تحت عنوان «شكرا لكم ووداعا» أصدرت صحيفة «نيوز أوف ذي وورلد» آخر طبعة لها يوم الأحد الماضي، بعد قرار من ناشرها بإغلاقها. وقد كتبت الصحيفة، المعروفة بعناوينها الساخنة والمثيرة واهتمامها بكشف فضائح الأثرياء وأعضاء الأسرة المالكة والمشاهير، في آخر عدد «شكرا لكم ووداعا» فوق صورة مجمعة لأعدادها الأكثر شهرة التي نشرت طيلة 168 عاما. وأضافت في ملحق خاص «الحياة الإنسانية برمتها كانت هنا». ثمة شبه إجماع وسط المراقبين على أن فضيحة التنصّت التي غرقت فيها صحيفة «نيوز أوف ذي وورلد» وهزّت بريطانيا في الأيام القليلة الماضية هي في الواقع مجرد ختام لعدّ تنازلي بدأ منذ العام 2006. وقد اكتسبت «نيوز أوف ذي وورلد»، المملوكة لإمبراطور الإعلام الأسترالي روبرت ميردوخ، هذه الشعبية في بريطانيا بفضل تخصصها في نشر فضائح المشاهير الجنسية والمالية وتلك المتعلقة بتعاطيهم المخدرات ومختلف جرائمهم. لكن حظوظها انقلبت فجأة في الأسبوع الماضي بعدما عُلم بأنها - في سعيها إلى الخبر الحصري- تنصتت على هاتف مراهقة تدعى ميلي دولر (13 عامًا)، كانت قد اختطفت في مارس 2002، وعثر على جثتها في شتنبر من العام نفسه. وعُلم بأنها محت رسائلها الصوتية، وأنه توجد ضمن ما مُسح أدلة جنائية كان بوسعها إلقاء الضوء على جريمة قتلها. كانت هذه الفضيحة، التي سلطت الضوء أيضًا على أن الصحيفة تنصتت كذلك على هواتف أقارب الجنود القتلى في حربي العراق وأفغانستان وضحايا هجوم 7/7 على شبكة المواصلات اللندنية في 2005, هي القشة التي قصمت ظهر البعير ليصير عددها الصادر الأحد 10 من الشهر الحالي هو الأخير. النقطة التي أفاضت الكأس
كانت آخر الفضائح التي عجلت بإغلاق جريدة «نيوز أوف ذي وورلد» ما قام به أحد محققي الصحيفة عندما توصل إلى الرسائل الهاتفية للمراهقة ميلي دولر، التي اختطفت في عام 2002، فأخفى تلك المعلومات عن الشرطة بينما كانت بريطانيا تتحرّك عبر كافة الجهات من أجل العثور عليها. والغريب في الأمر أن محقق الصحيفة توصل إلى معلومات الفتاة بسهولة، كما أنه لم يكتف بالتجسس على رسائلها فحسب، بل مسح كثيرًا من الرسائل، مدمرا أدلة مهمة وجاعلاً أسرة الفتاة تعتقد بأنها مازالت على قيد الحياة ورهن الاختطاف. ولصحيفة «نيوز أوف ذي وورلد» الأسبوعية ممارسات وصفت بأنها غير أخلاقية، حيث سبق أن تجسست على محادثات هاتفية لأقارب ضحايا قتلوا في العراق وأفغانستان. أما الفضيحة الأولى فطالت أشخاصا من العائلة المالكة عام 2007، وأدت حينذاك إلى اعتقال صحفي ومحقق دفعا وحدهما الثمن. والمثير للجدل أنه رغم كل الأدلة المتوفرة والشكاوى، فإن الشرطة لم تُعد فتح التحقيق حتى الأسبوع الماضي. لماذا؟ لأن كل الفضائح القديمة أضيف إليها الكشف عن ممارسات فساد ورشاوى طالت عددا من عناصر الشرطة. وتحدث بول ماكمولان، صحفي سابق في صحيفة «نيوز أوف ذي وورلد»، عن بعض هذه الممارسات قائلاً: «كانت مائتا جنيه إسترليني كافية مثلاً لأعرف من الذي زار أحد المشاهير، بينما قصة جيدة من بضع صفحات مثلاً كانت كلفتها بين خمسة آلاف وعشرة آلاف جنيه إسترليني». وما يكشفه هذا الصحفي السابق، يؤكده ستيف روبرتس، المدير الأسبق في وحدة مكافحة