هشام طلعت مصطفى، المتهم بالتحريض على قتل المغنية سوزان تميم، حصل على أراض كثيرة من أملاك الدولة، أي من أملاك الشعب المصري، وبنى بها مساكن وإقامات وجنى الملايير كأرباح، ثم بدأ يوزع أرباحه على نزواته من دون حسيب أو رقيب لأنه مقرب من مصادر القرار. وعندما ظهرت تفاصيل الجريمة، حاول الكثيرون التستر عليها لأنها لن تكشف فقط تفاصيل مقتل سوزان، بل أيضا ستكشف الجريمة التي ارتكبتها الحكومة عندما فوّتت أراضي كثيرة بالمجان أو بثمن رمزي لقاتل. جريمة قتل المغنية اللبنانية سوزان تميم لن تنتهي فصولها قريبا، ومن الأفضل ألا تنتهي لأنها تحمل الكثير من الدروس الاجتماعية والسياسية، وأيضا ستكون مفيدة جدا للشعب المصري، ولباقي الشعوب العربية التي ترى الآن كيف أن أموالها يعبث بها رجال أعمال وسياسيون ويرمون ملايين الدولارات تحت أقدام مغنيات وفنانات. جريمة غبية جريمة مقتل سوزان تميم هي أيضا كتلة من الإثارة. فالمتهم بتنفيد الجريمة، محسن السكري، هو مدير شركة للأمن وضابط سابق وأحد أشهر الأسماء في مجال حماية الشخصيات المهمة، بمن فيها الشخصيات السياسية العالمية التي كانت تزور منطقة شرم الشيخ لحضور المؤتمرات الشهيرة حول السلام أو الإرهاب. هكذا اكتسب السكري الكثير من الشهرة في هذا المجال، خصوصا وأنه كان يتغنى دائما بأنه عمل في العراق لمدة ثلاث سنوات في وقت كانت العمليات المسلحة في أوجها، وأنه سهل عملية فرار مخطوفين مصريين من قبضة جماعات مسلحة، كما وفر الحماية الأمنية لشركة الاتصالات العراقية «عراقنا». هذا يعني أن هذا الضابط السابق، وخلال مدة عمله في الأمن، استطاع أن يكسب علاقات وازنة مع شخصيات كبيرة داخل مصر وخارجها، خصوصا وأنه كان أيضا مدير أمن فندق «فور سيزونز» في شرم الشيخ، وهو الفندق الذي تعود ملكيته إلى عائلة الرئيس المصري، وفيه تعقد كل المؤتمرات الحساسة، بحيث لا يسمح حتى لذبابة أن تلج باب الفندق من دون إذن. السكري هو أيضا في مقتبل العمر، فهو في التاسعة والثلاثين من عمره وله طفلة، ورصيده في الأبناك أكثر من محترم، وكان من الممكن أن يستمتع كثيرا بحياته على هذه الطريقة قبل أن يظهر إغراء المليوني دولار التي منحها له هشام طلعت لتنفيذ الجريمة، فتحولت حياة الرجل إلى كابوس حقيقي. أما المتهم بالتحريض على القتل، هشام طلعت مصطفى، فهو مدلل السلطة بامتياز والمقرب كثيرا من ابن الرئيس جمال مبارك، هذا الولد الذي تقول الأخبار باستمرار إنه سيرث والده على رأس الجمهورية المصرية المحروسة، خصوصا وأن جمال استطاع أن يتحول إلى نجم سياسي عبر المناصب التي يتقلدها في الحزب الحاكم، واستطاع أيضا أن ينسج علاقات قوية جدا مع الكثير من رجال الأعمال في مصر، حيث إن السياسة لا يمكن أن تتحرك بمعزل عن المال. العلاقة التي تربط هشام طلعت بالسلطة هي التي جعلته يتحول إلى ملياردير كبير، ومع أنه رجل في الخمسينيات، فقد استطاع أن يكوّن ثروة بشكل سريع يحار الناس في معرفة مصادرها. غير أن المصريين يعرفون أن الرجل، الذي يهتم بمجال العقار أكثر، حصل على أراض كثيرة من الدولة المصرية بالمجان أو بما يشبه الثمن الرمزي، وهو في ذلك يشبه كثيرين من أغنياء العقار الذين تحولوا إلى مليارديرات لأنهم استولوا على أراض كثيرة بدون مقابل تقريبا. ويحاول محامون في مصر حاليا التقدم بدعوى إلى النيابة العامة من أجل التحفظ على أموال هشام طلعت، ومن بين أسباب هذا الطلب هو أن الحكومة منحته مساحات كبيرة من الأراضي، والتي بنى عليها مشاريعه العمرانية، وجنى من ورائها أرباحا خيالية، وهي الأرباح التي صار يوظفها في مغامراته ونزواته. هكذا التقى رجلان من الحجم الثقيل في جريمة غبية. الأول قاتل محترف، أو هذا ما كان يعتقده عن نفسه قبل أن يرتكب أخطاء قاتلة في جريمته التي قادت إلى التعرف عليه بسهولة، والثاني رجل أعمال متهور عانى الأمرين على يد مغنية مغمورة كان يريد التخلص منها لسببين رئيسيين، الأول أنها لم تعد تريده بعد أن حصلت منه على أموال طائلة، والثاني أنها قدمت ورقة زواج عرفي إلى السلطات البريطانية، وكان من الممكن أن تطالب بالحصول على نصف ممتلكاته وفق