على طول رقعة هذا الوطن العربي، وعلى امتداد المخاضات التي مر منها إنسانه من أجل التحرر والبقاء والكينونة، نواكب هذا الحراك الذي لم يفتر يوما منذ اشتعل مع أحلام النهضة العربية المؤجلة، من خلال زاوية خاصة: زاوية الكاريكاتور ومبدعيه. في هذه السلسلة ننفتح على تجارب رسامي كاريكاتور عرب سخروا ريشاتهم وفنهم للانخراط في نهضة أمتهم، غير أن حبهم لهذا الوطن لم يكن دائما ليشفع لهم ويكف عنهم الأيدي. فكثير من فناني الكاريكاتور قدموا أرواحهم فداء لريشاتهم وأفكارهم وأحلامهم، لكن الكثير منهم أيضا ألهم القراء والمتابعين وطبع ذاكرة وتاريخ الوطن العربي. في هذه السلسلة نسترجع محطات من حياة هؤلاء وفاء لهم ولفنهم النبيل.. في ظهر يوم 22 يوليوز 1987, وعندما وصل ناجي العلي إلى شارع آيفز حيث يقع مكتب صحيفة «القبس» الدولية, وبينما كان متوجهاً إلى مقر الصحيفة اقترب منه شاب مجهول وأطلق عليه رصاصة أصابته قرب Bنفه من مسدس كاتم للصوت، سقط بعدها ناجي على الأرض فيما فر الجاني، الذي أضاف اسما جديدا في تاريخ الاغتيالات العربية. كان ناجي العلي أول فنان رسام كاريكاتير يقتل من أجل خطوط بسيطة بالأبيض والأسود، يعبر فيها عن قضيته ومأساة شعبه الفلسطيني، وقد كانت وصية ناجي الخاصة دفنه إلى جانب والديه في مخيم «عين الحلوة» في صيدا حيث نشأ وترعرع فيها. ولد ناجي العلي في قرية الشجرة عام 1939 في فلسطين، وبعد إبعاده عام 48 مع عائلته عاش في عين الحلوة جنوب لبنان، وكانت هذه الحياة مصدر إلهامه في رسوماته فيما بعد. بعد حصوله على شهادة دبلوم الميكانيك دخل ناجي أكاديمية الفنون في لبنان، ثم تركها حيث سافر إلى الكويت ليعمل رساما في صحيفة الطليعة ومخرجاً فنياً، تنقل بعدها بين عدة صحف منها «السياسة الكويتية»، السفير اللبنانية، صحيفة القبس, وبعدها استقر ناجي في لندن ليواصل بريشته مشروعه النضالي المسالم، كان سر نجاحه عفويته الصادقة التي لم يعهدها الفن الساخر العربي آنذاك. اشتهر ناجي في رسومه بشخصية حنظلة, وهي تمثل صبياً في العاشرة من عمره، يدير ظهره للقارئ، يقول ناجي بهذا الصدد: «ولد حنظلة في العاشرة في عمره وسيظل دائما في العاشرة من عمره، ففي تلك السن غادر فلسطين وحين يعود حنظلة الى فلسطين سيكون بعد في العاشرة ثم يبدأ في الكبر، فقوانين الطبيعة لا تنطبق عليه لأنه استثناء ، كما هو فقدان الوطن استثناء». لقي هذا الرسم وصاحبه حب الجماهير العربية كلها وخاصة الفلسطينية، لأن حنظلة رمز للفلسطيني المعذب والقوي ورغم كل الصعاب التي توجهه فهو شاهد صادق على الأحداث.