الفساد في الشرطة، الذي قال: «كانت هناك بعض الحالات التي طالت شخصيات بارزة أو مشاهير أو بعض ضحايا الجرائم الذين تم كشف أسمائهم بسرعة في اليوم التالي من وقوع الجريمة في الصحف، وهذا لا يمكن أن يكون مصدره إلا واحدا منا». ويتوقع الكثيرون أن يهتز عرش الصحافة البريطانية بقوة خلال الأسابيع المقبلة بعد الكشف عن المزيد من فضائح تلك الصحيفة، وآخرها إعلان كنيسة بريطانيا سحب 350 ألف سهم تمثل استثمارات بقيمة 4 مليارات جنيه إسترليني، في حين يقف الشارع البريطاني منقسماً بين مؤيد ومعارض لقرار الإغلاق، وما ينتج عنه من تسريح عدد ضخم من موظفي ومحرري الصحيفة. وتجدر الإشارة إلى أن جريدة «نيوز أوف ذي وورلد» تعد إحدى أعرق مؤسسات الصحافة البريطانية، ويبلغ عمرها 168 عاما، وطبع منها ما يناهز مليوني وثمانمائة ألف نسخة. ولكن بالرغم من أن الصحيفة كانت تعدّ أسطورة إعلامية فإن تاريخها حافل بالتحقيقات والفضائح التي دمر بعضها سمعة نجوم وسياسيين. الطبعة الأخيرة تحت عنوان «شكرا لكم ووداعا» أصدرت صحيفة «نيوز أوف ذي وورلد» آخر طبعة لها يوم الأحد الماضي، بعد قرار من ناشرها بإغلاقها. وقد كتبت الصحيفة، المعروفة بعناوينها الساخنة والمثيرة واهتمامها بكشف فضائح الأثرياء وأعضاء الأسرة المالكة والمشاهير، في آخر عدد «شكرا لكم ووداعا» فوق صورة مجمعة لأعدادها الأكثر شهرة التي نشرت طيلة 168 عاما. وأضافت في ملحق خاص «الحياة الإنسانية برمتها كانت هنا». وكان مردوخ (80 عاما) قد وصل إلى بريطانيا الأحد الماضي في محاولة لإنقاذ صفقة استحواذه على مجموعة «بي سكاي بي» الإعلامية والتقطت صورة له وهو يتصفح نسخة من العدد الأخير للصحيفة. وقال كولين مايلر، رئيس تحرير الصحيفة، لوسائل الإعلام التي احتشدت خارج مقر الصحيفة في شرق لندن إنه يأسف بشدة لإغلاق الصحيفة. وأضاف «لم نأمل أن نكون في هذا الوضع ولم نكن نستحق أن نكون فيه». و لم يخسر روبرت مردوخ من إغلاق صحيفة «نيوز أوف ذي وورلد» سوى نزر يسير من مؤسساته الإعلامية في سبيل إنقاذ ما تبقى من إمبراطوريته. وتمتد إمبراطورية رجل الأعمال الأسترالي روبرت مردوخ، رئيس «نيوزكورب» أكبر مجموعة إعلامية في العالم، من موطنه الأصلي أستراليا إلى الولاياتالمتحدة، مرورا بأوروبا وتركيا، وتنضوي تحتها المئات من العناوين المشهورة في عالم الإعلام المقروء والمسموع والمرئي. وبلغت الإيرادات التي جنتها إمبراطورية مردوخ الإعلامية السنة الماضية ثلاثة وعشرين مليار يورو، نصفها تقريبا من قنواته التلفزيونية، بينما يتوزع الباقي على إيرادات شركات الأفلام والصحف ودور النشر. ومع تقدم سنه فوض مردوخ الكثير من سلطاته إلى ولده جيمس، الذي يقود «نيوز إنترناشنل»، الفرع البريطاني لإمبراطوريته، وإلى ابنته إليزابيث التي منحها عضوية في مجلس إدارة مجموعة الإنتاج «شاين». الإعلام و السياسة خرج رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون عقب هذه الفضيحة الإعلامية ليؤكد ضرورة تغيير طبيعة العلاقة الحالية بين السياسيين ووسائل الإعلام في المستقبل، مشيرا إلى أن فضيحة صحيفة «نيوز أوف ذي وورلد» كشفت الكثير من التجاوزات في الحقل الإعلامي وأنها «دعوة للاستيقاظ». وقال كاميرون إنه سيتم توسيع التحقيق في هذا الموضوع، كما سيفتح مركزين لتلقي استفسارات الجمهور، وكذلك البحث في أخلاقيات الإعلام وإمكانية وضع معايير جديدة يتم اتباعها وعدم خرقها أو تجاوزها، مشيراً إلى أنه لابد من تغيير الطريقة التي تسير بها بعض الصحف البريطانية، لأن ما آلت إليه الأمور حاليًا فرض حتمية التغيير، ومبينا أن لجنة شكاوى الصحافة (الجهة المسؤولة عن تنظيم العمل الصحفي) فشلت وسيتم استبدالها بإطار تنظيمي آخر جديد، يكون مستقلا عن رجال السياسة وأي تدخلات أخرى. ووعد كاميرون بأن المستقبل سيشهد مزيدًا من الشفافية في حقل الإعلام، وأنه يرتقب أن يعقد اجتماع في الأسابيع القليلة المقبلة مع مجموعة من السياسيين البريطانيين البارزين وكبار الشخصيات لتحديد اختصاصات لجنة التحقيق الجديدة حول أخلاقيات الإعلام. وأثارت الفضيحة علامات استفهام كبرى بشأن الصلات التي تجمع بين السياسيين، ومن بينهم رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون وأقطاب الإعلام مثل روبرت مردوخ، رئيس مجموعة «نيوز كورب الإعلامية»، خصوصا أن كاميرون عين رئيس تحرير سابق للصحيفة مستشارا له. وانتهز خصوم كاميرون الفرصة لدعم جهودهم لعرقلة مساعي مردوخ للاستحواذ على 61% من «بي سكاي بي»، في صفقة قيمتها 14 مليار دولار.وقد طالب إد ميليباند زعيم حزب العمال المعارض كاميرون بوقف الصفقة إلى حين اكتمال التحقيقات في الفضيحة. مردوخ والإعلام العربي ويملك الإمبراطور الإعلامي مردوخ عدة صحف محافظة مثل «نيويورك بوست» الأمريكية و«تايمز» و«صن» الإنجليزيتين، كما يسيطر على شبكة «فوكس نيوز». وينزع مردوخ، حسب شهادته الخاصة، إلى اتجاه موال لإسرائيل وداعم لها، ومن جهة أخرى يعد معاديا لفرنسا ومحاربا لنفوذها، وهو ما يلاحظ في حملات وسائله الإعلامية على فرنسا. ودخل مردوخ السوق الإعلامي العربي صراحة وشريكاً عبر استثماره في «روتانا» أو ما برر بأنه «نقاش» لامتلاك حصة. وتعتبر شركة «روتانا» القوة الإعلامية المهيمنة في الشرق الأوسط، وتمتلك ست قنوات تلفزيونية وذراعا لإنتاج الأفلام. وبالرغم من أنها انطلقت خلال السنتين الماضيتين فإنها مع هذا تستحوذ على 50 في المائة من إجمالي إنتاج الأفلام العربية، مع العلم أنها أنتجت نحو 22 فيلماً في سنة 2005. ومؤخرا اشترى محطة «تي. جي. آر. تي» التلفزيونية التركية الخاصة بعد مساومات استمرت أكثر من عام. ويسعى مردوخ إلى شراء صحيفة «تركيا» ووكالة «إخلاص» للأنباء اللتين يملكهما رجل الأعمال التركي أنور أوران في مسعى يهدف إلى التصدي للشعور المعادي ل«إسرائيل»” وأمريكا وكسب تركيا من جديد بعد تراجع صورة الحليفين في الشارع التركي. كما يصنف ذلك بأنه محاولة للدخول إلى العقل الشرقي عبر إعلامه المخترق أصلا، والذي يمتلك مردوخ تأثيرا كبيرا على أهم فضائياته عبر علاقاته الشخصية مع أمراء الخليج ونفوذه الإخباري لكونه من مصادر تلقيم الأخبار. وتجلى دعم مردوخ للمحافظين الجدد في موقف وسائله الإعلامية الداعم لحرب العراق، حيث استعمل مردوخ نفوذه الإعلامي لتأليب الرأي العام ضد العراق وإنشاء أرضية شعبية لخطط بوش ووزارة دفاعه.
