كان ياسين (23سنة) من رواد المقهى الأوفياء بحكم عطالته الدائمة. كان يقضي النهار به والليل مع صديقه بأحد أرجاء المدينة في الخمرة. كان يعشق الحانات، التي لم تكن تتوفر في مدينة تاوريرت، لذا كان يتحمل مشاق التنقل إلى مدينة وجدة ليواصل لياليه الحمراء بعلب الليل التي كانت تستهويه وتسلب عقله. لكنه لم تكن له القدرة على منافسة أقرانه كان ياسين (23 سنة) يقف وراء الشرطي مصفد اليدين ينتظر دوره لسماع الحكم عليه في جريمة قتل ذهب ضحيتها عجوز طاعن في السن من 75 سنة. وكان إلى جانبه صالح صديقه وشريكه في الفعل. لم تكن لهما القوة للتحدث بينهما، حيث كانت فرائصهما ترتجف وأرجلهما لا تقدر على حمل جسميهما اللذين هَدَّتْهُما أيام السجن القليلة التي قضياها في انتظار إصدار الحكم النهائي. كانت العيون مغرورقة بالدموع وكانت تنبعث منهما رائحة كريهة، إذ كان اليوم حارا.. عودة العجوز من الديار الفرنسية كان بيت العجوز (75 سنة) مكون من طابقين بأحد الأحياء بمدينة تاوريرت، حيث بناه من عرق جبينه بالديار الفرنسية قبل أن يعود إلى المغرب للاستقرار به وحده بعد أن تعذر على أبنائه اللحاق به لأسباب عدة، منها متابعة أحفاده دراستهم بالمدارس الفرنسية. كان البيت ثمرة تقاعد أفنى فيه العجوز عمره، حيث خصص المحل الأرضي لمقهى تقليدي والطابق الأول للضيوف والأبناء عند عودتهم صيفا واحتكر الطابق الثاني بعيدا عن ضوضاء المقهى وصخب الزبناء. كان العجوز «بومدين» قصير القامة، نحيل الجسم، أبيض الشعر تغطيه شاشية بدوية ولم تكن تظهر عليه علامات الشيخوخة رغم تقدمه في السن، بل كان نشيط الحركة، خفيف المشية. كان دائم الاهتمام ببيته وبنظافة الفضاء المجاور له، حيث كان يُشَاهد دائما وهو يغرس الأشجار ويشذب الأغصان ويكنس الأوساخ ويرمم البيت دون أن يحتاج إلى بنائين. كان عارفا بالأمور وكانت علاقاته بالزبائن و برواد المقهى حسنة وكان متعودا على العيش وحيدا ويسافر مرة كل ثلاثة أشهر إلى فرنسا. وكان يقضي معظم وقته بالمقهى يراقب الحسابات ويجمع المداخيل ليلا وبعد ذلك يصعد إلى البيت للنوم تاركا مسؤولية فتح المقهى في الصباح الموالي للمستخدم. حلم شاب بدون مال كان ياسين (23سنة) من رواد المقهى الأوفياء بحكم عطالته الدائمة. كان يقضي النهار به والليل مع صديقه بأحد أرجاء المدينة في الخمرة. كان يعشق الحانات، التي لم تكن تتوفر في مدينة تاوريرت، لذا كان يتحمل مشاق التنقل إلى مدينة وجدة ليواصل لياليه الحمراء بعلب الليل التي كانت تستهويه وتسلب عقله. لكنه لم تكن له القدرة على منافسة أقرانه الذين كانوا يشربون كثيرا وبجانب كل واحد منهم فتاة. ورغم أن ياسين كان أشقر الشعر ووسيما، فإنه لم يكن يجلب فتيات ولو غير جميلات. لم يكن المكان يحكمه الجمال ولا الوسامة، بل كان المقام بالمدام والهيام بالدرهم. وكان هذا المال بعيد المنال عن ياسين. ليلة الجريمة وحلم يتحقق كانت الساعة تشير إلى الثامنة من مساء يوم السبت من يونيو الماضي لما دعا ياسين صديقه لقضاء «الصامدي سوار» معه بإحدى العلب الليلة بمدينة وجدة.