القانون البريطاني، خصوصا وأن الزواج تم على الأراضي البريطانية. لكن ما أجج غضب رجل الأعمال هو أن عشيقته تزوجت بحارسها ورفضته. فهذه المغنية التي كانت تبحث عن كل الفرص الممكنة في دبي وفي غير دبي، تزوجت الملاكم العراقي السابق وحارسها الشخصي رياض العزاوي، ولم يكن هذا الزواج سوى وسيلة لحماية نفسها من اعتداءات محتملة، خصوصا وأن رجل الأعمال والسياسي المصري كان يهددها باستمرار، وكانت تعرف أنها إن لم تقتل فإن هناك إمكانية لتوريطها في قضية كبيرة، مثل الدعارة أو المتاجرة في المخدرات. صدفة من أجل الاعتبار ربما يكون من قبيل الصدفة المحضة أن يتزامن الكشف عن تفاصيل مقتل سوزان تميم مع النكبة التي تعرض لها مصريون فقراء في منطقة الدويقة بالقاهرة، حين انهارت عليهم صخور عملاقة أدت إلى مقتل العشرات، بينما ظل الكثيرون محاصرين تحت الصخور، وكان من بين المحاصرين أطفال، وهناك من كان يتصل من تحت الصخور بالهاتف النقال يطلب المساعدة، فيكون الجواب هو أن فرق الإنقاذ لا تملك وسائل تقطيع الأحجار، والحل طبعا هو أن ينتظر هؤلاء تحت الصخور إلى أن يفارقوا الحياة. وبينما لا تتوفر الحكومة المصرية على وسائل لتقطيع الصخور لإنقاذ أطفال ونساء تحت الركام، فإن جريمة سوزان تميم كشفت أن أحد أشهر رجال الأعمال المرتبطين بها أنفق على عشيقته سوزان في بضعة أيام فقط أزيد من 12 مليون دولار لكي يفوز بقلبها، بالإضافة إلى أموال أخرى كثيرة كان يبعثها لها أو يشتري لها هدايا. كما حصل هشام طلعت على أراض كثيرة بالمجان أو بأسعار رمزية، وهذه الأراضي هي في ملكية الشعب المصري، وبواسطتها بنى مساكن وباعها لهذا الشعب نفسه، أي أنه طبق معه المثل المغربي الذي يقول «بزيتو قليه»، وبواسطة الأموال التي جناها تحولت حياته إلى عبث حقيقي في إطار المنافسة على كسب قلوب وأجساد مغنيات وفنانات، بينما الفقراء لا يجدون من يخرجهم من تحت الصخور لأنه لا توجد أموال لشراء معدات، بينما أموال الشعب يتم رميها في غرف النوم وتحت أقدام النزوات. حكاية مغربية مشابهة.. لكن بنهاية غير مأساوية يحكي مصدر مطلع كيف أن سيرة فنانة مغربية كانت تتشابه إلى حد ما، ليس مع سيرة سوزان تميم، بل مع سيرة أغلب الفنانات العربيات، اللواتي يبحثن عن ركوب قطار الذهب وهن في أوج «عطائهن» قبل أن يفوتهن قطار الحياة. ويقول هذا المصدر إن هذه الفنانة كانت لها علاقة عاطفية شهيرة بسياسي مغربي، والذي لم يكن اسمه بارزا على المستوى السياسي بعد انضمامه إلى حزب شهير، لكنه في كل الأحوال كان واحدا من كبار رجال الأعمال في المغرب، وله ارتباط بمجال العقار، ويتحدر من عائلة معروفة بأنشطتها المالية في مجال الصناعة والبناء. كان ارتباط هذا السياسي ورجل الأعمال بهذه الفنانة، وهي معروفة ولها أغاني شهيرة، حديث الخاص والعام، وعرف النواب بأمر هذه العلاقة وتداولوها سرا. وكان رجل الأعمال، وهو شاب ذكي وسخي، يتنقل باستمرار بين الرباط، حيث يمارس مهامه كبرلماني وحيث توجد خاطفة قلبه، وبين مقر أسرته وأعماله. وتتحدث مصادر مطلعة كيف أن هذا الرجل كان سخيا مع الفنانة إلى أقصى الحدود، وأنه كتب لها في شيك واحد مبلغ 100 مليون سنتيم، ثم كتب لها شيكات أخرى، وأمطرها بالهدايا من كل نوع لأنه كما يبدو كان ولهانا بها، وهي كانت ولهانة بأمواله، وطيبوبته أيضا. وكما كان متوقعا لهذه العلاقة، فقد انتهت في يوم ما من دون سبب واضح، وأصيب رجل الأعمال الشاب بإحباط كبير، وتراكمت عليه المشاكل الأخرى في وقت صعب، وعانى صحيا ونفسيا وماليا. أما رفيقته «المخلصة جدا» فقد انتقلت بسرعة إلى حضن رجل آخر، لم يكن سوى رجل أعمال من نفس المنطقة، تحوم حوله شبهات كثيرة بسبب مصادر أمواله، وتبين فيما بعد أنه مرتبط بتجارة المخدرات، وظهر اسمه في لائحة للمقبوض عليهم في إحدى الحملات الأمنية. الفنانة لم تكن تهدأ أبدا، لأنها كانت تكسب إعجاب الجميع، هذا يشتري لها سيارة فاخرة، وآخر يمنحها قطعة أرض على الشاطئ، وثالث يقدم لها هدية ثمينة.. وهكذا دواليك.. وعندما انتهت من «موسم الهجرة إلى الشمال»، ترزّنت قليلا وغابت عن الأضواء لفترة في انتظار موسم هجرة آخر.