في المدينة القديمة للدار البيضاء منح جيل من المقاومين والفنانين والرياضيين والمثقفين التوهج والتألق والتاريخ للمغرب، بين أحياء كوبا والطليان والإسبان والبرتغال... ظهر نجوم أوصلوا شهرته إلى كل البقاع، في هذه الأحياء الفقيرة، تقوت ملامح فن أصيل اسمه «العيطة»، وبين شوارعه انطلق التألق الرياضي والمسرحي والتراثي.. في هذه الأحياء الشعبية، ظهر نجوم كبار في تاريخ المغرب، فيها عاش الأب جيكو، عبد الله المصباحي، بوشعيب البيضاوي، ابراهيم العلمي، العربي بن مبارك، محمد بنجلون، الزرقطوني، أمي الهرنونية، البشير لعلج، وباعزيزي، المعطي البيضاوي وآخرون.. لا يمكن الحديث عن فن العيطة دون أن ذكر الفنان الراحل المارشال قيبو. ويعد هذا الاسم أحد أشهر العازفين على الكمان في تاريخ الأغنية، حسب ما يؤكد العديد من الباحثين في الموسيقى، وهو أحد أبناء المدينة القديمة، اشتغل مع بوشعيب البيضاوي، بوشعيب زليغة... وتتلمذ على يده الفنان عبد الله البيضاوي وغيره. وعلى الرغم من قلة المعطيات المتعلقة بحياة الفنان المارشال قيبو، فإن الفنان والسيناريسيت حسن العروس يتذكر أثره في المدينة القديمة قائلا: «أول شيء يجب التذكير به أن للراحل ابنا كان يشتغل حارسا عاما قبل أن يتقاعد ويشغل منصب مدير مؤسسة حرة، وكان الراحل يسكن بزنقة «الديوانة»، وهو يعد أحد أمهر العازفين وأشهرهم في الدارالبيضاء، وقدرته على مداعبة الكمان لا يمكن أن توصف.. وكان كل أبناء المدينة القديمة يعرفون هذا الاسم، الذي ساهم في إثراء الخزانة المغربية بالعديد من الأغاني الشعبية المنتمية إلى العيطة المرساوية، وفي تلك الفترة كان الجميع يحترم الرجل ويقدر حجمه الفني». وحول تسميته بالمارشال قيبو، قال الفنان حسن العروس: «تروي بعض الروايات أن لقب «المارشال» أطلق عليه على اعتبار أنه وصل درجة المارشال التي تعد أرفع درجة في الترتيب العسكري، وهذا يعني أنه كان خارقا في فن العيطة، ولاسيما في العزف على «الكمنجة»، وبقي هذا الاسم ملازما له طوال حياته». ويحكي الفنان حسن العروس ذكرياته الخاصة مع الفنان المارشال قيبو قائلا: «أتذكر أن قيبو هو من أحيى حفل زفافي، وقدم العيوط بمدينة ابن سليمان، في الوقت الذي قدم فيه الفنان بوشعيب زليغة عيوطا بعرس آخر عائلي بمدينة القنيطرة أثناء إعذار ابني مومن وسعد، وابني أخي كريم وعادل في ضيعة «روكس» قرب سيدي علال التازي. وأتذكر أنه تم الإتيان من مدينة بني ملال بالشيخة «الغالية» بحضور العديد من الشخصيات، من بينهم بلعالم كاتب الدولة السابق بالداخلية وعبد الحميد الزموري وعامل القنيطرة. وكانت السهرات مثيرة للغاية، ومن فرط الإمتاع، اشتدت منافسة قوية بين الفنانة الغالية و«رباعتها» وبين الفنان المارشال قيبو ورفقائه من جهة أخرى، مما أدى إلى استمتاع الناس الحاضرين في هذا العرس العائلي. وهنا أستغلها فرصة لأذكر بأن الفنانة الشيخة الغالية كانت قوية البنية وتتكفل بسياقة السيارة التي تنقل الشيخات الأخريات، وهي بمثابة قائدة للفرقة». وبلغة طريفة يحكي الفنان والسيناريست حسن العروس عن الأيام التي تلت رحيل الفنان المارشال قيبو قائلا: «بعد الإعلان عن وفاة هذا الفنان، ترددت في المغرب ولاسيما في أحياء المدينة القديمة إشاعة لا يمكن أن أنفيها أو أؤكدها، تشير إلى أن أحد القادة الأفارقة بعد سماعه وفاة مارشال بالمغرب، بعث إلى الملك الراحل الحسن الثاني رسالة مواساة، دون أن يعرف أن الأمر يتعلق بفنان، وبقي أبناء المدينة يرددون هذا الحادث بما يشبه النكتة». اشتهر الفنان المارشال قيبو باشتغاله الطويل مع الفنان بوشعيب البيضاوي وقدم معه العديد من الأغاني، من بينها «أعلاش تعذبني». كما أعادا أغنية «خربوشة». وقد ساهم، حسب الباحثين، في شهرتها الكبيرة في مجال العيطة، كما غنى مع الفنانة الحاجة الحمونية أشهر أغاني العيطة، من بينها أغنية «اللي بغا حبيبو»، مع الإشارة إلى أن المارشال قيبو تعرف على الحاجة الحمونية الشهيرة في فنالعيطة الحصباوية عن طريق زوجها آنذاك الحاج الجيلالي. ويحكي الفنان عبد الله البيضاوي في لقاء صحفي سابق عن مساره وخصص حيزا للفنانين بوشعيب البيضاوي والمارشال قيبو ودورهما في هذا المسار، وذكر بأنه كان للبيضاوي دور كبير في تعلقه بفن العيطة، إلا أنه بوفاة بوشعيب البيضاوي سيبحث عبد الله البيضاوي لنفسه عن معلم آخر. ويضيف بهذا الصدد أنه كان معجبا بعازف الكمان الكبير الماريشال قيبو وأخذ عنه مبادئ العيطة ورافقه في محطة من محطاته الفنية.