في إحدى أجمل مقولاته، قال المفكر الكبير هندو رابيندرامات تاغور: «لا تلتمس الحماية من الأخطار، وإنما اعمل على مواجهتها». ينبغي أن يتأمل المسؤولون المغاربة هذه الجملة جيدا، ولاسيما منهم أولئك المرشحون لتحمل مسؤوليات حكومية بعد انتخابات نونبر المقبل. فقد بات بديهيا أن المغرب يوشك أن يلج إلى منطقة أعاصير مالية واقتصادية ستكون لها تأثيرات أكيدة على اقتصاد البلاد. ف«السخاء» الذي أبانت عنه الحكومة الحالية، عندما كشفت خلال حملة الاستفتاء الأخير عن دعم صندوق المقاصة بميزانية إضافية وصلت إلى 15 مليار درهم والزيادة في الأجور في القطاعين العام والخاص، سيجثم بثقله على ميزانية الدولة وسيعمق العجز الموازناتي ليخرق عتبة 6 في المائة. ويبدو أن الثمن الذي أدته الحكومة لتخفيف حدة الاحتجاجات وشراء السلم الاجتماعي سينعكس سلبا على المالية العمومية. ويخشى أن تفقد التوازنات الماكرواقتصادية الكبرى، التي عمل المغرب على مدى عشر سنوات من أجل إقامتها، توازنها وتدخل في أزمة. إنها نفقات إضافية بقيمة 48 مليار درهم. عجز يفرض اللجوء إلى المديونية، التي تستلزم بدورها الصرامة الاقتصادية، وهذه الصرامة ستتسبب في العطالة وتراجع المداخيل، ويمكن أن تكون لها انعكاسات غاية في السلبية على المشهد السياسي. ونذكر، في هذا السياق، أن الأزمة الاقتصادية التي عرفها المغرب في أواخر سبعينيات القرن الماضي واستمرت في الثمانينيات تسببت في ثلاثة أحداث عنف كبرى: يونيو 1981 في الدارالبيضاء و1984 في الشمال ومراكش، و1990 في فاس. وقد أدى المغرب بذلك ثمن التقشف بخسائر مادية وبشرية كبرى. الوضعية الراهنة وإن لم تكن درامية كما في السابق، فإنها تبعث على القلق. ولذلك، ينبغي ألا نغفل عن تزايد عجز الميزانية وارتفاع المديونية وتراجع النمو الاقتصادي المسجل لدى شركائنا الاقتصاديين، والذي يجبرهم بدورهم على تبني سياسة التقشف، ذلك أن فرنسا وإسبانيا، اللتين تتصدران قائمة زبنائنا وممونينا، تبنتا سياسة تقشف ستكون لها، بكل تأكيد، تأثيرات سلبية على الاقتصاد الوطني. ثمة، إذن، متسع من الوقت لبلورة حلول كفيلة بمواجهة هذه الظرفية الصعبة، ووضع تصور من الآن لسياسة اقتصادية كفيلة بمواجهة هذا الوضع. المشكلة أن بنية اقتصادنا، تماما مثل بينة مجتمعنا، لا تتيح هامشا كبيرا للمناورة. اقتصاديا، سجل تراجع في المداخيل الضريبية بسبب قطاع غير مهيكل يمثل 25 في المائة من النسيج الاقتصادي الوطني، بالإضافة إلى التهرب الضريبي الذي بات يشكل، حقيقة، «رياضة وطنية» تحد من فعالية السياسة المنتهجة في هذا الميدان وتحتم على الدولة الارتكاز على اليسير نيله من أموال دافعي الضرائب. وترتب عن ذلك إثقال كاهل الأجراء باعتبارهم الوحيدين غير المتاح لهم التهرب من الضرائب، والسبب أن هذه الضرائب تقتطع من أجورهم من مصدرها. إجمالا، تكون فئة عريضة من الطبقتين المتوسطة والفقيرة مجبرة على أداء فاتورة العجز العمومي. بتعبير آخر، ما أقرته الحكومة الحالية من زيادة في الأجور ستتولى الحكومة المقبل استرجاعه. وإذا كان المغرب قد نجح إلى حدود الساعة في امتصاص صدمة الربيع العربي بفضل تنازلات اجتماعية، فإنه لن يستطيع تفادي منطقة الأعاصير المالية التي تلوح في الأفق، خصوصا في ظل ارتفاع أسعار المحروقات والمواد الفلاحية. فما العمل؟ إنه السؤال العريض الذي يجب أن يجيب عنه أولئك الذين يستعدون لتسلم السلطة، وأعني بذلك الأحزاب السياسية.. يجب أن يوضحوا لنا ما الذي سيقومون به من أجل حل هذا المشكل.. هل سيلجؤون من جديد إلى الوصفات النيوليبرالية القديمة (المقترحة من صندوق النقد الدولي والبنك العالمي)، وهي الوصفات التي تقضي بأن تتحمل أغلبية المحرومين فاتورة الاختلالات المسجلة؟ سيحمل حل من هذا القبيل في طياته مخاطرة كبيرة في ظل الغليان الاجتماعي والسياسي الذي لم يهدأ بعد بشكل نهائي. فلماذا لا نستلهم حلولا من روح العصر، وهي فرض أداء تلك الفاتورة على الأغنياء؟ وقد فطن بعض الأثرياء في الولاياتالمتحدةالأمريكيةوفرنسا إلى هذا الأمر واقترحوا استخلاص ضرائب منهم. يا لها من مواطنة! هل يستطيع أغنياؤنا القيام بخطوة من هذا القبيل، هم الذين استفادوا من امتيازات عديدة كالمغربة والخوصصة والتحفيزات الضريبية؟ هل يستطيع أغنياؤنا تبني سلوك يعبرون من خلاله عن عرفانهم تجاه الأمة التي أثرتهم أغنتهم؟ لا ينبغي أن نسقط في شراك الأوهام، فالفتاة الجميلة لا يمكنها أن تعطي سوى ما تملكه. الكرة في ملعب الفاعلين السياسيين ليوضحوا لنا الحلول التي سيتبنونها لحل الأزمة.