فضائح بالجملة 8 غشت2006: الشرطة تعتقل محرر الشؤون الملكية في الصحيفة، كلايف غودمان، والمحقق الخاص غلين مولكير، واتهمتهما بالتنصت على هواتف عدد من أفراد العائلة المالكة، بمن فيهم الأمير وليام. 26 يناير2007: الحكم على غودمان بالسجن 4 سنوات، وعلى مولكير ب6 أشهر بعد إقرارهما بذنبهما. 31 ماي2007: ديفيد كامرون، زعيم المعارضة آنذاك، يعلن تعيين رئيس تحرير «نيوز أوف ذي وورلد» سابقًا، آندي كولسون، مديرًا لمكتب اتصالاته، رغم الاتهامات الموجهة إليه بأن حالات التنصت حدثت بعلمه باعتباره كان رئيس التحرير، لكن الأخير مازال ينكر هذا. 9 يوليوز2009: صحيفة «غارديان» تزعم أن «نيوز إنترناشونال»- مالكة «نيوز أوف ذي وورلد» - دفعت أكثر من مليون جنيه إسترليني لتسوية دعاوى قضائية كانت تهدد بتقديم أدلة على تورط صحافيي الجريدة في أعمال تنصت غير شرعية. 21 يوليوز2009: آندي كولسون يقر أمام لجنة تحقيق برلمانية بأن الأشياء «لم تكن على مايرام» خلال توليه رئاسة تحرير الصحيفة، لكنه يصرّ على أنه لم يوجه أي طرف نحو التنصت الهاتفي، وأنه لا علم له بالأمر على الإطلاق. 24 فبراير2010: لجنة التحقيق البرلمانية تصدر تقريرًا جاء فيه أنه لا تجد ما يدل على أن كولسون متورط بأي شكل في عمليات التنصت. لكن التقرير يوضح أيضًا بأنه من غير المعقول أن يكون مراسل الصحيفة الملكي هو الوحيد الذي كان يعلم بما يدور. 11 ماي 2010: ديفيد كاميرون يعيّن كولسون مديرًا لمكتب اتصالات 10 داونينغ ستريت بعد توليه رئاسة الوزراء. 5 شتنبر2010: «نيويورك تايمز» تزعم بأن كولسون كان على علم بقيام صحافييه بالتنصت على الهواتف وتتساءل عما أسمته «تراخي سكوتلانديارد في التحري عن الأمر». 21 يناير2010: كولسون يعلن استقالته من منصبه في 10 داونينغ ستريت، قائلاً إن اتهامات بعلمه بالتنصت تلاحقه وتمنعه من تأدية مهامه على النحو المطلوب. 5 أبريل2011: الشرطة تعتقل إيان إدمنتون، مساعد رئيس تحرير «نيوز أوف ذي وورلد»، ونيفيل ثيرلبيك، كبير مخبريها الصحافيين، بتهم التآمر للتنصت على مكالمات هاتفية ورسائل صوتية. 8 أبريل2011: «نيوز إنترناشونال» تقر بالذنب وتعتذر لعدد من الساسة والمشاهير عن التنصت على هواتفهم. 21 يونيو2011: المعلق الرياضي آندي غراي يقبل 20 ألف جنيه إسترليني (32.4 ألف دولار) تعويضًا له عن اعتراض رسائله الصوتية، والممثلة السينمائية سيينا ميلر تتسلم 100 ألف جنيه إسترليني (160.2 ألف دولار) عن الأمر نفسه. 4 يوليوز الحالي: اللثام يُماط عن تنصت «نيوز أوف ذي وورلد» على هاتف ميلي داولر المراهقة القتيلة، وهي الفضيحة التي فجرت برميل البارود. 6 يوليوز: ديفيد كاميرون يعلن الحاجة إلى تشكيل لجنة مستقلة عن الحكومة والإعلام للتحقيق في الفضيحة. في اليوم نفسه يتضح أن الصحيفة تنصتت على هواتف أقارب القتلى في العراق وأفغانستان. 7 يوليوز: الضربة القاتلة تأتي مع إعلان عدد متنام من كبريات الشركات مثل «فورد» و«متسوبيشي» و«فيرجين» و«تيسكو» وقف حملاتها الإعلانية على صفحات «نيوز أوف ذي وورلد» لأسباب أخلاقية. وفي عصر اليوم نفسه يعلن جيمس، نجل روبرت ميردوخ ورئيس مجلس إدارة «نيوز إنترناشونال»، عن إغلاق الصحيفة.