كان لافتا، في صباح يوم الأربعاء، 11 ماي 2011، خلال إعادة تمثيل عملية تفجير مقهى «أركانة»، الحضور غير المسبوق ومنقطع النظير لقوات الأمن الخاصة أو ما يصطلح عليهم ب»الملثمين». القوات الخاصة تلفت الأنظار استأثرت فرقة التدخل الخاصة بالأمن الوطني، بلباسها المميز، باهتمام الحاضرين أثناء عملية إعادة تمثيل وقائع الاعتداء الإرهابي، بقدر ما استأثرت بانتباه آلاف المتجمهرين معرفة من يكون عادل العثماني وكيف سيكون رد فعله أثناء إعادة تركيب شريط الرعب الذي نفّذه، حسب إفاداته في محاضر فرقة التحقيق. وقد بدا عناصر فرقة التدخل الخاصة بالأمن الوطني، والمكونة من أفراد قوات مكافحة الإرهاب الخاصة، وهي تحيط بالمتهم بتفجير مقهى «أركانة»، يوم الخميس 28 أبريل 2011، بواسطة عبوتين ناسفتين عبارة عن طنجرتي ضغط «كوكوت مينوت» تحوي كل واحدة منهما على 6 و9 كيلوغرامات من المتفجرات. وقادت عناصر فرقة التدخل الخاصة المشتبَه في كونه المنفذ الرئيسي للاعتداء إلى ساحة «الكتبية»، حيث شرع في تهيئة العبوة الناسفة، قبل أن يقصد مقهى «أركانة»، وهو المكان الذي اختاره لتنفيذ عمله الإجرامي. ثم قام المشتبَه فيه، والذي بدا واثقا من نفسه وهو يعيد تمثيل عملية التخلص من بعض الأدوات التي استعملها من أجل التمويه والتخفي في هيأة سائح «هيبي» بوهيمي من أجل التستر عن عمله الذي مسّ أمن الوطن والمواطنين. العثماني يكشف حقائق جديدة خلال عملية تمثيل الجريمة، كشف عادل العثماني، البالغ من العمر 28 سنة، والذي كان يقيم مع زوجته الحامل، عن أمرين اثنين لم يسبق للسلطات الأمنية أن كشفت عنهما ولم ير لهما أثر على صفحات الجرائد إلى يوم إعادة تمثيل الجريمة. الأولى أن عادل العثماني، المشتبَه فيه الرئيسي في تنفيذ تفجيرات «أركانة»، مكث في المقهى مدة طويلة قُدِّرت ب45 دقيقة، وهي المدة التي أثارت استغراب المتتبعين الذين اعتقدوا أن العثماني صعد إلى الطابق الثاني للمقهى وشرب عصيره بسرعة، قبل أن يترك حقيبته تتفجر في وجه العشرات من زبناء المقهى الشهير. كما أن المشتبَه في الرئيسي أسرّ أثناء إعادته تمثيل الجريمة لرئيس الفرقة الوطنية للشرطة القضائية، عبد الحق الخيام، الذي كان بجواره، بأن سبب مكوثه تلك المدة يعود إلى وجود امرأة منقبة رفقة زوجها داخل المقهى، ما أثناه عن تنفيذ مخططه بالسرعة التي كان قد رسمها، فطلب عصيرا احتساه دون أن تغادر المنقبة، ما جعله يطلب «هلالية» أكلها دون أن تغادر المنقبة «أركانة»، ما اضطره إلى طلب فنجان قهوة وحليب.. وحينها همّت المرأة المنقبة بالخروج مع زوجها من المقهى، وسارع بدوره إلى مغادرتها، دون أن يشرب فنجان القهوة، بل عمد إلى دفع واجبه وأخبر النادل أنه سيترك حقيبته الرياضية والقيثارة إلى أن يعود بعد إجراء اتصال بصديقته لتلتحق به. وفي حدود الساعة ال11 و45 دقيقة، أدار عادل العثماني ظهره للمقهى واتجه نحو الشارع، حيث تتواجد محطة البنزين «شال» والحديقة المقابلة للساحة، المعروفة ب»عرصة البيلك». هناك، أخرج هاتفه المحمول من جيبه واتصل بالهاتف الذي تركه في الحقيبة الرياضية التي تحوي قنبلتين، ليدويّ انفجار كبير... لجأ إلى زقاق ضيّق وأزال الشعر المستعار ووضعه تحت إبطه، ثم استقل سيارة أجرة صغيرة في اتجاه محطة المسافرين في باب دكالة. في منتصف نهار 28 أبريل 2011، توقفت سيارة الأجرة في الحديقة المقابلة للمحطة الطرقية «باب دكالة» وتلخص من لحيته الصغيرة باستعمال آلة حلاقة اشتراها بدرهمين، قبل أن يركب الحافلة، عائدا إلى آسفي. عائلة ا لعثماني لم تصدق ما رأته في التلفزيون نقل عن العثماني خلال عملية تمثيله للجريمة التي عرفت إجراءات أمنية لم يسبق لها نظير قوله «إيلى طلقتوني غادي نْعاودها.. (في إشارة إلى التفجير) وأضاف المتهم الأول في العملية: «أنا دايرْ هاد الشي عن قناعة».. وكان يجيب رجال الأمن بحضور الوكيل العام «ما تسولونيشْ علاش داير هاد الشّي.. راه عندي قناعة، سولوني كيفاش درتو». وقد أذهل عادل العثماني، الم تهم بإعداد وتنفيذ تفجيرات «أركانة» يوم 28 أبريل، والتي خلفت 17 قتيلا، الجميع ببرودة أعصابه وبالحالة النفسية التي كان عليها، ففي الوقت الذي كان الجميع ينتظرون أن يظهر العثماني وسط ساحة «جامع الفنا» مصفد اليدين، مرتبكا ومضطربا، اختارت المصالح الأمنية ألا تصفد يديه وأن تطوقه بقوات الأمن الخاص، كما ظهر الشاب، المتحدر من مدينة آسفي، يبتسم في بعض الأحيان ويعيد تمثيل مراحل طريقه إلى «أركانة» ببطولية وعظمة جسدية، حتى خُيِّل للبعض أنه بصدد تمثيل أحد أفلام «الأكشن» وليس تمثيل جريمة خطيرة. فإذا كانت الحالة النفسية التي ظهر عليها عادل العثماني قد استفزت جموع المراكشيين الذي احتشدوا أمام مسرح الجريمة، فإن أفراد أسرة العثماني لم يصدقوا ما كانوا يرونه بأم أعينهم على شاشة التلفزيون. وهكذا أجمع عدد من أفراد أسرة عادل على أن الذي كان يعيد تجسيد وقائع تفجيرات «أركانة» لم يكن «عادل» الذي تربى وسطهم وفي أحضانهم وعرف عنه هدوء الطبع وطيبة النفس، على حد قولهم.