في المدينة القديمة للدار البيضاء منح جيل من المقاومين والفنانين والرياضيين والمثقفين التوهج والتألق والتاريخ للمغرب، بين أحياء كوبا والطليان والإسبان والبرتغال... ظهر نجوم أوصلوا شهرته إلى كل البقاع، في هذه الأحياء الفقيرة، تقوت ملامح فن أصيل اسمه «العيطة»، وبين شوارعه انطلق التألق الرياضي والمسرحي والتراثي.. في هذه الأحياء الشعبية، ظهر نجوم كبار في تاريخ المغرب، فيها عاش الأب جيكو، عبد الله المصباحي، بوشعيب البيضاوي، ابراهيم العلمي، العربي بن مبارك، محمد بنجلون، الزرقطوني، أمي الهرنونية، البشير لعلج، وباعزيزي، المعطي البيضاوي وآخرون.. هو أحد مؤسسي الوداد البيضاوي، وحينما نتحدث عن الفريق الأحمر نتذكر الحاج محمد بنجلون الذي يرجع له الفضل في تأسيس ونهضة هذا الفريق العريق رفق الأب جيكو وأحمد رزوق ومحمد بلحسن بنجلون، ورالف بوطبول، وشال بنشتريت، وليسيان بيلغرينو، وبوغافيل، ومحمد ماسون. هو أحد الأبناء البررة للمدينة القديمة الذين ساهموا في إشعاعها، ويعد من الجماعة الأولى المؤسسة لنادي الوداد الرياضي، وأبرز اسم فيها، وهو من الرعيل الأول المتعلم تعليما عصريا، إذ يعد إلى جانب الراحل الأب جيكو أكثر تعلما واحتكاكا بالغرب وثقافته. بعدما درس محمد بنجلون في إحدى المدارس الابتدائية بالمدينة القديمة حصل على الباكالوريا سنة 1933 والتحق بباريس من أجل الدراسات العليا في تخصص التجارة، عاد إلى المغرب سنة 1935، ونشط داخل جمعية قدماء تلاميذ الدارالبيضاء وداخل بعض الجمعيات الرياضية. وحينما أسس المرحوم الحاج محمد بنجلون نادي الوداد البيضاوي كان على رأس أول مكتب مسير لهذا النادي. بقي الحاج محمد على رأس الوداد منذ تأسيسه سنة 1937 حتى سنة 1942. وعلى الرغم من انسحاب هذا الاسم الكبير من مسؤولية تسيير الفريق فإنه ظل، إلى حين التحاقه بالرفيق الأعلى، وفيا للوداد وأبا روحيا لكل الوداديين وذاكرة ومرجعا أساسيا حول تاريخ هذا الفريق ورجاله، ولا يكاد يذكر اسم نادي الوداد عند الخاص والعام إلا ويذكر معه اسم المرحوم الحاج محمد بنجلون، وقد أطلق اسمه على ملعب الوداد بمنطقة «الوازيس» بالدارالبيضاء. تحكي بعض المصادر الصحفية أن تأسيس فريق الوداد الرياضي - فرع كرة الماء- لم يكن بالأمر الهين، إذ أصرت سلطات الحماية الفرنسية على رفض منح الترخيص للفريق على امتداد سنوات طويلة، إذ كلما قدم الراحل محمد بنجلون الطلب إلا وقوبل بالرفض، وتضيف المصادر أن الفريق لم يحصل على الترخيص إلا في سنة 1937 بوساطة من أعضاء النادي الفرنسي المغربي بالبيضاء، بعدما عاود بنجلون تقديم الطلب بمناسبة معرض باريس. وتقول الروايات الصحفية إن «بداية الحكاية كانت من أحد المسابح الكائنة بالمدينة القديمة بالدارالبيضاء، حيث إن هذه المسابح كان لا يلجها إلا المنخرطون بأحد الأندية الرياضية، التي كانت في معظمها أوروبية خاضعة لعصبة السباحة، غير أنه في سنة 1935 بدأ المغاربة في الانخراط في هذه النوادي، ومع تزايد أعدادهم أثار ذلك حفيظة الفرنسيين، الذي دعوا، بدوافع عنصرية، إلى منع المغاربة من دخول المسابح، قبل أن ينصح عدد منهم المغاربة بتأسيس أندية خاصة بهم يفرضون وجودهم بها على العصبة ويكون من حقهم الاستفادة من المسابح، لذلك انطلقت فكرة تأسيس ناد للسباحة وكرة الماء. حصل الوداد الرياضي بداية على ترخيص من أجل تأسيس فرع كرة الماء سنة 1937، وهو الترخيص الذي كان مشروطا بالابتعاد عن الدين والسياسة والعنصرية، وأن تضم تشكيلة المكتب 12 شخصا: 6 فرنسيين و6 مغاربة. أسندت الرئاسة إلى الحاج محمد بنجلون، الذي يعتبر المؤسس الحقيقي للفريق». هو الميز العنصري الذي تحدث عنه محمد الزشاري في كتابه القيّم عن فريق الوداد البيضاوي. وبحكم تكوينه المعرفي المعمق أسندت إلى الدكتور بنجلون مسؤولية تحرير القوانين إلى جانب أسماء أخرى، فاقترح فكرة تحرير قوانين لناد تمارس فيه جميع الرياضات بدل الاقتصار على كرة الماء، وهي الفكرة التي عمل بقوة على أن يقنع بها عددا من رفاقه في الوداد ومن بينهم الأب جيكو، الذي كانت تراوده فكرة تأسيس فريق لكرة القدم. وتحكي بعض المصادر الصحفية أنه على الرغم من المخاوف التي أبداها مسيرو الوداد من رفض سلطات الحماية للمقترح، فقد تم قبول طلبهم بتأسيس مجموعة من الأنواع الرياضية ضمن نادي الوداد. وبعد تأسيس فرع السباحة، شهدت سنة 1938 تأسيس فريق كرة السلة، قبل أن يتم تأسيس أشهر وأكبر فرع في تاريخ النادي - فرع كرة القدم سنة 1939 الذي أسس بالمدينة القديمة، وتتلوه فروع أخرى ككرة اليد والكرة المستطيلة. أسندت الرئاسة الشرفية لفريق الوداد وقتها لولي العهد مولاي الحسن، بعد موافقة والده، آنذاك، الملك محمد الخامس، قبل أن تؤول الرئاسة الشرفية في الستينيات للأمير سيدي محمد الذي وافق والده الراحل الحسن الثاني على الطلب الذي تقدم به فريق الوداد. وخلال السنوات الأولى لتأسيس فريق الوداد، ظل الحاج بنجلون مدافعا عن الفريق وآمن بقدرة هذا الفريق على منح التاريخ لأبناء المدينة القديمة وأبناء درب السلطان.