوص طلبتنا وأساتذتنا، وحتى فعاليات المجتمع المدني في الجهة.