أول ما يشد انتباهك وأنت مسافر عبر مدن المملكة عدم نظافتها. أمر مخز حقا أن نعجز عن تنظيف شوارعنا وأحيائنا وتلميع واجهات محلاتنا وتبييض أو تلوين حيطان مبانينا وإداراتنا، شيء مثير للاستغراب أن نتحدث عن السياحة الداخلية والخارجية ومدننا وسخة تستقبل الزائر بروائح كريهة وجدران متسخة ومقاه لا تصلح حتى مأوى لقطط متجولة ومطاعم تفتقر إلى أدنى مقومات الاستقبال والضيافة. لقد ترسخ في عقلية المغربي أن المنزل و«الصالون» يجب أن يكون نظيفا وما عداه فهو «الشارع» و«الزنقة»، أي كل ما هو خارج البيت فضاء مشترك لا يستحق أن يكون نظيفا، ولذلك تجد العباد يرمون النفايات من بيوتهم نحو الزقاق ومن سياراتهم نحو الشارع ومن حقائبهم أرضا، وهكذا...حتى أصبحت شوارعنا وعتبات منازلنا وأرصفتنا وحتى مستشفياتنا ومدارسنا مزبلة مفتوحة تصدم كل ضمير حي يغير على هذا الوطن. عن أية سياحة تتحدثون؟ وفي أية منافسة ترغبون؟ ألا تظهر لكم مدننا «السياحية» في كامل وسخها أم إنكم لم تتواضعوا يوما وتتجولوا عبر مرافقها وتدخلوا مقاهيها ومطاعمها وتزوروا ولو متطفلين مراحيضها؟.. هل رفعتم يوما عيونكم نحو الأفق ونظرتم إلى شواطئنا، التي ظللت لسنين أعتقد أن الأوساخ والأكياس البلاستيكية جزء لا يتجزأ منها وأن الشواطئ خلقت لرمي الأزبال فيها وليس لغرض آخر؟.. هل انتبهتم يوما إلى المقاهي المتراصة على الشواطئ، التي تستقبل سياحا قادمين من كل بقاع العالم؟.. هل جلستم يوما على تلك الكراسي البيضاء، السوداء من جراء الأوساخ والمصنوعة من البلاستيك، وشربتم كأس شاي على تلك الموائد التي تثير الغثيان، ودفعتم «ثمن سفركم» لنادل كان يرتدي الأبيض يوما ما، لكن من فرط الوسخ صار يرتدي العار الذي يلبس كل المغاربة الأحرار الذين يموتون كل لحظة وهم يشاهدون هذه المناظر البشعة التي تحيط بهم من كل جانب؟.. هل تعيشون في هذا البلد أم إن لكم مغربا آخر يزوره سياح آخرون، له شواطئ نظيفة ليست لنا، ومقاه خاصة ليس من حقنا ارتيادها، وشمس أخرى وقمر آخر؟.. أرثي لحال أبناء هذا البلد القادمين من بعيد شوقا وحبا وأملا في قضاء بضعة أيام في حضن الأهل والوطن. أتفهم صدمتهم حينما يقارنون بين نظافة هناك ووسخ هنا. أتحدث عن المغاربة الذين يأملون رؤية البلد نظيفا ويساهمون في ذلك، وأدين بشدة الكثيرين ممن يساهمون في جعل الوطن وسخا كأنهم يكيدون له وينتقمون منه ومن جمال حباه الخالق به وحسده عليه العباد. يبدو الحديث عن النظافة في عصرنا الحالي موضوعا متجاوزا، خصوصا في بلد مسلم تتلمذ صغاره على حديث المصطفى عليه الصلاة والسلام «النظافة من الإيمان»، وبالنسبة إلى شباب يعتنون بمظهرهم بشكل مثير.. فكيف نعيش هذه الازدواجية الرهيبة في التعامل مع نظافة بلدنا وكل مرافقه، حكومة وجماعات محلية وملاكا ومواطنين..؟ العديد من الدول «النظيفة» حسمت هذا «الخلل» منذ عقود وجعلت مدنها تفخر بجمالها ونقائها وكبريائها، فيما نحن لازلنا نتعامل مع كل المرافق المشتركة كمزابل، حتى أصبحنا كالجرذان نتعايش مع هذه المظاهر كأنها عادية. يثيرني كل من يتحدث عن السياحة والسياح، وعن الأفق والمستقبل، وعن «أجمل بلد في العالم».. فيما رائحة الوطن تزكم الأنوف والعيون.