لم يكن من الصعب على ياسين ولوج بيت الشيخ العجوز بومدين من داخل المقهى عبر باب متصل بداخله بعد أن استغفل المستخدم الذي كان منهمكا في البحث عن علب من القهوة والشاي من داخل خزانة أرضية. دخل ياسين بيت الشيخ بومدين، الذي يعرف جيدا تصميمه، حيث كان في الكثير من الأحيان يساعده في ترميم بعض الجدران الداخلية وسطح المنزل مقابل بعض المال. كانت ثقة الشيخ كبيرة بياسين، الذي كان مؤدبا ومحبا لتقديم الخدمات. صعد الشاب الأشقر أدراج الطابق الأول دون أن يحدث صوتا.لم يكن بالغرف نورٌ ولكن كان يعلم جيدا أن غرفة الشيخ بالطابق الثاني. كان العجوز يستعد للنوم قبل إطفاء الأنوار بعد أن تمدد على سريره. وفي لحظة تقلبه شاهد ياسين. فهم العجوز ما دار بخلد الشاب وهدف اقتحامه المنزل، ونهض بكل قواه للدفاع عن نفسه وحرمة بيته. لكن الشاب الأشقر كان أخف منه وأسرع، حيث عالجه بضربة رجل أسقطته أرضا وجره إلى السرير. حاول الشيخ مقاومة الشاب، لكن لم يفلح فكانت آخر مقاومته صرخة ضاعت في ضوضاء المقهى .لم يكن له الوقت لتكرارها حيث استولى ياسين على وسادة وأطبقها على وجه العجوز الذي فقد كل حركة. كان لياسين الوقت الكافي لتفتيش الخزانة والاستيلاء على مبلغ مالي عده فكانت الحصيلة 2000 درهم. تسلل الفاعل إلى خارج البيت حيث كان في استقباله صديقه صالح وقصدا مدينة وجدة بعد أن اكتريا سيارة طاكسي كبير أقلتهما إلى العلبة الليلية المعلومة لقضاء ليلة حمراء ماجنة مع فتيات النشاط كما كان يحلم بذلك من قبل. كشف خيوط الجريمة تلقت عناصر الشرطة القضائية للأبحاث والتحري بتاوريرت، حوالي الساعة التاسعة من صباح الأحد، خبرا من مستخدم المقهى مفاده أن العجوز بومدين صاحب المقهى لا يستجيب لدقات الباب، وهو أمر غير عادي. شاع خبر مقتل العجوز كالهشيم في النار وتجمع حول البيت العديد من المواطنين والزبائن يستنكرون الفعل الشنيع الذي ارتكب، وكان من بين المستنكرين ياسين الذي رجع من وجدة في الصباح الباكر بمعية صديقه بعد أن صرفا كل ما كان بحوزتهما. وفور توصلها بالخبر انتقلت العناصر الأمنية إلى مسرح الجريمة وفتحت الباب وعاينت الضحية وفهمت أسبابها، وفي لحظة وجيزة نجح المفتش في تركيب الجريمة وتقديم فرضيات حول الفاعل. توصل المفتش إلى اقتناع بأن القاتل من معارف الشيخ وزائري البيت ورواد المقهى بحكم عدم وجود أي كسر بالأبواب والنوافذ، فتم استدعاؤهم واحدا واحدا، لكن دون التوصل إلى الفاعل. بعد ذلك توجه مفتش الشرطة بمعية معاونيه إلى «أمين» سيارات الأجرة الكبيرة واستفسروه عن شخص أو أشخاص تحركوا تلك الليلة في اتجاه ما. لم يكن الجواب بالعسير، حيث كانت كل سفرية تسجل في سجل وتؤخذ هوية أحد الركاب. أعطيت أوصاف الشابين اللذين سافرا إلى مدينة وجدة فتم استدعاؤهما وحوصرا بالأسئلة. كانت خمس دقائق كافية لياسين أن ينهار ويعترف بما اقترفت يداه وهو يبكي ويقسم بأنه لم يكن ينوي قتله، لكن الشيخ مات... جريمة وعقاب نطق القاضي بالحكم الذي أصدرته محكمة الاستئناف بإدانة الشاب سلام ياسين المزداد سنة 1982 بتاوريرت بحي الحرية بثلاثين سنة 30 سجنا نافذا بعد متابعته بالضرب والجرح المفضيين إلى الموت، فيما أدين صديقه صالح بأربع سنوات حبسا نافذا من أجل المشاركة وعدم التبليغ عن جناية.